عندما تقترب الانتخابات البرلمانية. كل المناورات تصبح مباحة لاستمالة أصوات الكتلة الناخبة. يمكن استعمال أي شيء و كل شيء للتأثير عاطفيا على المواطنين و لو عبر الكذب و التحريض على الكراهية. ما يحدث اليوم فيما بدأ يعرف بملف الطلبة الأطباء و المنحى الذي أخذه خير دليل على الاستغلال السياسوي لشريحة من المجتمع ذنبها الوحيد أنها لم تهتم بالأحزاب السياسية ورفضت الانخراط فيها، و أنها رغم تفوقها الدراسي أو بسبب تفوقها الدراسي و نبوغها العلمي سيصعب عليها أن تفهم البنية العميقة لمجتمع لا يجد المكلف بقطاع التربية و التعليم أدنى حرج بأن يوصي المدرسين بنسبة مئوية للتلاميذ الناجحين حتى لو حصل التلميذ على معدل 10/3 في الفصل. فالمهم عند السياسي هي لغة الأرقام، حتى لو كانت هذه الأرقام مزيفة و لا تعكس حقيقة الوضع. و لهذا يصعب كثيرا على الأطر النخبوية في المغرب من أطباء و مهندسين و أساتذة جامعيين و أكاديميين من أن يفهموا أصل و طبيعة الأشياء التي تربط بعضها ببعض في مجتمع لا يحارب الأمية إلا بالأرقام . و يصعب عليه أن يفهم عمل السياسي في مجتمع هش و الذي يشبه منطق البهلوان الذي يحاول أن يحافظ على التوازن فوق حبل رقيق بهدف استمالة إعجاب و تصفيقات الجماهير و الترفيه عنهم. فوزير الصحة، بحكم تخصصه كطبيب و بحكم ممارسته للعمل السياسي و نضاله الحزبي، يعرف تماما المشاكل الذي يتخبط فيها القطاع الصحي و بنيته الخفية التي تتحكم فيه، و يدرك أيضا محدودية ميزانية و إمكانيات الدولة، و على دراية بمختلف اللوبيات التي تتحكم في القطاع بصفقاته العمومية و بمستشفياته. و يستشعر جيدا الصعوبات و الضغوطات التي يتعرض لها الطبيب المغربي من قلة و غياب الإمكانيات و كثرة المرضى و شبح البطالة الذي أصبح يهدده و غياب شروط السلامة و النظافة من المستوصف الذي هو مقر عمله اليومي و أشياء أخرى كثيرة و خطيرة وزيرنا المحترم بحكم منصبه و موقعه هو الأدرى بها. و لكن السيد الوزير، يفضل تدبير قطاع الصحة باستمالة العواطف البدائية الأقرب إلى الجاهلية في النفس البشرية و بالركوب على مشاكل القطاع و افتعال الأزمات و ذلك من أجل أهداف يحاول أن يظهرها نبيلة عبر خداع الرأي العام و مناورته، و لكنها ستضر المواطن البسيط نفسه أكثر مما ستضر الطبيب. فواقع الحال يفضح أن ما يريده الوزير هو تعبيد الطريق لطلبة القطاع الخاص و ذلك بهدف الخوصصة التدريجية للقطاع إلى أن ترفع الدولة يدها بالكامل عن قطاع الصحة. و إلا كيف يمكن أن نفهم توقيت هذا القانون الذي يتزامن مع السماح للقطاع الخصوصي بتدريس مهنة الطب؟ و لماذا طلبة القطاع الخاص تم استثناؤهم من هذا المشروع؟ فهل سيتحولون بقدرة قادر إلى أطباء درجة أولى أو سوبر أطباء فقط لأنهم يملكون أوراق البنكنوت؟ و كيف يريد السيد الوزير أن يضحك على ساكنة العالم القروي و يقنعها بأن وجود الطبيب بدون أجهزة أو أدوية قادر على أن يحل مشكل التمريض لديهم؟ فهل سيتحول الطبيب إلى "فقيه" يمارس الحجامة و يقرأ الفاتحة على المرضى؟ أو سيقوم بتحقيق توصيات رئيس الحكومة عبر مداواة المواطن المغربي بقليل من المجهود و بدون سكانير و لا أدوية. إنه حتى لو حاول فعل ذلك فإنه سيكون أقل مردودية و مصداقية ممن احترفوا معالجة الناس بالبركة و هم كثر. و لكن أخطر ممارسة سياسوية أتقنتها هذه الحكومة، و لن يستشعر الشعب المغربي تبعاتها إلا بعد فوات الأوان إذا لم يستيقظ من سباته و انساق وراء استبلاد الحكومة لعقله، هو تحريضها الشعبوي للمغاربة على بعضهم البعض. فأسلوبها في إدارة معاركها السياسية دائما يعتمد على شيطنة جهة على حساب أخرى و على نشر العداء و الكراهية بين طرف على حساب طرف أخر. فتستمتع برؤية المغاربة ينهشون بعضهم البعض بينما هي تتفرج عليهم بابتسامة ملائكية تاركة حروب متطاحنة يديرها المغاربة فيما بينهم بكثير من الحقد و الكراهية و العداء وبدون أن يفطنوا بأنهم جميعهم مستهدفين من طرف الحكومة و بأنهم في الأصل ضحايا مشتركين و عليهم أن يتوحدوا و يتحدوا ضد الحكومة لا ان ينساقوا وراءها بإدارة حروب بالوكالة على بعضهم البعض. فالوزير الوردي عبر خرجاته الإعلامية يعمل جاهدا على شيطنة الطلبة الأطباء و تصويرهم للرأي العام بأنهم أنانيون و غير و طنيون. و لكن سيدي الوزير هل الوطنية هي النهوض الفعلي بالبلد و شعبه أم الوطنية تقتصر في المشاركة في لعبة الأرقام المزيفة؟ الأطباء اليوم بفضل السيد الوردي، الذي يمتلك مناورة السياسي المحنك و منصب الوزير وجدوا أنفسهم عزل لا يملكون إلا نبضهم و إيمانهم البريء بقضيتهم العادلة. فهو يريد أن يشتت قواهم فأرسل لهم المخزن بأمر من الحكومة ليدوس على كرامتهم، و تركهم يواجهون الرأي العام بمفردهم و الذي ألصق في الطبيب أزمة قطاع حكومي بأكمله و كأنه المسئول على التسيير و التخطيط بينما عمله يقتصر على معالجة المرضى وفق الإمكانات المتاحة. إن أزمة القطاع الصحي لا يمكن التخفيف من حدتها عبر التشفي في الطبيب و احتقاره و التشكيك في كفاءته و مصداقيته، و لا يمكن معالجتها عبر مقاربة انتخابوية و شعبوية محضة الهدف منها استمالة أصوات الناخبين و الحفاظ على مصالح اللوبيات الضخمة. أزمة القطاع الصحي لا يمكن معالجتها إلا عبر إرادة قوية مبنية على الوطنية الصادقة، هذه الوطنية التي يجب أن يتحلى بها مختلف الفرقاء الساهرون على هذا القطاع و الذي يعتبر الطبيب فيها فقط جزء بسيط من سلسلة معقدة.