ناقشت فريق الأغلبية والمعارضة بمجلس المستشارين أول أمس الاثنين، مشروع قانون المالية لسنة 2011 بلجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية، وتباينت تقييمات الفرق المتدخلة بين مدافع عن المشروع وبين منتقد له. وفيما أكد الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن مشروع القانون المالي يأتي ليعزز الحصيلة الحكومية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، اعتبر فريق الأصالة والمعاصرة أن الفرضيات التي بني على ضوئها مشروع قانون المالية، باعتباره قانونا توقعيا يتوقف نجاحه على نجاعتها، تعد «هشة». وتواصل اللجنة المشار إليها مناقشة المشروع المالي يومه الأربعاء، بتدخلات فريق التحالف الاشتراكي والتجمع الدستوري الموحد وباقي الفرق. فرق الأغلبية: أولويات مشروع القانون المالي ستمكن من تصحيح الاختلالات ودعم وتيرة النمو أكد الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين، أول أمس الاثنين، أن مشروع القانون المالي لسنة 2011 يأتي ليعزز الحصيلة الحكومية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وأبرز الفريق، خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2011 أمام لجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية، أن هذا المشروع «حاول أن يستحضر في إعداده منظورا متجددا بعيد المدى, يروم الانتقال من سياسة اقتصادية مالية محاسباتية صرفة إلى سياسة تنموية شاملة ومتوازنة تستحضر الأبعاد المختلفة للتنمية». وأضاف أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، الذي يعكس المنحى التصاعدي المسجل على مستوى مختلف المؤشرات، يركز في أهدافه على مبادئ التضامن والعدالة الاجتماعية والانصاف. وأكد أن الحكومة أسست لمقاربة جديدة في تدبير الشأن الاجتماعي بالمغرب، قائمة على حكامة القرب، وعلى ضمان المساواة في الولوج للخدمات الاجتماعية، مشيدا بسياسة الحكومة في مجال دعم المواد الأساسية «والتي مكنت من حماية القدرة الشرائية للمواطنين عبر التحكم في معدل التضخم في أوج الأزمة العالمية، حيث نجحت الحكومة في ضبط نسبة التضخم في حدود 2 في المائة في المتوسط ما بين 2008 و 2010». ومن جهة أخرى، أبرز الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن فرضيات مشروع القانون المالي للسنة المقبلة تؤكد على مناعة الاقتصاد الوطني وقدرته على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية والمالية الكبرى «وتعكس العمل الجاد والمسؤول الذي تضطلع به الحكومة في تدبير الشأن العام، من جهة، والواقعية السياسية التي تميز بها الأداء الحكومي، والقائمة على تحديد الأهداف على ضوء تشخيص دقيق للإمكانيات المتاحة من جهة ثانية». وأبرز في السياق ذاته أن دعم معدل النمو، في حدود 5 في المائة سنة 2011 مقابل 5ر1 في المائة المتوقعة بالنسبة للمنطقة الأوروبية، و2ر2 بالنسبة للدول المتقدمة، «هو خيار استراتيجي يؤكد قوة إرادة الحكومة على مواصلة رفع التحديات الاقتصادية المطروحة على كافة المستويات». وأشار الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية إلى أن الحصيلة المسجلة «تبعث على التفاؤل»، خاصة وأن المنحى التصاعدي في إنجاز مختلف برامج السياسات العمومية المعتمدة تم في ظل ظرفية اقتصادية دولية مضطربة أثرت سلبا على الاقتصاد الوطني, مبرزا أن نسبة التضخم المتوقعة «تبدو أكثر واقعية» وتتماشى وهدف الحكومة المتعلق بالمحافظة على استقرار الأسعار. ونوه الفريق بالمجهود الاستثماري غير المسبوق الذي بذلته الحكومة في مجال دعم الاستثمار مما مكن من مواصلة إنجاز الإصلاحات والأوراش الكبرى التي يشهدها المغرب في مختلف المجالات, مشيرا إلى أن تأثيرات الظرفية الاقتصادية والمالية الصعبة لم تمنع الحكومة من الاستمرار في منحى تصاعدي لدعم الاستثمار، حيث انتقل من 84 مليار دهم سنة 2007 ليبلغ 126 مليار سنة 2010، و167 مليار درهم خلال السنة المقبلة. كما أشاد بجهود الحكومة لتقوية مناعة الاقتصاد الوطني وكسب مواقع متقدمة ضمن الخريطة الجديدة للاقتصاد العالمي لما بعد الأزمة، والتي شهدت بروز قوى إنتاجية صاعدة وانبثاق جغرافيا جديدة للنمو, تتميز بتعزيز مواقع البلدان النامية على حساب الأقطاب التقليدية. من جهته، أكد الفريق الحركي بمجلس المستشارين، أن الأولويات التي تضمنها مشروع القانون المالي لسنة 2011 ستمكن المغرب، «إن وفرت لها شروط التطبيق والتنزيل، من تصحيح الاختلالات البنيوية على المستويين الاقتصادي والمالي، ومن دعم وثيرة النمو الاقتصادي». وأبرز الفريق أن هذه الأولويات التي حددها المشروع ترتكز على ثلاثة محاور تهم توطيد أسس تنمية قوية ومستدامة وتسريع تفعيل الاصلاحات والاستراتيجيات البنيوية، وتوسيع ولوج المواطنين إلى الخدمات والتجهيزات الأساسية في إطار سياسة اجتماعية تضامنية. وأضاف أن أولويات مشروع قانون المالية للسنة المقبلة ترتكز أيضا على تحسين التدبير العمومي والحفاظ على استقرار الإطار الماكرو اقتصادي. وأبرز الفريق الحركي أن المغرب تمكن رغم الظروف الصعبة من تكريس استقرار المكونات الأساسية للإطار الماكرو اقتصادي, ومن التحكم النسبي في نسبة التضخم وعجز الميزانية. وأشار بالمقابل إلى أن «تقهقهر القدرة الشرائية للمواطنين والارتفاع غير المسبوق في أثمان المواد الغذائية يؤكد بالملموس تأثر الاقتصاد الوطني بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية رغم القواعد الاحترازية المطبقة من طرف الحكومة ورغم محدودية ارتباط القطاع المالي المغربي بالأسواق المالية العالمية». وبعد أن ثمن الفريق الحركي التدابير والاجراءات الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2011 والمتعلقة بدعم المقاولات كرافعة للتنمية الاقتصادية، دعا إلى تقييم موضوعي للسياسات المنتهجة لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل 95 في المائة من النسيج المقاولاتي وبلورة سياسة تحفيزية متكاملة لتأهيل هذه المقاولات. كما اعتبر أن الاجراءات المعلنة لإدماج القطاع غير المهيكل «تبقى محدودة» خاصة في ظل تنامي هذا القطاع وتشعبه، مشيرا إلى أن مراجعة الضريبة على القيمة المضافة تعد «السبيل الأمثل لمعالجة إشكالية القطاع غير المهيكل إلى جانب بناء الثقة بين الإدارة والملزم كشرط أساسي لتوسيع الوعاء الضريبي». وأشار إلى أن الاعتمادات الموجهة للعالم القروي «تبقى عاجزة» عن تدارك الخصاص المتواصل في الوسط القروي في مختلف المستويات، مشددا على ضرورة «تجاوز المنظور التنموي الضيق الذي يختزل التنمية القروية في التنمية الفلاحية». وفي هذا الصدد، دعا الفريق الحركي إلى دمج الصناديق الموجهة إلى العالم القروي في آلية مؤسساتية موحدة باستراتيجية تنموية مندمجة وأفقية غير قطاعية. ومن جانبه، أكد الفريق الإشتراكي بمجلس المستشارين، أن مشروع قانون المالية لسنة 2011، أولى أهمية خاصة للشأن الاجتماعي، من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير التي تروم تحسين الظروف المعيشية للمواطنين. وأبرز الفريق الدعم الهام الذي خصصه المشروع للتشغيل على الرغم من الظرفية والإكراهات الصعبة، وكذا الدعم الهام المخصص للمواد الأساسية. وسجل إيجابية إخراج صندوق التكافل العائلي إلى حيز الوجود، باعتباره سيشكل إحدى آليات التضامن الوطني لحفظ كرامة المرأة المغربية وصون حقوق الطفولة، داعيا إلى تنمية موارد هذا الصندوق بما يحقق الاستدامة والفعالية ليشمل كافة الفئات المستهدفة. وتوقف الفريق الاشتراكي عند المؤشرات الإيجابية التي حققها المغرب في مجالات التمدرس وولوج ساكنة العالم القروي إلى خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والشبكة الطرقية، إلى جانب تقلص ملحوظ في نسب الفقر والبطالة. وشدد في هذا الصدد على ضرورة الرقي بأداء المنظومة الصحية، من خلال إحداث البنيات الاستشفائية الكافية ودعم تكوين الأطر الطبية. وفي ما يخص الجانب المتعلق بالاستثمار، أبرز الفريق الإشتراكي جهود الحكومة في مجال الحفاظ على الاستثمار العمومي ودعمه ليصل برسم السنة المقبلة إلى 167 مليار درهم. من جهة أخرى، أكد الفريق على ضرورة تسريع وتيرة إصلاح صندوق المقاصة من خلال تحسين استهدافه للفئات المستضعفة، مشيرا إلى أن «الإصلاح الشمولي والعقلاني لهذا الصندوق أضحى ملحا قبل أي وقت مضى». كما دعا الفريق إلى ضرورة إصلاح القانون التنظيمي للمالية، معربا عن أسفه لمناقشة هذه الميزانية الرابعة للحكومة الحالية «في غياب هذا الإصلاح الهيكلي المهم المؤطر لمشاريع الميزانيات ودراستها ومراقبتها من طرف المؤسسة التشريعية». المعارضة: فرضيات مشروع قانون المالية هشة وقد لا يحد من تأثير تداعيات الأزمة العالمية على النسيج الاقتصادي الوطني اعتبر فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، أن الفرضيات التي بني على ضوئها مشروع قانون المالية لسنة 2011، باعتباره قانونا توقعيا يتوقف نجاحه على نجاعتها، تعد «هشة». وأشار الفريق، إلى «عدم واقعية» معدل النمو المتوقع في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، «لارتباط الاقتصاد الوطني بالتقلبات المناخية، ولضعف الصادرات والإنتاجية، والتنافسية الصناعية والفلاحية، وكذا في ظل العجز المزمن للميزان التجاري وضعف الحكامة، فضلا عن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وتداعياتها على مستوى تراجع تحويلات المغاربة القاطنين في الخارج». وأكد فريق الأصالة والمعاصرة أن الاستجابة لحاجيات التشغيل والتحديات الاجتماعية وحاجيات الميزانية تفترض معدل نمو يفوق 6 في المائة, معتبرا أن «الحكومة لا ترغب في الانخراط في دينامية للنمو وتعمل في المقابل على استغلال الظرفية الاقتصادية لتبرير الإكراهات التي يواجهها الاقتصاد الوطني, وهذا يجعلها في نفس مستويات النمو بالنسبة لسنتي 2009 و2010». أما على مستوى نسبة التضخم، التي حددها المشروع في 2 في المائة، فأشار الفريق إلى أن هذه النسبة المتوقعة قد يتم تجاوزها استحضارا للمخاطر التي تحيط بإشكالية تمويل الاقتصاد الوطني، ولارتفاع سعر البترول المرتبط ببوادر الانتعاش الذي يعرفه الاقتصاد العالمي منذ الشطر الثاني من سنة 2010، موازاة مع ارتفاع أسعار جل المواد الأولية. واعتبر أن «الأدوات المالية، التي يقترحها المشروع، لا تتضمن جديدا قياسا لما قدم في السنوات الثلاث الماضية، ويغيب فيها روح الابتكار والإبداع». وفي الشق المتعلق بالاستثمار، أكد فريق الأصالة والمعاصرة على عدم نجاعة المجهود الاستثماري ومحدوديته، لكونه «لا يخلق الثروة المرجوة ولا يمكن من تعبئة الدخل الفردي والوطني وخلق مناصب الشغل بشكل يتماشى مع الأهداف