لسنا بحاجة للتذكير بمعاني كلمة التشرميل، فلطالما شنفت مسامعنا و كحلت اعيننا ،سواء في حياتنا الواقعية او في العالم الافتراضي ،غير اننا لم نجد احسن منها لتوصيف بعض الجوانب من حياة شريحة من المغاربة في الفترة الراهنة .انها ظاهرة تعبر عن سلوكات موغلة في العنف الجسدي و المادي من طرف فئة من الشباب المتهور المنفلت عن جادة القانون، سلوكات لا تكتمل الا بشطرها الثاني الا وهو التباهي بصور الجرائم و الممتلكات المسروقة تحت التهديد بالسلاح الابيض. هي ظاهرة يمكن تفسيرها دون تبريرها بالطبع . من هذا المعنى العملي ،ننتقل الى معنى اخر لا مادي، ثقافي و فكري ، نجده لدى شريحة لا يستهان بها من المغاربة ،ومما يحز في النفس ،ان يكون منهم محسوبون على المثقفين والفنانين و الادباء و رجال تربية، بحيث يصعب التماس الاعذار لهم بعكس غيرهم من عامة الناس . ولقد اخترنا ثلاث مجالات كأمثلة ضمن اخرى لتوضيح ما نذهب اليه : 1. ظاهرة العنف 2. قضية المرأة 3. مسألة الأمازيغية 1. ظاهرة العنف يصعب حاليا ان تجد من المغاربة من يتبنى علانية افكار العنف بشكل رسمي ،بل تجدهم ينادون بنشر ثقافة الحوار، السلم، التفاهم ،التعايش و نبذ سائر انواع القمع ... يحدث هذا حين يكون الشخص مثلا امام كاميرا التلفزيون او ميكروفون الاذاعة او في ضيافة نشاط ثقافي او جمعوي... لكن ما ان يلج المناطق المعتمة ،حتى تنجلي لديه شخصية التشرميل ،فتراه يفصح عن حنينه الى نظام سياسي رهيب ،الى المدرسة قديما و عصاها الغليظة ،و يأسف لما الت اليه اوضاع السجون حيث المأكل و المشرب و التلفاز... والمخافر التي لم تعد ترهب هذا الجيل ، و يلعن اب حقوق الانسان و الحقوقيين الذين جعلوا الناس يتجاوزون حدودهم .هم اناس يؤمنون بجدوى العنف و صلاحيته لذلك لا غرابة ان العنف احاط بنا من كل حدب و صوب. 2. قضية المرأة اعدادهم كبيرة اولئك الذين يحتفلون بعيد المرأة، و يتبادلون التحايا و المجاملات بهذه المناسبة او غيرها، لكن في قرارة انفسهم مستاؤون من خوض المرأة لغمار الحياة على قدم المساواة مع شقيقها الرجل، و يردون كل اعطاب المجتمع الدينية و الدنيوية اليها ،لكونها لم تلزم بيتها ،و لأنها الحلقة الضعيفة الناقصة التي من خلالها تم استهداف الامة في مقتل .هم لا يحتفظون بأفكارهم لأنفسهم بل ينتهزون اي فرصة للترويج لاعتبار حقوق المرأة و تحررها من القيود الماضوية خروجا عن الدين و الاخلاق. فمن منظورهم لا يمكن للمجتمع ان تقوم له قائمة ما دام سائرا في غي المساواة و الانصاف بين الجنسين ،يصرحون بهذا عندما يتأكدون ان لا مساءلة تنتظرهم، و ان مستهدفيهم طيعون معبؤون بثقافة تحرم الرد و النقد و اعمال العقل. 3. مسألة الأمازيغية بعدما تمكنت من تبوؤ المكانة اللائقة بها كلغة رسمية في الدستور، انبرى المغاربة الى تثمين الخطوة بمن فيهم من كانوا يناصبونها العداء، فاصبح انصاف الأمازيغية انجازا ملازما لخطاب الانتقال الديمقراطي في المغرب داخليا و خارجيا .و بهذا يظهر المغاربة على قلب رجل واحد، لكن الحقيقة المرة هي ان هناك من يشتغلون في الخفاء، و لانهم اجبن من ان يصرحوا بمواقفهم الأمازيغوفوبية في العلن، فانهم يمارسون عمليات التشرميل ضد هذه اللغة اذا خلوا الى شياطينهم في مناطق الظل ، في المؤسسات التعليمية، في المساجد ،في التظاهرات الفنية الادبية ...و ذلك بعبارات الاهانة والتجريح لواحدة من اللغتين الرسميتين للوطن ،و التحقير للمدافعين عنها و شيطنتهم، ضاربين بعرض الحائط سعي المغاربة الى تحقيق الوعي بذاتهم ،و الانعتاق من الاستلاب المزدوج المقيت من الغرب و المشرق، بتجاوز حقبة الاقصاء و الجزع من التنوع. يمارسون كافة اشكال العنف و الاقصاء و الكراهية ضدا على كل القوانين ،و يتباهون فيما بينهم حول مقدار ما يحققونه من طعنات على اجساد ضحاياهم ،و حول مقدار ما يصلونه من عجرفة وتفاخر اجوفين تجاه من يعتبرونهم اعداء لهم ،لانهم لا يستوعبون دروس التاريخ والتي من اهمها كون البشرية تسير قدما في اتجاه تصاعدي ، رغم كل العراقيل و لا يمكنها الرجوع الى الوراء. لقد نسب الى الفيلسوف الظاهرة "فولتير" قوله:"التنوير ينتشر شيئا فشيئا ….و ينبغي ان نترك العميان العجائز يموتون في ظلامهم".