عن سن تناهز 82 سنة، وبعد معاناة شديدة مع المرض، توفي ليل الثلاثاء – الأربعاء، على الساعة التاسعة ليلاً بالعاصمة الفرنسية باريس، المفكر الجزائري محمد أركون، الذي يعتبر من بين أهم المفكرين والباحثين المغاربيين المعاصرين. وقد ازداد محمد أركون سنة 1928 في بلدة تاوريرت في تيزي وزو بمنطقة القبائل الكبرى الأمازيغية بالجزائر، وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث تلقى تعليمه الأولي. وانتقل إلى وهران ليتم بها دراسته الثانوية، ثم الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر، ليتم دراسته في «السوربون» في باريس. وحصل على شهادة الدكتوراه في الآداب، كما درّس بجامعات عديدة في أوربا وأمريكا والمغرب، واهتم بدراسة وتحليل الفكر الإسلامي. عُين محمد أركون أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون عام 1968 بعد حصوله على درجة دكتوراه في الفلسفة منها، وعمل كباحث مرافق في برلين عام 1986 و 1987. وكان منذ سنة 1993 عضوا في مجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن. ونظير اجتهاداته المعرفية حصل على العديد من الجوائز من بينها رتبة ضابط لواء الشرف، جائزة «بالمز» الأكاديمية، جائزة «ليفي ديلا فيدا» لدراسات الشرق الأوسط في كاليفورنيا، دكتوراه شرف من جامعة إكسيتر عام 2002، جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2003. وترك أركون مكتبة ثرية بعشرات المؤلفات والكتب، التي انصبت في أغلبها حول إشكالية العقل في مواجهة النص، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات من بينها العربية والهولندية والإنكليزية والإندونيسية. وأركون عضو اللجنة الوطنية لعلوم الحياة والصحة بفرنسا، وعدة لجان أخرى. ومن آرائه إعادة قراءة القرآن برؤية عصرية وتجريده من القداسة التي تعيق دراسته وهو ما جعله عرضة لانتقادات التيارات الأصولية المتشدّدة. فبرحيل أركون، تفقد ساحة الفكر المتنور بمنطقة المغرب الكبير والعالم العربي، أحد رموز الفكر الفلسفي وأحد كبار الدعاة إلى إعمال العقل والحوار والتفكير العقلاني في مقاربة قضايانا الدينية والفكرية والسياسية.. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه وألهم عائلته الصغيرة والكبيرة الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.