بعد عقود من التفلت والفوضى المرورية في السعودية بالرغم من شبكة الطرقات الجيدة, يثير نظام جديد للتنظيم والتغريم جدلا واسعا بين السعوديين الذين يجدون صعوبة على ما يبدو في التعامل مع التغيير ناهيك عن دفع الغرامات الباهظة. وتعرض نظام ضبط وإدارة حركة المرور آليا المعروف ب»ساهر» لانتقادات شعبية ورسمية واسعة, كما تعرض عدد من العاملين على هذا النظام لاعتداءات وكاميرات المراقبة لأعمال تخريب في عدة مدن سعودية فيما تعرضت إشارات تحديد السرعة على جانب الطرق للطمس والإزالة. وتمكنت إدارة مرور منطقة القصيم (شمال الرياض) الأسبوع الماضي من تحديد هوية الأشخاص المعتدين على سيارة «ساهر» التي قذفوها بأداة حادة مما أدى إلى تدمير أجهزة الرصد وتكسر زجاجها الخلفي. ويقول الموظف السعودي الشاب مجدي عمر (22 عاما) لوكالة فرانس برس «تلقيت حتى الآن رسائل بتسجيل مخالفات قيمتها 12 ألف ريال (3200 دولار), وربما يرتفع هذا الرقم في الأيام المقبلة, لا أدري كيف أسددها». وبالرغم من ثراء المملكة الفاحش بالنفط وبالثروات المالية, إلا أن غالبية السعوديين يعيشون بمداخيل متوسطة أو متدنية. ويضيف عمر «لا يمكنني اعتبار تسجيل المخالفات بهذه الطريقة بالأمر المنطقي, فأماكن الكاميرات في الشوارع غير معروفة وتحديد السرعة غير واضح, فيما يتم تصوير المركبة ومخالفتها بدون علم أو توعية من قبل إدارة المرور». وكانت السعودية بدأت تطبيق النظام الآلي لضبط حركة المرور (ساهر) تدريجيا, بدءا من الرياض في أواخر أبريل ومن ثم في جدةومكةالمكرمة في غشت 2010. وتتراوح قيمة الغرامة بين 300 و500 ريال (بين 80 و133 دولارا), ويتم دفعها بحدها الأدنى في غضون 30 يوما من تحريرها, وفي حالة عدم السداد خلال تلك الفترة تدفع في حدها الأعلى. وفي حال عدم السداد، فإن جميع المعاملات الحكومية تتوقف ولا يمكن للمخالف السفر خارج البلاد. وقد تبدو هذه الإجراءات اعتيادية في دول كثيرة, إلا أنها صادمة للسعوديين الذين تمتعوا طوال عقود بدرجة من التفلت على الطرقات, فمشهد السيارات تعبر الإشارة الضوئية الحمراء يكاد يكون طبيعيا. وقال مصدر في الشركة المشغلة لنظام ساهر لوكالة فرانس برس إن «المخالفات تطبق على الجميع ولا مجال للإفلات منها فهي تأتي على رقم الهوية الوطنية (للمواطنين) أو الإقامة (للوافدين) ولذلك فإن الجميع متساوون ولا فرق بين غني وفقير». وتأكيدا لذلك, قال طلعت قاري مدير إدارة التشغيل لنظام «ساهر» في منطقة مكةالمكرمة في تصريحات صحافية بان النظام سجل مخالفة على سيارة تابعة لأمير المدينةالمنورة الأمير عبد العزيز بن ماجد الذي سارع إلى تسديدها. وكشف قاري عن ارتفاع معدل الاعتداءات على موظفي «ساهر», ليصل إلى 400 اعتداء منذ تشغيل النظام قبل نحو خمسة أشهر, لافتا إلى أن اكبر نسبة من هذه الاعتداءات في غرب المملكة سجلت حدث في مكة ثم جدةوالمدينة.وفي 70% من الحالات, تم استخدام الحجارة والعصي أو الصدم بالسيارات. وتؤكد السلطات أن النظام «أداة فعالة لنشر ثقافة احترام النظام». وكانت إدارة مرور مدينة الرياض أعلنت عن انخفاض نسبة الوفيات والإصابات بنسبة 38% في أعقاب تطبيق نظام «ساهر». لكن «ساهر» لم يسلم من الانتقادات حتى من قبل مسؤولين كبار. فقد وجه رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود نقدا لاذعا للنظام وآلية تطبيقه. وقال في تصريحات نشرت محليا إن «المرور ليس مجرد نظام (ساهر), بل لديه خدمات أخرى, وحتى نظام ساهر أنا على خلاف مع آلية تطبيقه الحالية, حيث أخبرت القائمين عليه بأنه إذا كان القصد من هذا النظام زيادة حصيلة وزارة المالية منه, فهذا أمر آخر, إما أن كان الهدف من النظام سلامة المواطن فيجب توضيح موقع الكاميرا أمام السائق على الطريق». من جانبه, قال محمد الأنصاري (35 عاما) الذي يعمل مديرا في أحد الشركات الخاصة في جدة أن تطبيق نظام (ساهر) «أمر جيد عموما ويؤدي إلى التنظيم» لكنه رأى أن «طريقة توعية الناس بالنظام ووضع الإشارات الخاصة بتحديد السرعة المحددة على جوانب الطرقات كان سيئا جدا, فأنا تعرضت لمخالفة لا أعلم سببها حتى الآن رغم أنني لا أحب السرعة بتاتا». أما باسم علي فيشير إلى انه تعرض لمخالفة وهو يسير في طريق كانت السرعة محددة فيها ب80 كيلومترا في الساعة, بينما الكاميرا موضوعة بجانبها لوحة تفيد بان السرعة 60 كيلومترا بالساعة. قال «يهدفون إلى جمع اكبر قدر من المال, هذا كل ما في الأمر». ويتكون المشروع في مجمله من أنظمة تشغيل وإدارة الحركة المرورية آليا ونظام تتبع مركبات جهاز المرور ونظام التعرف على لوحات المركبات ونظام اللوحات الإرشادية الإلكترونية على الطرق ونظام كاميرات مراقبة الحركة المرورية ونظام الضبط الالكتروني للمخالفات.