الفهرس الاستثناء المخزني اكتظاظ المدارس اكتظاظ السجون اكتظاظ دور العجزة الاستثناء المخزني كثيرا ما يتحدث الناس وخاصة من هم في الخارج، عن التجربة المغربية المتميزة ،حيث الانتقال الديمقراطي ياخد مساره الصحيح ؟ وحيث الدستور الجديد يؤسس لدولة المؤسسات ؟ ويربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ وحيث إعطاء الفرصة للإسلاميين وعدم الانقلاب عليهم ؟. إنه إدا لوضع استثنائي في بيئة عربية تعرف كثير من الاضطراب و العنف . لكن في نفس البلد يعرف قطاع التعليم تدهورا خطيرا لم يشهده من قبل ،و المدرسة المغربية تحتل المرتبة ما قبل الأخيرة عالميا ، في نفس البلد السجون تعرف اكتظاظا مهولا وصل إلى 300 في المائة رغم العفو الذي يطال الآلاف عند كل مناسبة ، في نفس البلد نسبة الانتحار مرتفعة ولا تسبقنا من الدول العربية إلا السودان ، في نفس البلد عدد الآباء والأمهات المتخلى عنهم في ارتفاع متزايد و المؤسسات الخيرية تستغيث و تستعطف الأبناء، وتتوسل المحسنين ، من خلال الحملات الاشهارية و الأفلام الوثائقية "لحبيبة مي" مثالا . . أي مجتمع هذا ؟ أي تربية تلقاها هذا الإنسان ؟ أي تجربة رائدة و استقرار استثنائي ينبغي الاقتداء به ؟ إنه إستتناء مخزني وقدرة ماكرة على تلميع الصورة الخارجية من خلال قلب الحقائق وإعطاء صورة مغلوطة عن الواقع . اكتظاظ المدارس تعتبر المدرسة لبنة أساسية من لبنات المجتمع ، فهي مفتاح التربية وسر التغير ، ومن خلالها و بها يتم تربية الفرد وتنشئته على القيم الجيدة والمعارف المتجددة ، وعلى جودة المدرسة وتجددها تتوقف جودة الإنسان ورقي سلوكياته وأفعاله ، بل وعلى جودة المدرسة يتوقف تقدم المجتمع أو تخلفه ، فجودة المنتوج من جودة الإنسان، وجودة الإنسان من جودة التربية التي يتلقاها داخل الأسرة والمدرسة ،ولأننا بلد الاستثناء، ربما قد نحقق التقدم و الرقي دون الحاجة إلى مدرسة جيدة ؟. مند الاستقلال إلى اليوم لم نستطيع ضمان الحق في التعليم الجيد لجميع أبناء المغاربة ، وظاهرة الاكتظاظ أصبحت صفة مميزة للمدرسة المغربية ، بل وتعايشنا معها حتى بتنا لا نتصور مدرسة مغربية بدون اكتظاظ ، ومن أجل تنظيم ذلك – لأننا في دولة المؤسسات-تدخلت وزارة التربية الوطنية، فأصدرت مذكرة تعتبر أن الحد الأدنى من التلاميذ في كل قسم هو 48 تلميذ ، فتحول الحلم إلى حقيقة وأصبح الاكتظاظ صفة مميزة للمدرسة المغربية . إن المدارس التي تحترم كرامة الإنسان وتضمن له الحق في تعليم جيد ، تعتبر أن الحد الأقصى من التلاميذ في كل قسم هو 25 تلميذ ، وذالك بما يضمن متابعة التلميذ، ومصاحبته، و التواصل معه ،والاقتراب من انشغالاته، قصد مساعدته على الرقي بقدراته و تطوير مكتسباته ، وحتى يأخذ التلميذ حقه كاملا في الرعاية، و التربية، و التوجيه ،أما مع الاكتظاظ فلا يمكن الحديث عن المتابعة، و لا على المصاحبة، و التوجيه،والتربية ،ويمكن الحديث فقط عن التعثر الدراسي ،و الهذر المدرسي ، و العنف المدرسي، وارتفاع عدد الراسبين والمنقطعين. من المدرسة إذن إلى الشارع ، لتطفوا على السطح ظواهر الانحراف ، السرقة ، تعاطي المخدرات ، فتنتقل ظاهرة الاكتظاظ من المدارس إلى السجون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . اكتظاظ السجون إن اكتظاظ السجون وضع عادي و نتيجة طبيعية، في ظل غياب مدرسة جيدة، تعمل على تربية الفرد وتكوينه، حتى يكون مواطن صالح لنفسه ولوطنه ، وفي ظل تفكك الأسرة ومعاناتها بسبب غلاء المعيشة ، وغياب الدخل القار وارتفاع نسبة البطالة . إن هم العيش لم يترك للأسرة الوقت حتى تتفرغ لتربية أبناءها وتتبع سلوكياتهم ، أين سيذهب هذا الشاب المسكين ؟ ، المدرسة طرد منها ولم يأخذ حقه في التعليم بسبب الاكتظاظ ،الأسرة تعاني الفقر والأب منشغل بالبحت عن لقمة العيش ، والنوادي الرياضية و المؤسسات الثقافية التي من المفترض أن تستقطب الشباب ،وتعمل على اكتشاف مواهبهم ،وتطوير قدراتهم، فهي شبه منعدمة . إذن لم يبقى أمام هذا الشاب المسكين إلا الشارع ،حيث المخدرات، والسرقة ،والعنف، وكثير من الظواهر التي تحط من كرامة الإنسان ، وحيث السجن ينتظر هؤلاء المساكين ، فاكتظت السجون وستكتظ في المستقبل، إن لم يتم إصلاح المدرسة ، وحماية الأسرة ، وتوفير مؤسسات ثقافية ورياضية في جميع الأحياء السكنية ،لاكتشاف المواهب والطاقات وتطوير القدرات . لو خصص المخزن مثل هذه الميزانية المرصودة لبناء السجون ، في بناء المدارس والمؤسسات الرياضية وتوفير فرص الشغل ، لما احتاج في المستقبل لبناء السجون ، بل وربما احتفل المغرب في المستقبل بآخر سجين ، كما هو الحال اليوم في السويد و سويسرا حيث السجون فارغة ، وحيث الدول المجاورة مثل بلجيكا و هولندا و ايطاليا تستأجر من هذه الدول سجونها ، فهل سيأتي يوم تستأجر الدول المجاورة من المغرب سجونه ؟؟؟. اكتظاظ دور العجزة إن ارتفاع عدد الآباء والأمهات المتخلى عنهم ، دليل آخر على تفكك الأسرة المغربية و تراجع قيم التضامن و التكافل داخلها ،وهي الأسرة المسلمة المأمورة من قبل ربها جلا و علا ،بالإحسان في معاملة الوالدين ، وخفظ الجناح لهما ، وهذا يدفعنا غلى التساؤل: هل المدرسة المغربية تعمل من خلال برامجها و مناهجها على تربية أبناءنا و بناتنا على قيم التضامن، و التكافل، والإحسان في معاملة الوالدين، و الناس أجمعين ؟؟،وإلا فلا يمكن أن نحاسب أبناءنا على قيم ومبادئ لم يتربوا عليها ، ففاقد الشيء لا يعطيه وكل إناء بما فيه ينضح . إن كل الأمم تعمل على تربية أبناءها على قيمها و مبادئها الخاصة ،فاليابان مثلا تعمل ومند التعليم الأولي على تربية أبناءها ، على كيفية التعامل مع الناس و ما يتطلبه ذالك ، من احترام و تقدير و أذب ،وأولى الناس عندهم بالتقدير و الاحترام، هم عمال النظافة ، لما يقومون بهم من عمل جليل نبيل يستوجب كل تقدير. أما عندنا فلا خبر للقيم و المبادئ المميزة لنا كمجتمع عربي إسلامي في المقررات الدراسية ، ومند التعليم الأولي يبدأ الطفل في تعلم الفرنسية و الانجليزية ، لغة وثقافة ، وقيل أننا نريد بناء مواطنا كونيا ،منفتح على القيم والمبادئ الكونية ، وليس فقط القيم و المبادئ المحلية الضيقة ؟؟. فكانت النتيجة هي تفكك الأسرة ،وتراجع قيم التضامن و التكافل داخلها ،وظهور أمراض اجتماعية لم يعرفها المجتمع المغربي من قبل ، وضاعت مسألة الهوية والخصوصية، وأصبحنا وكأننا مجتمع بلا تاريخ ،ولا حضارة ولا تصور خاص للكون وللحياة، أصبحنا نستورد كل شيء من الخارج :كيفية تربية الأبناء ، وكيفية التعامل مع الآباء ، فظهرت عندنا دار العجزة كما في الغرب ، بل و اكتظت بآباء وأمهات يحكون قصص ومآسي تنفطر لها القلوب ، والأدهى والأمرً أن هذه المؤسسات الخيرية إمكانياتها شبه منعدمة إلا من كرم المحسنين ، وهي لا تقوى على تحمل نفقات العدد المتزايد من الآباء و الأمهات المتخلى عنهم ، فهي تستغيث الأبناء وتتوسل المحسنين فهل من مجيب ؟؟؟ فلا نحن حافظنا على قيمنا و مبادئنا حتى تكون لنا أسرة قوية متضامنة متكافلة ،يطبع الاحترام و التقدير والإحسان في معاملة الوالدين سلوك أفرادها، ولا نحن تحولنا إلى دولة حداثية حيث المؤسسات الاجتماعية تعوض دور الأسرة في التكافل و التضامن ، بل نحن أسرة مفككة تعاني ويلات الأمية و الفقر ، ومؤسسات اجتماعية شبه منعدمة وإن وجدت فهي تعاني الاكتظاظ وتشكو قلة الموارد البشرية والمالية . إن ظاهرة الاكتظاظ والتي أصبحت ظاهرة مغربية وصفة مميزة لكثير من المؤسسات العمومية "المدارس" "السجون" "دور العجزة" ستبقى دليلا واضحا ،وبرهانا ساطعا، على زيف شعارات المخزن ، فلا يصح إلا الصحيح ، والمغاربة في حاجة إلى من يصارحهم بحقيقة الواقع ،لا من يسوق لهم الوهم ، فالواقع الاجتماعي يعاني الاحتقان ومهدد بالانفجار في أية لحظة ، وما احتجاجات مدن الشمال على" أمانديس" عنا ببعيد .