شهدت الدارالبيضاء الإثنين حدثا حقوقيا ورمزيا في غاية الأهمية من خلال افتتاح مقبرة تأوي رفاة ضحايا أحداث 20 يونيو 1981، ويمثل ذلك حلقة مهمة في مسار تمتين شبكة حفظ الذاكرة الحقوقية والنضالية لشعبنا، وإبراز فواجع زمن الرصاص وحجم الانتهاكات التي مورست في حق شعبنا وقواه الديموقراطية، وذلك من أجل تقوية الوعي واليقظة حتى لا يتكرر ما جرى. في هذه اللحظة الانسانية العامرة بالتاريخ والرمزيات، سالت دموع وتحركت مشاعر مختلفة، والكثيرون عادت لذاكرتهم كامل الحكاية وبشاعة قمع السلطة التي لم تتردد في إزهاق أرواح وتوجيه الرصاص الحي لصدور مواطنات ومواطنين...، والجميع بدا مصرا على صنع المستقبل، أي العيش بكرامة وبلا انتهاكات لحقوق البشر. الخطوة التي رعاها المجلس الوطني لحقوق الانسان بعد عمل وتحر مضنيين قامت بهما هيئة الانصاف والمصالحة، تنبهنا اليوم الى أهمية مواصلة هذا العمل والاستمرار في تعزيز معالم ومؤسسات حفظ الذاكرة، وتضمين ذلك في المقررات المدرسية ومن خلال استثمارها في الفنون ووسائل الاعلام السمعية البصرية، وتوفير الإمكانات المادية والعلمية واللوجيستيكية لذلك، بالإضافة الى الإرادة السياسية القوية وتعاون مختلف المؤسسات ذات الصِلة. من جهة أخرى، إن استحضار أحداث 20 يونيو1981 وما ميزها من خروج فقراء شعبنا للاحتجاج، وتنامي انتفاضة اجتماعية، ينبه الى حساسية الوضعية الاجتماعية، والى ضرورة الانشغال باستمرار بتقوية القدرات الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، والحرص على تحسين ظروف عيشها وأوضاعها الاجتماعية، وبالتالي تمتين جهد الدولة والقطاع الخصوصي للنهوض بقطاعات التعليم والتشغيل والصحة والسكن، وبقضايا التأهيل الاقتصادي والاجتماعي للشباب والنساء وساكنة البوادي والمناطق الجبلية والنائية، وهذه التحديات التنموية والاجتماعية تعتبر ذات راهنية في مختلف الازمان والمراحل، بما فيها اليوم، حيث يواصل شعبنا، برغم كل المنجزات والاصلاحات والمكاسب، طرح مزيد انتظارات ومطالب اجتماعية واقتصادية. أحداث 20 يونيو 1981 تلفت انتباه الكل الى أن شعبنا ليس بلا تاريخ نضالي، فهو، وطيلة ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، من تصدى لبشاعة سنوات الرصاص وعنف السلطات الأمنية والإدارية، وهو كذلك من أنجب المناضلات والمناضلين وكل القوى الديموقراطية التقدمية والمنظمات الحقوقية والشبابية والطلابية والنسائية والثقافية والنقابات الذين واجهوا الاعتقال والاختطاف والتعذيب والنفي والقتل والتشريد، وصمدوا وفضحوا... من داخل هذا الصراع والصمود تخرج آلاف المناضلات والمناضلين، وتبلورت التجربة النضالية الديموقراطية لشعبنا وأكسبته التميز، ومنحت القوى الديموقراطية الحقيقية المصداقية والشرعية... اليوم من مقومات إشعاع الذاكرة الحقوقية والنضالية، أن تحرص البلاد كلها على حماية وتطوير تعدديتها السياسية ومسارها الديموقراطي العام، لأن من أجل هذا بالذات قدم عديد مناضلين ومناضلات أرواحهم وزهرة شباب أعمارهم وكل التضحيات. المصالحة التي يسعى المغرب لترسيخها على هذا المستوى لا تنحصر في تعويض الضحايا وذويهم، ولكن أساسا في توفير كامل شروط عدم تكرار ما حدث، وفي بناء "مغرب جديد بدون انتهاكات". والمصالحة أيضا تفرض إبراز معالم رمزية لحفظ الذاكرة بمناطق الأحداث عبر المتاحف والمراكز الثقافية وفضاءات حفظ الذاكرة الأخرى، أو من خلال ما يماثل خطوة الاثنين في الدارالبيضاء، وكل هذا يجب أن ينطلق من تصورات هندسية مجتهدة وذات معنى، وأن يندرج ضمن تأسيس ثقافي يهم المدينة أو المنطقة الجغرافية المعنية، بشكل اندماجي ومتكامل يحقق المصالحة والتفاعل داخل الفضاء الجغرافي والمكاني ككل ومن طرف كامل الساكنة. افتتاح مقبرة بالدارالبيضاء لضحايا أحداث 20يونيو 1981 يعتبر خطوة مهمة وإيجابية تستحق التنويه، ولكنها تتطلب أيضا مواصلة الدينامية والسير بها إلى الأمام وترسيخ سياق حفظ الذاكرة النضالية لشعبنا واستلهام دروسها التاريخية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته