وزيرة الصحة تطمئن الأطباء والنقابات تعبر عن قلقها من تحكم منطق السوق في القطاع أثار من جديد مقترح وزارة الصحة حول فتح رأسمال المصحات الخاصة أمام فاعلين جدد من خارج فئة الأطباء، جدلا واسعا في صفوف نقابات الأطباء بمختلف حساسياتها وأظهر وجود تباين في وجهات النظر بين الوزارة الوصية على القطاع والمهنيين. وفي محاولة لطمأنة مهنيي القطاع على أن هذا الإصلاح يروم بالأساس الارتقاء بهذه المؤسسات وتوسيع عرض العلاجات لفائدة المواطنين وتوزيعها ترابيا لتشمل بشكل عادل مختلف مناطق المغرب، قالت ياسمينة بادو وزيرة الصحة «إن الاختيار المقترح ليس موجها ضد أطباء القطاع الخاص أو المؤسسات الصحية التي يمتلكونها، أو ضد ما يعتبرونه مصالحهم الخاصة»، مؤكدة «أن ظهور فاعلين جدد في مجال عرض العلاج لن يكون عشوائيا وبدون قيد، بل يتطلب تأطيرا محكما بقواعد قانونية دقيقة تتوخى الشفافية وتضع الآليات اللازمة لضمان احترام المبادئ الأساسية التي تحكم مزاولة الطب وتصون الاستقلالية المهنية للطبيب». وأضافت بادو في تدخلها في افتتاح ورشة نظمتها وزارتها صباح يوم السبت بالرباط حول «سبل حيازة رأسمال المصحات الخاصة والمؤسسات المماثلة، والتي تندرج في إطار التحضير لإدخال تعديلات على الترسانة القانونية المتعلقة بمزاولة الطب ولاسيما القانون 94-10، «إنه كيفما كان أسلوب حيازة رأسمال هذه المؤسسات الصحية، فإن الأطباء كانون وسيبقون الرأسمال الحقيق والثروة الدائمة ونقطة قوة المنظومة الصحية التي تقع على الدولة مسؤولية حمايتها وتوفير جميع الضمانات الضرورية لها على المستوى الأخلاقي و المهني والمادي». وأبرزت ياسمينة بادو وزيرة الصحة، في تصريح لبيان اليوم أن الاقتراح الذي أوردته الوزارة والذي يعد أحد محاور الإصلاح التي ستطال قانون 94/10 المتعلق بمزاولة مهنة الطب جاء ليملأ فراغا قانونيا على مستوى فتح رأسمال المصحات في وجه غير الأطباء ويقنن ممارسة موجودة على أرض الواقع، وأوضحت «أن الأمر جاري به العمل حيث يلجأ الأطباء إلى رأسمال فاعلين خارج جسمهم المهني لتمويل مشاريع إحداث مصحات خاصة أو تجهيزها بتقنيات حديثة». وأشارت أن المغرب يبقى البلد الوحيد الذي لم يقدم على هذا الإصلاح، وأن تجارب عدة دول خاصة في المنطقة العربية كتونس والأردن بينت نجاح مسألة فتح رأسمال المصحات الخاصة أمام غير الأطباء، وأن ذلك مكن تلك البلدان من التوفر على مؤسسات مجهزة بأحدث التكنولوجيات وعرض واسع للعلاجات ذات جودة عالية لفائدة المواطنين، وأن هذه التجارب كانت مثار إعجاب عدد من الأطباء المغاربة أنفسهم لدى اطلاعهم عليها. ومن جانبه أكد مولاي الطاهر العلوي رئيس المجلس الوطني للهيئة الوطنية للأطباء أن مقاربة هذا الإصلاح يجب أن تتم في إطار رؤية شمولية لقطاع الصحة، وعبر الأخذ بعين الاعتبار عنصر التكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص، مشيرا أن وجهة نظر المجلس الوطني والهيئة الوطنية للأطباء حول الموضوع قد أكدت، وقبل مباشرة هذا الإصلاح، على ضرورة تعديل النظام الأساسي للمصحات الخاصة من أجل وضوح أكثر في