يدرك أغوستين ميسا وهو مصور تلفزيوني منذ 20 عاما في سيوداد خواريث، أكثر المدن دموية في المكسيك، أنه يشكل الهدف اليومي لقتلة كارتيلات المخدرات، إلا أنه يؤكد في مقابلة مع وكالة فرانس برس أنه «لا يمكننا كبشر أن نبقى صامتين حيال ما يجري». يوما بعد يوم يصور الجثث. فقد خلفت «حرب الكارتيلات» 28 ألف قتيل في المكسيك بين تصفية حسابات ومواجهات مع القوى الأمنية منذ تولي الرئيس فيليبي كالديرون السلطة في ديسمبر 2006 رغم انتشار 50 ألف عسكري في البلاد. وتدمي هذه المواجهات والجرائم شمال البلاد برمته على طول حدود تمتد على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر حيث تتواجه الكارتيلات للسيطرة على تزويد السوق الأميركية أكبر مستهلك للكوكايين في العالم. وتحطم سيوداد خواريث كل الأرقام القياسية مع أكثر من 2600 قتيل في 2009 وأكثر من ألفي قتيل هذه السنة. في حرب الشوارع هذه، غالبا ما يشكل الصحافيون ضحايا جانبيين. فقد قتل 11 منهم منذ يناير الماضي واغتيل ثلاثون أو اختفوا منذ تولي كالديرون السلطة بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود». ويدرك أغوستين وهو يحمل الكاميرا على كتفه أنه تسهل رؤيته من قبل تجار المخدرات. لكنه يقول «أمارس هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاما، إنها شغفي وعلي أن استمر. لا يمكنني كإنسان أن أبقى صامتا حيال ما يجري». هاتفه النقال يرن فيرد قائلا «سأذهب فورا» ويتوجه إلى مسرح جريمة جديدة ذهب ضحيتها شاب في الثالثة والعشرين قتل في وسط الشارع. يوما بعد يوم، يبلغ زملاءه في شمال المكسيك عن تهديدات. ويكثر التجار والمهربون من عروض القوة والوحشية لترهيب الرأي العام والسيطرة على الإعلام والاقتصاص من الذين يخالفون التعليمات. وأعلنت الحكومة للتو إجراءات قانونية جديدة لحماية الصحفيين. فالتهديدات وعمليات خطف صحافيين وقتلهم ستصنف «جريمة فدرالية» على ما أعلن الرئيس كالديرون. ومعروف أنه يمكن الوثوق بالشرطة الفدرالية أكثر من قوات الشرطة المحلية. في سبتمبر أعلن صحافي من سيوداد خواريث حصوله على اللجوء السياسي في الولاياتالمتحدة حيث كان يعيش في المنفى منذ قرابة السنتين. إلا أنه ليس الوحيد الذي عبر الحدود للإفلات من التهديدات. ويقول مايك اوكونور من لجنة حماية الصحافيين ومقرها في نيويورك «يشعرون أنهم متروكون من دون حماية. فهم يقتلون ويتعرضون للتهديد والخطف من دون أن يحصل في غالبية الحالات أي تحقيق أو ملاحقات قضائية. من السهل جدا قتل صحافي مكسيكي والإفلات من ذلك من دون مشكلة». ويتابع قائلا «ساحات المعركة في هذه الحرب باتت خطرة جدا على الصحافيين في السنوات الأخيرة وبات غالبيتهم لا يغطون بكل بساطة هذا النوع من الأحداث». ويؤكد «في بعض الحالات يقبلون الرشوة لكن في غالبية الأحيان يذعنون أمام تهديدات القتل ويمتنعون عن التغطية. إنهم يفرضون رقابة ذاتية على أنفسهم». ويؤكد اغوستين «نحن صحافيون ونكتفي بالقيام بعملنا وهو الإعلام» مضيفا «ما أطلبه أنا هو أن تحترم الشرطة عملي». عندها يرن هاتفه لينطلق مجددا إلى مسرح جريمة أخرى.