تفضلت جريدة «العلم» ليوم الثلاثاء 17 يونيو 2008 مشكورة بنشر مشروع القانون رقم 31.80 المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري المتعلقة بالأماكن المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني وقد تضمن هذا المشروع 10 أبواب بالإضافة إلى مذكرة تقديم لم تخل من تفصيل لأسباب نزول هذا المشروع ومن خلال هذه المذكرة يلاحظ أن نسبة الأسر المكترية قد تراجعت خلال العقدين الأخيرين من 43% خلال سنة 1982 إلى 35% سنة 1994 لتنخفض الى 29% سنة 2004. وقد غزت المذكرة أسباب الركود الى مجموعة من الاختلالات أهمها: غياب إطار قانوني ملائم يغلب كفة المكتري على حساب مصلحة المالك تشتت النصوص القانونية المنظمة لعقود الكراء طول المسطرة القضائية من أجل فض النزاعات المتعلقة بعقود الكراء. ولتجاوز هذه الوضعية تفتقت عبقرية الوزارة المعنية وابتكرت مشروع قانون، هذا الذي من خلاله سيتم إلغاء نصوص قانونية تقادمت بعدم الاستعمال، وادخال تعديلات على بعض المساطر الحبسية والقانونية الملازمة لتحديد الوجيبةالكرائية واستيفائها، والتشجيع على إبرام عقود الكراء الكتابية وملء الفراغ القانوني الذي يعتري النصوص الجاري بها العمل. لكن ما قفزت عليه هذه المذكرة أنه من خلال دراسة قامت بها الوزارة المكلفة بالاسكان سنة 2007 اتضح ان العجز السكني المتراكم وصل سنة 2002 الى حوالي 700 ألف وحدة بالإضافة إلى ضعف التجهيز المسجل بالأحياء غير القانونية الذي يطال حوالي 540 أسرة (1). وحسب الدراسة التي قام بها مرصد الاسكان فإنه بين سنة 2001 و 2002 فإن الوجيبة الكرائية للمحلات المعدة للسكنى عرفت ارتفاعا بالنسبة 6.81% ، وأن أكبر نسبة الزيادة عرفتها المساكن الاقتصادية وصلت الى 7.61 %. وعلى مستوى العمالات والاقاليم فان مدينة الدارالبيضاء عرفت زيادة نسبة 3.69% خلال سنة 2001 2002، كما عرفت مدينة الرباط ارتفاعا بنسبة 7.96%، واستقرت في مدينة القنيطرة في 8.51% وبفاس 9.33%، ووصلت هذه النسبة الى 10.81% في طنجة و 10.24% في آسفي، وارتفعت نسبة الوجيبات الكرائية للمحلات السكنية على المستوى الوطني بنسبة 7% مقارنة مع سنة 2001 (2). يستخلص مما سبق أن الدولة ظلت محايدة كلما تعلق الأمر بتحديد الوجيبة الكرائية، حيث يبقى الطرف القوي /المكري يفرض شروطه التعسفية ضد المكتري الذي ليس له الحق إلا في الاذعات أو الانصراف، وهذا القرار الأخير مستحيل الوقوع. Voir l'évolution des mantants des loyers et des charges locatives : Ministres delégué changé de l'habitation et d'urbanisme :2001-2002 وفي ظل وضع كهذا حيث يكون الدخل محدودا والسومة الكرائية في ارتفاع مضطرد يصعب مسايرة ما ذهبت إليه مذكرة التقديم من أن الاطار القانوني المنظم للعلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري تحمي مصالح المكتري على حساب المكري. ويكفي الاطلاع على الاحكام والقرارات القضائية القاضية برفع الوجيبة الكرائية والحكم بالإفراغ لمعرفة الواقع الحقيقي لسوق الكراء السكني والمهني في المغرب، خاصة، في ظل الاسهال القانوني منذ سنة 1999 الى سنة 2007 دون جدوى. بعد هذه التوطئة التي تطلبتها المنهجية المسايرة لمشروع قانون 31.80 ، سنحاول القيام بدراسة وصفية الى الابواب العشر المكونة للمشروع. من خلال تناولنا للجزء الأول الباب الاول: مقتضيات عامة: من خلال هذا الباب حاول واضع مشروع قانون تحديد الامكنة الخاضعة له، حيث حددها في عقود أكرية المحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني أينما كان موقعها، واستثنى من أحكامه تلك الخاضعة