بعد هجرة اللقالق من بلدتي الجميلة ، تلتها هجرات جماعية لشابات وشبان ونساء وقاصرين نحو أوربا ، بعدما أحسوا بالضيق وانعدام الأمان وبعدما فقدوا الأمل في وطنهم الحبيب، وكل ذلك تجنبا لتكرار تعاسة أمهاتهم وآبائهم، وما دامت أوربا تنادي وفتحت صدرها لكل مقبل لها ولكل راغب فيها، فقد لب الجميع النداء باستثناء الشيوخ وبعض الشبان الذين ما زالوا متشبتين بأمل التغيير. كنا في الماضي نسمع بهجرة فرد على الأقل إلى خمسة أفراد على الأغلب، لكن اليوم ما نسمعه عن عدد المهاجرين الهائل يوميا، ينذر بكارثة إنسانية لا محالة، لهذا وجب علينا بكل صدق وأمانة دق ناقوس الخطر مرة أخرى ، لعل أصحاب القرار في هذا البلد الغالي على نفوسنا يدركون ما آلت إليه أوضاع البلاد قبل فوات الآوان. لقد سبق وأن تنبأت بأن سنة 2018 ستكون سنة للهجرة بامتياز، وهو ما حصل بالفعل، ولذا أقول لكم أيها المسؤولون الحقيقيون على أحوال هذه البلاد، – أما المنتخبون فنعلم علم اليقين أنهم كراكيز ليس بيدهم حيلة- ، أيرضيكم ما نحن عليه؟ أيرضيكم هذا التذيل؟ التذيل لجل التصنيفات على جميع الأصعدة. هل آذانكم صماء؟ لم تعد تسمع نداءات الضعفاء المقهورين ، ولم تسمع باحتجاجاتهم ، وإن كان الأمر كذلك ، فلن يكون عذرا مقبولا، وهل كانت أعينكم عمياء؟ لم يعد بإمكانها أن تبصر ما يحدث وما يجري حولها، وحتى إن كان الأمر كذلك، فالعذر غير مقبول. هل تعرفون لماذا؟ لأننا بكل بساطة نعيش في القرن الواحد والعشرين والطب فيه وصل إلى اللا معقول وما بالكم بالمعقول، قد تجاوزه وتخطاه. لقد أصبح الفساد ببلدنا ينمو كالفطر في كل قطاع وفي كل مؤسسة، أصبح المغرب يعطى به المثل في تفشي ظاهرة الفساد والمفسدين وجاء ذلك على لسان رئيس دولة كنا في الماضي القريب نعدها من الدول الفقيرة والهشة، وقد أنهكتها الحروب والمجاعة، لكنها اليوم تخطتنا وأصبحت في ركب الدول الصاعدة، إلى جانب دول إفريقية أخرى كانت تعيش في السابق تحت رحمة الرصاص والقتل الوحشي، والتطاحنات العرقية. الشباب فارقتهم الإبتسامة ،- دون أن نغفل حالة العجائز والشيوخ التي غرقت في الأحزان- ، وأصبحوا يأملون في مستقبل باهر وزاهر في مخيلاتهم ،ليس في وطنهم طبعا، بل في أوربا، اسبانيا تحديدا، لأن الوطن لم يعد قادر على احتضانهم، دون أن يفكروا في عواقب الموت، ولم يعودوا يثقون في مقولة : الوطن يتسع للجميع ، إنهم يأملون كلما سنحت لهم الفرصة ذلك أن يعيشوا غرباء ومنفيين عن وطنهم، فالعيش في الغربة خارج الوطن خير من العيش في الغربة داخله، يفضلون الموت في البحر من العيش في هذا الوطن الذي أنهكهم. فما معنى أن نكون مواطنين؟ هل معناه أن نصارع أمواج الفساد العاتية؟ ونبحر ضد تيار المجهول؟ وأن نستعين بأنابيب مليئة بغاز اليأس؟وهل معنى ذلك أن نلقي بأجسادنا العارية الضعيفة على رمال لا تنبت إلا الشوك ونتخذه طعاما لنا، وعندما ينادي الظمأ نفتح كفوف أيدينا لنشرب من البحر طواعية، بدلا من الشرب منه إجبارا،لا ثم لا ، فشبابنا لم يعد يطيق ذلك، وجفونهم لم تعد قادرة على تحمل دموع الفقر والحرمان والحاجة، الشمعة مضيئة فلا تستهيوا بلهبها. وختاما : يقول عبد الله العروي في كتابه: مفهوم الدولة صفحة 6 ” تواجهنا الدولة أول ما تواجهنا كأدلوجة، أي كفكرة مسبقة، كمعطى بديهي، يطلب منا أن نقبله بلا نقاش، كما نقبل خلقتنا وحاجتنا إلى الأكل والنوم واتكالنا على العائلة والعشيرة، نقبل إذن، من ضمن ما نقبل بدون نقاش، وجود دولة وضرورة الإنقياد لأوامرها التي يشخصها دائما فرد قريب منا،الشيخ، المعلم، الأب، ولا يجدي في شيء أن نتصور حالة سابقة لظهور الدولة، حتى لو وثقنا بوجود تلك الحالة، فإنها لن تنفعنا في فهم الدولة القائمة حاليا “.