باخضرارها السردمي الذي علق منذ الأزل بضفتي واد مكون, تستقبل مدينة قلعة مكونة زائريها الذين يشدهم منظر أشجار الصفصاف الباسقة, وبعض الأشجار المثمرة المتناثرة وسط الاستغلاليات الزراعية الصغيرة المساحة, لكنها وافرة العطاء. تتناثر الأشجار المثمرة في جنبات البساتين المجاورة إحداها للأخرى, لدرجة أن الوافد على المنطقة لا يكاد يعرف الحدود الفاصلة بين هذه الاستغلاليات الزراعية, التي لا تكل عن العطاء المتجدد طيلة الفصول الأربعة المتعاقبة سنة بعد أخرى. وإذا كانت بدايات التعاطي لزراعة الورود العطرية, في قلعة مكونة خصوصا ومنطقة دادس على وجه العموم, غير معروفة بالتحديد, فإن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن هذه النبتة الجميلة تشبه إلى حد كبير الورود العطرية التي يتم إنتاجها في دمشق ومصر وتونس, والتي تضاهي في جودتها ومنافعها الورود العطرية المنتسبة إلى مناطق جغرافية أخرى في أوربا (فرنسا وبلغاريا وتركيا), وآسيا (إيران وباكستان والهند). وباستطاعة أي زائر للمنطقة أن يلاحظ بأن زراعة الورود العطرية بقلعة مكونة تتم على امتداد مجاري السواقي التي تخترق بساتين المنطقة, وكذا على طول الممرات الفاصلة بين البساتين, حيث يقدر مجموع المسافة التي تشغلها هذه النبتة, التي تشتهر بها هذه المنطقة, من التراب الوطني بحوالي 3 آلاف ومائتي كيلومتر حسب المعطيات المتوفرة لدى المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات. ويلجأ مزارعو منطقة دادس ومكونة إلى تقنية الإفتسال لمضاعفة عدد شتائل هذه النبتة, التي يكتمل نمو ورودها في شهر ماي من كل سنة. وتستمر فترة الجني لمدة تصل حوالي 25 يوما, حيث يشكل هذا المنتوج الزراعي المحلي أحد أهم موارد العيش بالنسبة للساكنة المحلية التي تتعاطى للنشاط الزراعي. وتستخدم الورود العطرية ومشتقاتها في عدة أغراض تأتي في مقدمتها الاستعمالات الطبية والتجميلية, إضافة إلى صناعة الحلويات والمثلجات وغيرها. كما أن «الدهن المركز» المستخلص من هذه النبتة والذي يسمى محليا ب»أمازان», يستعمل في الجراحة حيث يساعد على انتشار الأنسجة, فضلا عن كون التجارب المختبرية أبانت عن كونه يحتوى على مواد مضادة للسرطان. وتقدر مصالح المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات معدل الإنتاج السنوي من الورود العطرية بحوالي 3 آلاف طن, وتصل قيمتها المالية حوالي 30 مليون درهم. ويمكن للإنتاج أن يتجاوز هذا الحد ليصل إلى 4 آلاف طن سنويا إذا كانت الظروف المناخية ملائمة, خاصة في حال توفر مياه السقي, وانعدام الصقيع خلال الفترة الربيعية. ويوجه الجزء الأكبر من الإنتاج الذي يتراوح ما بين 20 و30 في المائة من المحصول الإجمالي, نحو التقطير في الوحدتين الصناعيتين المتواجدتين بالمنطقة. بينما يوجه باقي الإنتاج نحو التجفيف ليعاد بيعه على هذه الحالة, سواء في الأسواق المحلية أو في أسواق أخرى بالمدن المغربية. وقد عرفت كميات الورود العطرية الموجهة للتقطير في هاتين الوحدتين الصناعيتين خلال السنين الأخيرة, بعض التراجع حيث قدرت ب620 طن سنة 2006. ويعزى هذا التراجع للارتفاع النسبي للعائدات المادية المستخلصة من تسويق الورود, التي يتم تجفيفها قبل بيعها في الأسواق الوطنية, خاصة في مدن مراكش والدار البيضاء وفاس. وتحتل الورود العطرية المغربية مكانة مرموقة على الصعيد العالمي, حيث يتموقع المغرب في الرتبة الثانية بعد بلغاريا من حيث كميات الإنتاج. بينما يصنف الدهن المركز المستخلص من ورود قلعة مكونة في الرتبة الثالثة وراء فرنسا وتركيا. ومقابل ذلك فإن المخثر المستخلص من ورود قلعة مكونة ودادس ما فتئ يعرف إقبالا متزايدا في الأسواق الأجنبية, ويفسر الحرفيون هذا الإقبال بالسعر المنخفض لهذه المادة, كما يعتقدون أن المخثر المستخلص من الورود يعاد تقطيره من جديد قبل توجيهه للاستعمال المتعدد الأوجه, وهذا ما يدفع إلى ضرورة التفكير بجدية في بلورة تصورات ملائمة لتثمين منتوج قلعة مكونة ودادس من الورود العطرية, شأنه في ذلك شأن العديد من المنتجات المحلية في مناطق مختلفة من المملكة.