العيد ألقت بالحقيبة على السرير، فتحت النافذة، نظرت إلى الشارع، لم تجد أحدا، تدلت أكثر، فكرت في أن تغادر من النافذة. انتبهت إلى أن الأدراج تؤتى من الباب، «النوافذ خلقت للصوص والكسالى»، أغلقت النافذة وارتمت على السرير. فتحت حقيبتها وولاعتها في آن. أشعلت سيجارة ثم ثانية ورابعة. أشرعت النافذة، كانت الشمس باهتة كالقمر. رأت سحابة على شكل طائرة تحلق في كبد السماء طليقة. غمرها ما يشبه الفرح، اغرورقت عيناها من السعادة. ثم تدلت نحو الأسفل. غنت أغنية سمعتها لأول مرة عند البقالة السمينة. لم يرد عليها أحد. لمحت كلبا أبيض يقلب ما بالقمامة بحثا عن شيء ما. نهرته: «أوف، ما هذه الحيوانات اللعينة التي قلبت الحي إلى قمامة». تذكرت قرار البرلمان الاسترالي في إبادة عشرين مليون قط تحولت إلى قطاع طرق في قارة كانت «للباب واز» لا غير. أغلقت الزجاج والضلفتين معا. أخرجت علبة السجائر من جديد. وضعتها على الطاولة، فكرت في أن تضع السجائر الإحدى عشرة على المنضدة وأن تشعلها في آن، وجاءت بكؤوس طويلة سكبت فيها ماء انتهت صلاحيته ما يزيد عن شهر. قفزت فوق السرير. فتحت النافذة وتدلت أكثر من قبل. التفتت إلى الاتجاهات الأربعة، لم تر أحدا ولم تسمع شيئا، «الناس لا يزالون نياما في الساعة السابعة صباحا». فكرت في أن تدخل السعادة في قلوب النائمين. أشعلت أغنية تحبها، ترددها جدران البيت باستمرار «أعيش وحيدا مع أمي في شقة جميلة جدا». رفعت من صوت المسجل، كانت تحب هذه الأغنية وترددها باستمرار. رددت الأغنية مع المسجل بصوت يرتفع مع كل إعادة جديدة للأغنية. تحول البيت الى سيرك. اطلت من النافذة. نبح الكلب نباحا هزيلا. لم تر احدا «اذن لم تدخل السعادة بعد الى قلوب النائمين». هرعت نحو المسجل حزينة، رفعت من صوته واعادت اغنيتها. دق الجرس. اخفضت من صوت المسجل. ذهبت باتجاه الباب سألت: من؟، جاءها صوت صدئ من الخارج: «ما هذا الصراخ، ما هذا العويل، الا تحملين اية اعتبارات للجيران. كلنا نحب شارل ولكن ليس دائما نفس الاغنية». لم تجب جارتها المتقاعدة، اطفأت المسجل، انتقلت الى النافذة. تدلت اكثر، لمحت رجلا يعلق باقة ورد عليها شريط يحمل الوان العلم الوطني، وضعها على لافتة من نحاس، كتب عليها: «هنا وقع الشهيد دفاعا عن أرض الوطن فليرقد في سلام». ركب الرجل حافلة سوداء تطل من نوافذها ألوان الورود ليضع باقة أخرى في مكان آخر. لقد كان ذلك اليوم يوم ذكرى الاستقلال. **-**-**-*-*-**-** كبرياء الأغنية التي نبتت في حنجرتي ذات طفولة حين علّموني أن أصمتَ حيث يحلو الغناء نتأتْ بأشواكها على وجهي ونطق لحنُها المتخفي لسنوات أمام مرآتي المخادعة وأزهرت أثمارها خيوطا ذهبية تماثل بكبريائها أسواط بركان ثائر