بعد جلسات مشاورات أولى في أفق تكوين الأغلبية الجديدة عقب استحقاق سابع أكتوبر، يتوقع أن تستمر الاتصالات والمناقشات بين الأطراف الحزبية المعنية خلال الأيام المقبلة، وفي غمرة هذه الدينامية الحوارية والتفاوضية الطبيعية في مثل هذه السياقات المتعارف عليها في العالم كله، فإن نظر المهتمين والمحللين والرأي العام الوطني يتوجه أولا إلى الأحزاب التي يرتقب أن تفضي المشاورات إلى انضمامها إلى تحالف الأغلبية. اليوم، بلادنا في حاجة إلى التفاف قوى وطنية ديمقراطية تمتلك الجدية والمصداقية واستقلالية القرار، من أجل إنجاح الإصلاحات وتطوير مسارات التنمية والتقدم. التحدي إذن هو النجاح بالذات في تحقيق هذا الالتفاف الواعي، بين القوى الوطنية ذات الاستعداد لتحمل مسؤوليتها والوفاء بالتزاماتها السياسية والأخلاقية إلى النهاية. إن كسب هذا الرهان الأول يعني النجاح في توفير مضمون سياسي جدي لمنظومة الأغلبية، ولعملها المستقبلي وللعلاقات فيما بين مكوناتها، ومن ثم للصورة العامة التي سيتلقاها المغاربة عن مؤسسات بلادهم، وعن... السياسة. من جهة ثانية، إذا توفر الالتفاف الحزبي المشار إليه، سيكون على القيادات الحزبية أن تحرص على تكريسه وبلورته من خلال مقتضيات متفق عليها يتضمنها ميثاق أخلاقي والتزامات سياسية متبادلة بين مكونات تحالف الأغلبية، بالإضافة إلى صياغة آليات للمتابعة وللعمل المشترك على كل المستويات السياسية والتواصلية والتدبيرية والبرلمانية وسواها، وذلك بغاية تمتين قواعد لتطوير سلوك المسؤولية السياسية ولتقوية عمل المؤسسات ومصداقيتها. بلادنا فعلا في حاجة لمنظومة سلوكية عامة لدى أحزابنا الوطنية، وذلك لنخرج من كامل التوتر وعنف الكلام الذي شهدناه في السنوات الأخيرة داخل جلسات البرلمان وعلى أعمدة الصحف وفي العلاقات بين الأحزاب، وأيضا لكي تستعيد السياسة عندنا بعض المنطق والجدية، ولكي يصير كذلك لدينا تحالف أغلبية تتكلم كل مكوناته ذات اللغة وتتحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية أمام الرأي العام في التصريحات والأعمال والمواقف والعلاقات. وبعد كسب رهان التركيبة، سيكون مهما كذلك النجاح في تحدي الأشخاص والبروفيلات وبنية القطاعات الوزارية ومنظومة العمل الحكومي بشكل عام، ثم النجاح في صياغة برنامج حكومي جامع لتوافق كل مكونات الأغلبية، ولكن أيضا يستحضر، بالأساس، التحديات الجوهرية الحقيقية المطروحة على المغرب اليوم، ويرتكز على التطلعات الاجتماعية والاقتصادية المجسدة لمطالب وانتظارات شعبنا. هنا يجب فعلا أن يتنافس المتنافسون. كيف يمكن أن ننهض ببلادنا ونخدم شعبنا، وأي السبل من شأنها تمكيننا من تسريع وتيرة الإصلاحات الأساسية، وتلبية الانتظارات الاجتماعية لشعبنا وتحسين مستوى عيشه، وقيادة المغرب للفوز في كل التحديات التنموية والديمقراطية والإستراتيجية والوطنية المطروحة عليه. ومن أجل هذا الهدف المركزي، يجب أن تكون البداية اليوم عبر النجاح في تكوين تحالف واعٍ وقوي بين الأحزاب الوطنية الديمقراطية الجدية وذات القرار المستقل، وأن يحرص الجميع على تحمل المسؤولية الوطنية، وأن يستحضر وضوح الرأي وبعد النظر، والكثير من العقل، بما يساعد بلادنا على ربح كل معاركها الوطنية والتنموية والديمقراطية والمجتمعية. في هذه المرحلة، التفكير يجب أن يتوجه إلى المغرب أولا، أي بلا حسابات الأنا المريضة ذاتيا أو حزبيا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته