يؤكد أغلب المتتبعين لتطورات ملف وحدتنا الترابية أن ما جرى في العيون سيمثل فاصلا بين مرحلتين في مسار القضية، إن على صعيد التدبير الداخلي والإعلامي أو على المستوى الديبلوماسي للمملكة، ومن دون شك ستكون تفاعلات الموقف في الجارة إسبانيا وعلاقات الرباط مع مدريد، من ضمن مؤشرات هذا التحول. في الأيام الأخيرة، وعلى هامش قمة «الناتو» في لشبونة، التقت وزيرة الخارجية الإسبانية بنظيرتها الأمريكية، وفي أعقاب ذلك دعت واشنطن إلى ما أسمته «التوسط» بين الأطراف، مبررة ذلك ب «الثقل الكبير للولايات المتحدة في العالم، وعلاقاتها المتميزة بالمغرب، وما يمكن أن تقدمه للنزاع»، كما تمنت رئيسة الديبلوماسية الإسبانية على واشنطن «مواكبة المفاوضات الجارية»، وعلى مجموعة أصدقاء الصحراء أن تقوم بدور سياسي فعال بزعامة الولاياتالمتحدة، بدل الاقتصار على دور تقني واستشاري. وبقدر ما تحمل تصريحات وزيرة خارجية مدريد نوعا من الجديد في الموقف الإسباني، فإنها تضع على المغرب اليوم مسؤولية مواصلة اليقظة الديبلوماسية والسياسية، وتكثيف عمله على الواجهة الإسبانية والأمريكية، خصوصا بالنظر إلى التجاذبات السياسية الداخلية المكثفة في البلدين. لقد تلقى خصوم الوحدة الترابية للمملكة صفعة قوية عندما امتنع مجلس الأمن الدولي عن إيفاد بعثة للتحقيق إلى العيون، وأيضا لما لم يساير الاتحاد الأوروبي طروحاتهم، وتواصلت الصفعات من خلال مواقف شخصيات سياسية وازنة داخل إسبانيا، ومن خلال الموقف الفرنسي، وأيضا من خلال تقارير منظمات حقوقية دولية، علاوة على الفضائح التي تورطت فيها عدد من وسائل الإعلام الإسبانية، وكل هذا مثل مكتسبات للديبلوماسية المغربية، لكن من دون شك المعركة ستتواصل عبر الضغط داخل إسبانيا، وفي الولاياتالمتحدة، ما يستدعي تحركا مغربيا إراديا وهجوميا، يصر على الثوابت في موقفه، ويقوي مداخل حضوره الديبلوماسي والإعلامي والسياسي عبر مختلف المواقع الدولية والإقليمية. من جهة ثانية، فإن المستوى الداخلي بدوره سيكون واجهة الارتكاز الجوهرية في مواجهة الخصوم، وذلك من خلال الحرص على إنجاح عمل لجنة التقصي البرلمانية بما يقدم للعالم خطاب مقنعا، وأيضا عبر تفعيل برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى الاهتمام بالشباب وبالكفاءات المحلية، وبالتالي التغيير الجذري لأسلوب التعامل مع الإنسان ومع المجال. إن تفعيل المجهود الأمني مسألة أساسية لحماية الأمن والاستقرار وسلامة الناس، ولكن إنجاح هذه المقاربة يفرض كذلك تكريس دينامية سياسية ومدنية جدية ومواطنة وسط الساكنة، وجعلها تنخرط في مسلسلات البناء الديمقراطي والتنموي للبلاد.