لتشريع خاص. إن أهم ملاحظة يمكن إبداؤها بخصوص هذا الفصل أنه وقع في تناقض بين ما تضمنته مذكرة التقديم وما نص عليه، إذ أن الهدف المتوخى منه هو توحيد وتجميع النصوص القانونية المنظمة للكراء، ومن ثم يخرج من أحكامه كراء الاملاك الحبسية التي تظل خاضعة لقانون 21 يوليوز 1913 المنظم لتحسين الاحباس العمومية كما وقع تعديله وتتميمه، والمساكن الوظيفية الخاضعة لقرار 19 شتنبر 1951 بشأن النظام الخاص بالموظفين المسكنين من قبل الادارة. وفي هذا تشتيت للنصوص القانونية المنظمة للكراء وليس تجميعها كما يدعي مشروع قانون. وقد أتت المادة 2 بصيغة معيبة مفادها أنه تحدد بالتراضي الوجيبة الكرائية للمحلات المشار اليها في المادة أعلاه مؤثثة أم لا، وكذا مرافقها من أقبية ومرائب وساحات وحدائق. ولنا أن نتساءل هل الاماكن المعدة للاستعمال المهني تكرى مؤثثة شأنها في ذلك شأن تلك المعدة للاستعمال السكني، ثم ماذا لو اقتصر الامر على ذكر صنف المحل مع ذكر ملحقاته، إلا لوجب ذكر كذلك الحصص المفرزة والمشتركة إذا تعلق الأمر بكراء المحلات في إطار قانون الملكية المشتركة. الباب الثاني: عقد الكراء: عنون مشروع قانون الباب الثاني بعقد الكراء، والحال أن المشروع المذكور وجد لينظم عقدالكراء ككل، لان العقد من مفهومه القانوني هو توافق إرادتين على إنشاء التزام وهو بذلك اتفاق تعاقدي. يستخلص مما سبق أن المقصود بالعنوان صيغة العقد وليس العقد نفسه الهدف منه وضع الاتفاق في قالب شكلي، أ، بمعنى أدق يحاول المشروع إخراج عقد الكراء من قالب رضائي إلى قالب شكلي بدليل استعماله لمصطلح يتعين إبرام عقد الكراء بموجب محرر كتابي. ونحن نعتقد أن الكتابة يجب أن تفهم على أنها شرط إثبات وليس شرط انعقاد ووجود. والجدير بالملاحظة أن المشروع أقحم المادة 4 في الباب الثاني المتعلقة باستمرار مفعول العقد، والحال أن هذا المقتضى يدخل في إطار الاستثناء من انهاء العقد، وهذا ما توفق فيه القانون رقم 6.79 بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للاماكن المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.80.315 بتاريخ 25 دجنبر 1980 وإن خص التمديد بذوي حقوق المكتري المتوفى أثناء سريان العقد. الباب الرابع: حقوق والتزامات المكري والمكتري: تكفل هذا الباب بالتنصيص على حقوق والتزامات أطراف عقد الكراء، وهكذا نص في المادة 5 على أنه يجب أن يتوفر المحل المعد للسكنى على المواصفات الضرورية من حيث الأجزاء المكونة له وشروط التهوية ودورة المياه والكهرباء والماء. ويستخلص من هذه المادة أن المشروع تناقض مع نفسه فهو يشير في مادته الاولى ان مقتضياته تسري على جميع المحلات أينما كان موقعها، أي داخل المدن أو القرى، والكل يعلم ان كهربة العالم القروي في بدايتها، فهل يمكن القول بأنه يمنع كراء المحلات السكنية المتواجدة في القرية لانها غير مرتبطة بالتجهيزات الأساسية كشبكة الصرف الصحي والانارة والماء خاصة وأن المادة 7 نصت على أنه يجب على الأطراف المتعاقدة اعداد بيان وصفي لحالة المحل المعد للكراء وقت تسليم المفاتيح ووقت استرجاعها، ويجب أن يرفق هذا البيان بالعقد. تنطلق هذه المادة تمن فرضيات مغلوطة تتمثل في أن المكري والمكتري يوجدان في درجة متساوية، والحال أن عقد الكراء يتحول بسرعة من عقد التراضي إلى عقد للاذعان حيث يمكن للمكري أن يفرض شروطه التعسفية على المكتري ولا يوجد أي نص قانوني يحميه لحد الآن، كما أن المكري غير ملزم بكراء مسكنه إذا مابدى له أن المكتري ملحاح، ثم من سيعمد إلى اعداد هذا البيان الوصفي هل أطواق العقد أم خبير عقاري مختص؟ وهل يعتبر هذا البيان جزء من العقد أم فقط من مرفقاته، ومدى الزاميته في هذه الحالة؟ ومايثير الاستغراب أن المادة 8 نصت على أنه في حالة عدم إعداد البيان الوصفي من قبل الأطراف يفترض أن المكتري قد تسلم المحل في حالة جيدة. وبهذه المادة فتح المشروع الباب مصراعيه لتلكؤ المكري في إعداد البيان الوصفي، لأنه غير ملزم بإعداده، كما أن عدم إعداده في مصلحته، خاصة أنه لايوجد أي مؤيد شرعي يلزمه بإعداده، يبقى المكتري ذو مصلحة في إعداده، إلا أنه طرف ضعيف في العقد. أما المادتان 9 و10 فقد أفرغتا التزامات المكري تجاه المكتري من قوتها الملزمة، ذلك أنه إذا كان الفصل 635 من قانون الالتزامات والعقود صريحا وملزما بالنسبة لالتزامات المكري، حيث نص على أنه يتحمل المكري بالتزامين اساسيين: أولا: الالتزام بتسليم الشيء المكتري، للمكتري، وثانيا الالتزام بالضمان. والضمان حسب منطوق الفصل 643 من نفس القانون يتمثل في الانتفاع بالشيء المكتري وحيازته بلامعارض وكذا استحقاق الشيء والعيوب التي تشوبه ويثبت هذا الضمان بقوة القانون وإن لم يشترط، ولايحول حسن نية المكري دون قيامه، ويسأل المكري ليس فقط عن فعله وفعل أتباعه بل أيضا عن أفعال الانتفاع التي يجريها المكترون الآخرون أو غيرهم ممن تلقوا الحق عنه، كما أضاف الفصل 646 بأن المكري يلتزم بقوة القانون بالضمان للمكتري حالة التشويش أو الإستحقاق الذي قد يتأتى منه في كل الشيء المكتري أو بعضه. وهكذا نلاحظ أنه في الوقت الذي كانت القواعد العامة صارمة مع المكري بخصوص الضمان والاستحقاق، جاءت المادة 9 من المشروع بمقتضيات هادئة كلها مجاملة للمكري، حيث نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه (غير أن المكري لايضمن سوى الإزعاجات القانونية أو المادية الناشئة عن فعله، أو فعل مستخدميه، ولايسأل عن الازعاجات التي يتسبب فيها الجيران أو الغير، كما أنه لايتحمل عيوب ونقائص المحل المكرى التي كان المكتري على علم بها، أو التي يكون من السهل اكتشافها. اذن المشروع أفرغ التزامات المكري من مضمونها وجعله غير مسؤول عن ضمان التشويش والعيوب التي تعتري المحل المكرى، وإذا تمسك المكتري بضمان هذه العيوب يبقى ملزما بإثبات أنه لم يكتشفها عند إبرام العقد ولم يكن من السهل اكتشافها. وبذلك قلب عبء الإثبات، لأن المالك على علم بمواصفات وخبايا محله وهو الملزم بتبصير المكتري وليس العكس. أما بخصوص حقوق والتزامات المكتري فقد حاول المشروع إعطاء تعريف للوجيبة الكرائية عندما نص على أن السومة الكرائية تتكون بالإضافة إلى ماتم الاتفاق عليه من وجيبة مقابل الخدمات اللازمة لاستعمال مختلف أجزاء محل الكراء، ولم يحسم في رسم النظافة، هل يدخل ضمن مشتملات الوجيبة الكرائية، لاسيما أن المادة 12 نصت على أنه يتعين على المكري أن يسلم للمكتري وصلا يتضمن تفصيلا للمبالغ المؤداة من طرف هذا الأخير مع التمييز بين وجيبة الكراء والتكاليف، فما المقصود بهذه العبارة؟ ولماذا التمييز؟ الباب الرابع: تولية الكراء والتخلي عنه: ربط المشروع التخلي أو تولية الكراء بالموافقة الكتابية للمكري مالم يتم التنصيص على خلاف ذلك في عقد الكراء السكني، أما بالنسبة للحملات المهنية فإنه لايحق للمكري أن يعترض على التخلي أو التولية إذا ما التزم المختل له أو المتولى له باستعمال المحل المكرى لمزاولة نفس النشاط المهني الذي كان يزاوله المكتري الأصلي. يلاحظ أن هذا الاتجاه مناقض لمضمون الفصل 12من ظهير 25 دجنبر 1980 المنظم للعلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات السكنية والمهنية، كما تم تعديله