الممارسة داخلها وتحملها للمسؤولية وذلك لفائدة الأطباء باعتبارهم رافعة للشراكة بين القطاع العام والخاص. وأوضح أن الهيئة الوطنية للأطباء تؤكد على ضرورة تأسيس هذا الإصلاح على رؤية منسجمة ومتوازنة بين جميع المتدخلين، وتأخذ بعين الاعتبار مصالح كل طرف سواء المواطنين أو مهنيي الصحة والقطاع نفسه، مضيفا أنه أيا كان مستوى النسبة المئوية التي سيتم فتحها أمام رأسمال غير الأطباء، فإنه يجب أن تكون مقيدة ومحكمة بقواعد قانونية ملزمة. أما محمد بناني الناصري رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، فقد اعتبر فتح رأسمال المصحات الخاصة لغير الأطباء سيفتح المجال أمام الاستثمار التجاري الذي لا يحكمه سوى منطق الربح، وأن ذلك سيضر بالمركز المهني والاعتباري للأطباء الذين تندرج مهنتهم ضمن المهن الإنسانية ويؤدون القسم قبل مزاولة عملهم، وسيتحولون إلى مجرد أيدي عاملة لدى مالكي رأس المال الذي قد يكون شركة مثل «ليديك» أو بائع «مول الدجاج» ، حسب قول المتحدث. وشدد على أن النقابة لا تعارض المشروع من أجل المعارضة، بل لكونه يشكل في نظره خطرا على صحة المواطن التي ستخضع لمنطق السوق حيث تختلط الضروريات مع الكماليات، قائلا «إن الدولة والحكومة أمام خيارين، خيار تقديم نفس الامتيازات التي تمنحها للمستثمرين الأجانب سواء على مستوى الإعفاء الضريبي وقروض بفوائد مخفضة، وأنه في حالة توفر هذه الشروط فإن فئة الأطباء على استعداد لتوقيع دفتر تحملات لفتح مصحات خاصة مجهزة بأحدث التكنولوجيات من طنجة إلى لكويرة «، وخيار آخر سيغرق قطاع الصحة في مزيد من الاختلالات أكثر من التي يعرفها الآن، وأشار في هذا الصدد إلى التجربة المصرية كنموذج سيء لفتح المجال أمام الاستثمار في المصحات الخاصة لغرباء عن القطاع الصحي. فيما اعتبرت عدد من التدخلات أن هذا الإصلاح يجب أن يتم في إطار شمولي، وأن إجراء تعديل على هذا المستوى سيضر ليس فقط بالأطباء بل بصحة المواطنين بصفة عامة، على اعتبار أن عددا من التجارب عالميا أظهرت أن الرأسمال تصبح له الكلمة الفصل حينما يدخل أي قطاع كان. وانتقدت الوزيرة في ردها على مجمل الملاحظات التي قدمتها الهيئات النقابية التي حضرت اللقاء، القطاع الخاص، وأشارت في هذا الصدد إلى نتائج زيارات التفتيش التي قامت بها لجان الوزارة إلى عدد من المصحات الخاصة والتي وقفت خلالها على اختلالات خطيرة، داعية إياهم إلى ضرورة إعمال النقد الذاتي من أجل الوقوف على الاختلالات التي يعرفها القطاع، وأبرزت إيجابية هذه المقاربة التي تم القيام بها على مستوى المؤسسات الاستشفائية العمومية، ومكنت من وضع الأصبع على مكامن الضعف وإيجاد الحلول لعدد من الإشكالات ومواجهة مجموعة من التحديات التي تعرفها المنظومة الصحية . وأكدت أن مسار تعديل قانون مزاولة الطب، وإقرار إصلاح من أجل فتح رأسمال المصحات الخاصة أمام فاعلين جدد لن يتم إلا عبر التشاور والحوار البناء والمسؤول مع الأطباء لإيجاد أرضية توافقية تتماشى مع السياق العام لتوجهات الدولة وتراعي مصالحهم المهنية والأخلاقية والاقتصادية المشروعة.