احتفل العالم، وضمنه بلدنا طبعا، منتصف الشهر الجاري-16 نونبر- باليوم العالمي للفلسفة. وتعود بداية الاحتفال بهذا اليوم إلى سنة 2002، كما أقرت بذلك منظمة اليونسكو. ما دلالة تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بهذا الشأن أو ذاك؟ معنى ذلك أن هناك إحساسا عاما وعميقا بأن هذا الذي نحتفل به، يواجه خطرا ما، وأنه بحاجة إلى الاهتمام به ورد الاعتبار إليه والحرص على الحفاظ عليه وتجنيبه مختلف العوامل والظروف التي من شأنها أن تطمسه وتحط من قيمته وجدواه. منذ بداية الألفية الثالثة إذن، ساد هذا الإحساس تجاه الفلسفة، وعيا بأن هذه الأداة، تظل ضرورية لإنقاذ الإنسان، بعد أن بات محاطا بمختلف مظاهر القبح والعنف. الفلسفة باعتبارها أداة أساسية من أدوات الحوار والاختلاف والإصغاء إلى الآخر، وبالتالي إشاعة روح التسامح ونبذ العنف والتعصب، فهي بهذا المفهوم إذن، تعتبر مدخلا رئيسيا نحو تحقيق حرية الإنسان وسعادته. لهذه الاعتبارات إذن، كان لا بد من الخوف على ضياع هذا الابتكار البشري المتمثل في الفلسفة. وطبعا؛ فإن تخصيص يوم سنوي محدد للاحتفاء به، بشكل منتظم، يظل مجرد عمل تحسيسي، لا أقل ولا أكثر، وهو غير كاف لتحصين الفلسفة ومواجهة التحديات التي تقف في مواجهتها وتحول بينها وبين القيام بوظيفتها؛ فليس هناك بديل آخر للقيام بوظيفة الفلسفة، غير الفلسفة نفسها. هذه الوظيفة التي يمكن إجمالها في عبارة واحدة: الحفاظ على إنسانية الإنسان. فعندما يغيب الوعي بضرورة الاعتماد على الفكر الفلسفي في تدبير مختلف شؤون حياتنا، نكون إزاء واقع لا يمت بصلة إلينا وإلى روحنا الإنسانية. وحتما سننسلخ عن ذواتنا ونتحول إلى كائنات ممسوخة، أو لا قدرة لها على التمييز بين الخير والشر، القبح والجمال، الفوضى والنظام، الهدوء والضجيج، إلى غير ذلك من عناصر الوجود. لكن كيف ينبغي الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة؟ هل يكفي تنظيم ندوة فكرة بين أربعة جدران، وطي صفحة هذا اليوم الاحتفائي بعد ذلك؟ هناك بلا شك مجهودات كثيرة، لا بد من بذلها، لكي يكون للفلسفة الموقع الذي تستحقه في مجتمعنا. لا بد من القطع مع الطابع النخبوي الذي ما فتئ الكثير من المثقفين يضفونه عليها، حتى نسمح لها بأن تكون حاضرة معنا جميعا، ونحس بها قريبة منا وغير غريبة عنا. لا بد من تحقيق شروط تدريس الفلسفة، وفي هذا الإطار، يمكن أن نحذو حذو بعض الدول المتقدمة، ونعمل على إقرار تدريسها والتعريف بها، منذ السنوات الأولى للتعليم، وليس انتظار مراحل تعليمية عدة للالتقاء بها، وقد لا يتم هذا اللقاء بالمرة. ينبغي بل ومن الضروري أن نرى ونلمس الفلسفة في كل ما يحيط بنا، بل حتى في لباسنا، وفي أدق الجزئيات التي تربطنا بهذه الحياة. في هذا الملف الذي أنجزناه بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة، ندرج مجموعة من الشهادات والتصريحات التي أدلت لنا بها نخبة من المفكرين المغاربة: محمد وقيدي، كمال عبداللطيف، محمد نورالدين افاية، محمد الدكالي.. كما ندرج ضمن هذا الملف، الخطوط العريضة لأهم المداخلات التي ألقيت في الندوة الفكرية التي نظمتها النقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال الرباط، بنفس المناسبة، والتي تم تخصيصها لمقاربة التجربة الفكرية للمرحوم محمد عابد الجابري. وقمنا بنفس المناسبة كذلك، بإجراء حوارات مع باحثين في مجال الفلسفة: محمد مصباحي، محمد الأندلسي، محمد بلال أشمل.. ولا شك أن مقال الدكتور حميد لشهب، الذي يقدم مقترحات لعصرنة وتحديث الفكر الفلسفي بالمغرب، من شأنه أن يشكل إضافة نوعية لمحتويات هذا الملف.