وتتميمه بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 63.93، الصادر بتنفيذه ظهير 25 غشت 1999، الذي نص على أنه يمنع على المكتري أن يتخلى عن كراء المحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني أو توليتها للغير كيفما كان نوع التخلي أو التولية ما عدا في إحدى الحالات الآتية: - اذا ورد في عقد الكراء نص مخالف. - إذا وافق المكري على ذلك كتابة. - إذا كان المحل المكرى يستغل من طرف المتخلي أو المتولى له لممارسة نفس النشاط المهني الذي مارسه بهذا المحل المكتري الأصلي. إذن القاعدة بالنسبة للمشروع أن التولية والتخلي، عن المحلات السكنية ممنوعة ما لم تكن هناك موافقة كتابية للمكري، أو اتفاق كتابي في العقد، أما بالنسبة للمحلات المهنية فالقاعدة هي الترخيص بالتخلي دون قيود باستثناء ممارسة نفس النشاط المهني وفي هذا مجاملة لقوة ضاغطة. الباب الخامس: مراجعة الوجيبة الكرائية: المفارقة أن مذكرة تقديم المشروع تنص على أن أهداف هذا الأخير هو تجميع النصوص القانونية، ثم يأتي الباب الخامس من خلال المادة 26 ويستعمل المشروع تقنية الإحالة على قانون 03.07 المتعلق بمراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 2007. وكان على واضعي مشروع القانون إقحام مقتضيات هذا القانون مع التنصيص على نسخه، كما هو الشأن لبعض المقتضيات المقتبسة من ظهير 25 دجنبر 1980، مع أن قانون 30 نوفمبر 2007 المذكور ينظر إلى الجهاز القضائي نظرة دونية سلبه اختصاصه عندما حدد بنفسه نسبة المراجعة ضدا على مبدأ فصل السلط . الباب السادس: إنهاء عقد الكراء: خص مشروع القانون الذي نحن بصدده الفصول من 27 إلى 38، أي أحد عشر فصلا وكأن هَمَّ واضع المشروع هو إنهاء عقد الكراء، وليس تنظيم طرق استمراه إذ استهل المادة 27 منه بمقتضى يتمثل في أنه يبرم عقد الكراء لمدة تحدد باتفاق بين الطرفين المتعاقدين والحال أن مثل هذا المقتضى يجب أن يأتي في سياق إبرام العقد وليس إنهائه. واستطرد المشروع في الفقرة الثانية أنه إذا لم يوجه المكري إشعارا بالإفراغ وفق شروط معينة، يتم ضمنيا مواصلة سريان عقد الكراء المنتهية مدته، وتكون مدة العقد في حالة المواصلة ضمنيا لسريان العقد، هي نفس المدة المحددة في العقد الأصلي. إن الملاحظة الأولية التي تبدو من هذه الفقرة هي الركاكة وعدم اختيار المصطلحات القانونية الضرورية، ذلك أن مواصلة سريان العقد يعبر عنها من طرف المختصين في القانون بالتجديد الصريح أو الضمني، ثم هل العقد المنتهي أجله حسب هذا المشروع لاينتهي بقوة القانون، وإنما لابد من توجيه إشعار، وهذا يعني أن إرادة الأطراف لاتكون محترمة، رغم تنصيصهم في العقد صراحة على أجل محدد لسريان عقد الكراء، وإذا حدث وأغفل أحد الأطراف توجيه الإشعار يكون ملزما بتجديد العقد لنفس المدة المحددة للعقد الأصلي، ولنتصور أن عقد الكراء انتهى بعد مرور 10 سنوات أخرى، فهل يجب إلزام المتعاقد ببقائه 10 سنوات أخرى مرتبطا بعقد رغما عن إرادته؟. أما المادة 28 فهي مقتبسة حرفيا من الفصل 8 ظهير 25 دجنبر 1980 السالف الذكر. هذا ويجب الإشارة إلى أن المادة الموالية اعتبرت من الأسباب الوجيهة لإنهاء العقد إعلان المكري عند رغبته في اسكان زوجه، أو فروعه أو أصوله المباشرين، أو حتى نفسه في المحل المكرى، وكذا المستفيدين من الوصية الواجبة والمكفول المنصوص عليه في القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المتخلى عنهم. ولنا أن نتساءل هل يتعين على المحكمة الاستجابة لهذا الطلب حتى لو ثبت أن المكري يتوفر على مجموعة من المحلات السكنية على ملكه في نفس المنطقة والمدينة، وبالتالي قد يرغب في التعسف على المكتري من أجل إفراغه ثم يطالب المستفيد الجديد بالرجوع إلى مسكنه الأصلي بعد أن يتخلص من المكتري الأول. لذلك نرى أن هذه المادة يجب أن تقيد بأسباب وجيهة ومقبولة ومعقولة وخالية من التَّعسف. ومما يؤكد أن رغبة واضع المشروع حماية مصالح المكري دون الالتفات إلى الطرف الضعيف في العقد ما تضمنته المادة 36 التي نصت على أنه إذا تبين أن الإفراغ قد تم بناء على سبب غير صحيح، يكون للمكتري الحق في أن يطالب المكري بتعويض يساوي قيمة الضرر الذي لحقه نتيجة ذلك. والتساؤل المطروح في هذا السياق هو من يحدد هذا الضرر وقيمته ومداه؟ ومن هو الملزم بإثبات تحقق الضرر والعلاقة السببية بين ما اقترفه المكري من تعسف وللضرر الحال وليس المحتمل؟ ثم هل التعويض النقدي عند الضرر كفيل بجبر الضرر عن الإفراغ والبقاء في العراء إلى حين إيجاد مسكن يأوي المكتري بالوجبة الكرائية التي يؤديها في المحل المكترى، لاسيما إذا انعدمت فيه مواصفات المحل القديم؟... أما المادة 38 فقد نصت على أنه يسري مفعول العقد في حالة وفاة المكتري بالنسبة للمحلات السكنية لفائدة زوج المتوفى أو فروعه أو أصوله المباشرين من الدرجة الأولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة والمكفول. أما بالنسبة للمحلات المعدة للاستعمال المهني فإن التمديد ينحصر فقط بالنسبة للزوج أو أصوله أو فروعه شريطة ممارسة نفس المهنة التي يمارسها مورثهم. والتساؤل المطروح في هذا العدد هو لماذا تم استثناء المستفيدين من الوصية الواجبة والمكفول من الاستفادة من التحديد بالنسبة للمحلات المهنية، بينما تم إقرار هذا الحق بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى؟ ثم ما هي فترة هذا التمديد هل إلى ما لا نهاية، بحيث حتى لو تعلق الأمر بعقد محدد المدة وبالتالي يتحول إلى عقد غير محدد المدة، أم أن هذا التمديد يستمر فقط بالنسبة للعقود المحددة المدة، إذ تنتهي بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد؟ ثم هل حق الكراء وهو من الحقوق الشخصية يورث ويوصى به كالحقوق العينية. الباب السابع: استيفاء الوجيبة الكرائية: حاول هذا الباب معالجة واقعة استيفاء الوجيبة الكرائية من خلال المواد 39 إلى 42، والحال أن هناك قانونا تحت رقم 64.99 يتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية صدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.211 بتاريخ 25 غشت 1999 ينظم استيفاء الوجيبات الكرائية للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي يتضمن نفس المقتضيات الواردة في المشروع، باستثناء ما تعلق بالتصديق على الاشعار ووقف التنفيذ وحق المكتري في المطالبة بالتعويض عن الضرر يتراوح بين شهرين وستة أشهر من وجيبة الكراء. وقد استعمل واضع المشروع تقنية للتخلص أو الإقصاء، وذلك بنصه في المادة 53 على أنه تنسخ ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ أحكام القانون رقم 64.99 السالف الذكر، وتستثنى من النسخ المقتضيات الخاصة بالأماكن المعدة للاستعمال التجاري والصناعي أو الحرفي، وبالتالي فإن هذا القانون لا يسري على المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني ولم يمر على إصداره أكثر من ستة أشهر، مما يفيد الارتباك في إعداد النصوص القانونية. الباب الثامن: فسخ عقد الكراء تنص المادة 48 على أنه يفسخ عقد الكراء بقوة للقانون بوفاة المكتري مع مراعاة مقتضيات المادة 38 أعلاه. والتساؤل المطروح هو: هل يتعين على المكري في حالة شغل المسكن من طرف الغير حتى لو كانت تربطه علاقة كرائية فرعية مع المكتري الأصلي أن يوجه إليه إنذارا بالإفراغ، لأن تواجده في المحل مستند إلى عقد قد يكون كتابيا وبموافقة المكري؟ ثم هل الأمر بالطرد آنذاك يكون منشئا أو معلنا للفسخ؟. الباب التاسع: الاختصاص والمسطرة: بمقتضى المادة 50 فإن اختصاص النظر في الدعاوى المتعلقة بقضايا المحلات الخاضعة له تكون من اختصاص المحكمة الابتدائية، وهي بذلك تبعد محاكم الجماعات والمقاطعات عن النظر في هذه الدعاوى دون النظر إلى قيمة السومة الكرائية، وهذا مقتضى جديد يرمي إلى تقليص اختصاص ما سُمي بالقضاء الشعبي. الباب العاشر: مقتضيات انتقالية: بمقتضى المادة 53 تم نسخ مجموعة من النصوص القانونية نذكر منها على الخصوص ظهير 25 مارس 1941 المتعلق بزجر من يمتنع عن الكراء، ومرسوم بقانون المؤرخ في 8 أكتوبر 1980 المتعلق بتخفيض ثلث الوجيبة الكرائية، ثم القانون رقم 79.6 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني الصادر في 25 دجنبر 1980. لكن ما يلاحظ بخصوص مرسوم القانون المتعلق بتخفيض ثلث الوجيبة الكرائية لبعض المكترين فقد صدر ظهير شريف رقم 1.80.437 بتاريخ 16 دجنبر 1980 يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 35.80 المصادق بموجبه على المرسوم، القانون رقم 2.80.552 بتاريخ 8 أكتوبر 1980 ، القاضي بالتخفيض من مبلغ كراء الأماكن المعدة للسكنى لفائدة بعض فئات المكترين. لذلك نتساءل: هل النسخ يشمل كذلك هذا الظهير، أم يقتصر فقط على مرسوم قانون السالف الذكر؟. وصفوة القول من خلال قراءتنا المقتضبة لمقتضيات مشروع القانون المشار إليه أعلاه لم نستطع الوقوف عن أي مستجدات جدية تتطلب اعداده بهذه الركاكة والسرعة، فهو من الناحية الشكلية يتضمن مصطلحات غريبة عن علم القانون، تعوزها الدقة والفهم، مما يؤكد أن واضعها استقاها من مجتمع غريب عن علم القانون. كما أن هذا المشروع لم يتبع منهجية مقبولة في صياغته وترتيب مواده بالإضافة إلى الركاكة في الأسلوب. وإقحام مصطلحات في غير مكانها، مما يفقدها المعنى والوضوح. أما من ناحية المضمون فهو قانون ظالم أكثر من عادل يضر بمصالح المكري والمكتري على حد سواء، إذ هو لايحمي الطرف الضعيف في العقد ولا هو يسهل عملية الكراء، ومختلة فيه الموضوع بالمسطرة، ويشوش على العمل القضائي. لذلك نرى أنه من خلال القراءة الوصفية لمضمونه يتعين إعادة صياغته من طرف مختصين في علم القانون وعلم الاقتصاد، لأنه لا يعقل القول بأن هناك عدم التوازن بين المكري والمكتري من عقد الكراء السكني على الخصوص ونأتي بنص قانوني يروم تحويل عقد الكراء من عقد رضائي إلى عقد شكلي من أجل حماية مصالح الطرف القوي في العقد، مع خلط المقتضيات المتعلقة بإنهاء العقد مع استيفاء الوجيبة الكرائية وادعاء الرغبة في جمع شتات القوانين المنظمة الأكرية والإبقاء على محلات سكنية خاضعة لنصوص خاصة رغم أن منها من مر عليه زهاء قرن من الزمان. إن اعداد النصوص القانونية مهنة لها ممتهنوها وليس ترفيها أو تطاولا، لذلك فإن تفعيل الشعب القانونية بالمصالح في جميع الوزارات ضروري يكون من اختصاصها لدراسة العلمية القانونية، لأن الأمر جدي يهم مصالح الدولة والمواطنين، بل يهم أيضا طمأنينة شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود. وإذا كنا نثمن ما تقوم به الدولة من مجهودات في مجال السكنى، فإننا في نفس الآن نطالب من الجهة المختصة في اعداد مشاريع قوانين تتعلق بهذا الميدان أن تأتي بنص جيد، لأنه إذا أعطينا نصا جيدا حصلنا على قضاء ممتاز. هوامش: (1) راجع موقع الوزارة المكلفة بالاسكان على شبكة الانترنت