التي تم الالتزام بها كتقليص معدل البطالة إلى 7 في المائة»، مشيرا إلى أنه رغم انتقال نسبة الاستثمار من 5ر23 في المائة سنة 2007 إلى 36 في المائة سنة 2009, فإن دولا مماثلة قد حققت نسبة نمو مرتفعة بمجهود استثماري أقل. وعزا الفريق محدودية الاستثمار العمومي، على الخصوص، إلى ضعف الإنتاجية العامة لعوامل الإنتاج، وطغيان الاستثمارات غير المنتجة، وكذا ضعف الحكامة المؤسساتية. ومن جهة أخرى، أشار فريق الأصالة والمعاصرة إلى «عدم نجاعة» التركيز بالأساس على الطلب الداخلي في استراتيجية النمو الاقتصادي، «التي أدت للاختلالات الحاصلة في ميزان الأداءات وعدم عصرنة الاقتصاد الوطني»، داعيا إلى الاهتمام أكثر بالجانب المرتبط بالعرض. كما سجل الفريق مجموعة من الملاحظات المرتبطة بالأساس بإشكالية الإصلاح الجبائي غير المكتمل، لكون «تعدد الأهداف المنوطة بالنظام الجبائي يؤدي حتما إلى الحد من فعالية الضرائب لتضاربها وصعوبة التوفيق في ما بينها»، مبرزا أن الإجراءات الأخيرة المتعلقة بإعادة النظر في النسب الهامشية والأشطر الوسيطة «لا تمكن من دعم القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة وبالتالي عدم تحقق الهدف الاجتماعي». وفي ما يخص الشق الاجتماعي، شدد فريق الأصالة والمعاصرة على أن مواجهة الخصاص الاجتماعي «لا يمكن أن تتم بدون وتيرة نمو قوية، لأن هناك علاقة بين الجانب الاجتماعي ومستوى النمو»، معتبرا أن نسب النمو الحالية «لن تمكننا من مواجهة هذا الخصاص المسجل على أكثر من مستوى». وبدوره، اعتبر الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية بمجلس المستشارين, أن مشروع قانون المالية لسنة 2011 «لم يحرص بشكل كاف على إيجاد السبل الكفيلة بالحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على النسيج الاقتصادي الوطني». وقال الفريق البرلماني إن «مقتضيات مشروع قانون المالية لا تدل على اعتزام الحكومة نهج سياسة تدبيرية ناجعة، بغية التخفيف من تبعات الأزمة المالية التي لا تزال ترخي بظلالها على جل الاقتصاديات العالمية». ويرى الفريق أن مشروع قانون المالية لسنة 2011، «يفتقر إلى برامج واقعية وعملية تتعلق بتحسين ظروف الأجراء»، مبرزا ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي الكفيل بحث الحكومة على اتخاذ إجراءات عملية تتوخى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين. وشدد الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية في هذا السياق، على أهمية اتخاذ الحكومة لإجراءات أكثر فعالية تهم الرقي بأداء المنظومة التعليمية في أفق جعلها رافعة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي، إلى جانب تحسين جودة الخدمات الصحية، لاسيما من خلال مضاعفة الاستثمارات في مجال إحداث البنيات الاستشفائية وتكوين الأطر الطبية والشبه طبية. كما أكد أن الإقلاع الاقتصادي المنشود يظل رهينا بتحسين الحكامة المؤسساتية وتخليق الإدارة، مشددا في هذا الإطار على ضرورة اتخاذ الحكومة بمعية باقي الشركاء لمجموعة من التدابير، خصوصا تلك المتعلقة بالتصدي لظاهرة التملص الضريبي. واعتبر الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية أن التدابير التي جاء بها مشروع قانون المالية لتحسين الاستثمار العمومي «تظل غير كافية». من جهة أخرى، ثمن الفريق سياسة الاستراتيجيات القطاعية التي تنتهجها الدولة في تدبيرها لعدد من القطاعات الإنتاجية المحورية، لاسيما قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات.