في الندوة الوطنية حول الشباب وصناع القرار الحزبي: أي تعاقدات؟ بدعوة من الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب من أجل الديمقراطية، قدم حزب التقدم والاشتراكية، من خلال مداخلة عزوز صنهاجي عضو المكتب السياسي المسؤول عن قطاع الشباب، مساهمته في الندوة الوطنية حول الشباب وصناع القرار الحزبي: أي تعاقدات؟ وذلك يوم السبت 28 نونبر 2015، بقاعة الندوات التابعة لفندق كولدن توليب، بالرباط. وقد شارك في هذه الندوة أيضا ممثلون عن المكاتب السياسية لأحزاب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة. وفي ما يلي النص الكامل للمداخلة، التي استمع إليها وتفاعل معها شباب يمثل مسؤولي جمعيات المجتمع المدني، ومسؤولي المنظمات الشبابية الوطنية، وفاعلون سياسيون. السيدات والسادة الحضور يسعدني أن أتناول الكلمة، باسم حزب التقدم والاشتراكية، دون أن يفوتني أن أتقدم بالشكر للمعهد الجمهوري الدولي وللشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب من أجل الديمقراطية، على الدعوة الكريمة، وبالأخص، على الاختيار الموفق لتيمة نعتبرها غاية في الأهمية، ألا وهي: الشباب وصناع القرار الحزبي، أية تعاقدات؟. ودعوني في البداية، أطرح معكم بعضا من الأسئلة الأساسية، التي ربما، تعودنا كنخب، أن نعتبرها واردة في باب البداهة: ونحن نتحدث عن الشباب، هل نتحدث عنه بصيغة الجمع أو بصيغة المجموعات؟ أو بصيغة المفرد؟ وبعبارة أخرى: هل من حق صانع القرار أن يتعاطى مع السؤال الشبابي بوصفه قضية واحدة موحدة؟ وهل المطالب والحاجيات والطموحات متفق في شأن ترتيبها، من حيث الأولوية، لدى جميع الشباب؟ طبعا، لا تنتظرون من حزب كحزب التقدم والاشتراكية أن يواصل طرح مزيد من الأسئلة، ولكن بعضا منها ضروري للتأمل في عدد من المسلمات الانطباعية، ولإبراز عدد من الخلاصات، لعل أهمها، أنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نتغافل عن كون السؤال الاجتماعي، بمحدداته الاقتصادية، سيظل هو السؤال الأعمق والأهم والأشمل، وهو ما تندرج تحته وتتناسل منه جل، إن لم تكن جميع الأسئلة الأخرى، بما فيها القضية الشبابية. بعبارة أخرى، أكثر وضوحا: من الحيوي التعاطي مع السؤال الشبابي بجرأة، لكن دون السقوط في فخ عزله عن السياق الاجتماعي والمجتمعي العام، ودون المبالغة في الاعتقاد أو الإيحاء بأن لجميع الشرائح الشابة في بلدنا، أو في أي بلد آخر، نفس التطلعات والانتظارات والحاجات، ولا حتى نفس الوسائل والأدوات لتحقيق ذلك. موازاة مع ذلك، ودون إغفال الخلاصة الأساسية السالف استنتاجها، فحزب التقدم والاشتراكية مقتنع، أشد ما يكون الاقتناع، بأن فئة الشباب، تمتلك من المقومات والخصائص المشتركة، ما يجعل منها فئة جديرة بصياغة رؤية خاصة بها من قبل صانع القرار، سواء كان دولتيا أو حزبيا أو غيرهما. فالشباب، وبالنظر إلى ما يتسم به عابرو هذه المرحلة العمرية الحاسمة في حياة أي إنسان، من حماس ورغبة جامحة في إثبات الذات من خلال الانتصار لكل جديد، شكل، ويشكل، قوة دافعة للتغيير والتطوير المجتمعي، وهو الأمر الذي يتم فيه الالتقاء، موضوعيا، ومن المحبذ أن يكون هذا الالتقاء عضويا أيضا، مع القوى السياسية الوطنية الحاملة لهم التغيير والمشتغلة عليه، بكل ما تقتضيه مهمة التغير من ضرورات الرهان على ترصيد المكاسب الديمقراطية والارتقاء بها نحو مستويات أفضل، والحرص على أن يتم ذلك، بمنطق التراكم، وليس بمنطق القطيعة، ليس بين الأجيال فحسب، ولكن بين الأفكار والتوجهات المختلفة أيضا،،،، وبمنطق السعي نحو الإصلاح الذي يقدر التوازنات المجتمعية، ولا يقفز تعسفا على موازين القوى المميزة لكل مرحلة تاريخية،،، ويقدر بالأساس، وهذا هو الأهم، غاية وشرط الاستقرار، الذي بدونه يظل أي حديث، وفي أي شيئ مجتمعي، بلا معنى ولا جدوى ولا أفق. الحضور الكريم، هل سنختلف حول تشخيص وضعية الشباب المغربي؟ نعم سنختلف، إذا تناول كل واحد منا المسألة من زاويته الخاصة، فالأمر يتعلق بوضعيات وليس واحدة، حيث لا يستقيم مثلا أن نتحدث فيما بيننا عن أنفسنا، وإلا وقعنا في إلغاء منهجي فظيع لذاك الشاب القروي الذي لم تتح له فرصة التواجد معنا الآن، ولتلك الشابة التي تكافح من أجل لقمة عيش في بيت مشغلها، وأيضا، لذلك الشاب الذي سيعتبر مناقشاتنا هذه لغوا، واختار البحث عن خلاصه بشكل فرداني، وللشاب الذي قاطع الواقع وانزوى في فضاء افتراضي متفرجا أو معلقا... وغير ذلك كثير. أيضا، تحديد مرحلة "الشباب" لا يحظى باتفاق عام وموحد من حيث الامتداده العمري، وأجدني، هنا، أميل إلى التحديدات غير المكتفية فقط بالعمر، والمنفتحة على معايير ومسارات الاندماج النفسي والاجتماعي والمهني والمستحضرة لاستقلالية الشخص ومسؤوليته وتحقيقه لذاته. إن الاستجابة لحاجات الشباب المادية والمعنوية التي تساعده على تحقيق ذاته، أمر ديناميكي ونسبي وغير مكتمل، ولا بد من الإقرار، هنا، بالتقدم الهائل الحاصل في مستوى العيش العام خلال العقود الأخيرة، ومع ذلك نؤطر موقفنا بكون الأوضاع الاجتماعية الشبابية، بالخصوص، يتعين أن لا يتم النظر إليها بمنظار "الثقل" الإجتماعي الزائد أو "الحمل" المالي الكابح للنمو، بل إنه يجب اعتبار الأمر تحديا حقيقيا و محوريا وحيويا بالنسبة للاقتصاد الوطني، وكذلك بالنسبة للاستقرار الاجتماعي والسياسي. كذلك، من الجدير باهتمامنا أن ننبه إلى خطورة الخطاب المتحامل على الأحزاب السياسية و محاولة إبرازها على أنها متشابهة، أو أنها جزء من المشكلة الديمقراطية، فمن البديهي أنه لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية قوية، ولا أحزاب سياسية قوية، دون شباب مؤطر وواعي وفاعل . لذلك توجد أحزابنا السياسية الأصيلة في صلب التساؤل الشبابي الملح حول مصداقية العمل الحزبي وحكامته وجدواه وما توفره الفضاءات الحزبية من إمكانيات للتكوين واتخاذ القرار والمشاركة في صياغته وتنفيذه: إنها أسئلة تكتسب مشروعيتها وقوتها أكثر عندما تقترن بانخراط واضعيها من الشباب في معمعان الفعل الحزبي من الداخل، وهي دعوة صادقة وعميقة لكل الشباب من أجل التشبع العارم بثقافة المشاركة وعدم الارتكان إلى نهج المقعد الفارغ، لأن هناك دائما من سيملأه مكانهم، وهو ما يريح، طبعا، كل القوى المجتمعية التي تحلم بالمحافظة على الوضع كما هو. إن مختلف المؤسسات الرسمية والتنظيمات المعنية بالشباب مطالبة بتعديل تمثلاتها عن طبيعة انشغالات الشباب وميولاتهم وأولوياتهم: حيث الغالبية العظمى من شبابنا ليست جامعية التكوين وليست ذات توجه حزبي أو سياسي محدد، و ليست مفرطة في حمل القيم المحافظة، ولا في تبني القيم الحداثية أيضا: الشباب المغربي عموما متسامح ومعتدل الميول والاهتمام ومعتدل في مطالبه، وأولوياته الإجتماعية والمعنوية يمكن إجمالها في مطلب الكرامة: هذا ما أكدته نتائج البحث الوطني حول الشباب المنجز من قبل المندوبية السامية للتخطيط في يونيو 2012... لكن الأهم أن مثل هذه الدراسة القيمة ومثيلاتها يتعين أن تشكل خلاصاتها دروسا للدولة و للرأسمال الوطني وللطبقة السياسية وللنخب المثقفة وللنخب والتنظيمات الشبابية أيضا، من أجل مقاربة الوضع الشبابي بكثير من التواضع والمبدئية و قليل من المزايدة، ومزيد من الواقعية والشمولية والاستهداف. وفي اعتقادي، فإن معالجة وضعية للشباب المغربي لا تتجزأ عن معركة الارتقاء بالوضع الوطني العام: إنها معركة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالنسبة لكافة الشعب المغربي، و هي معركة سياسات عمومية واختيارات سياسية واقتصادية ومدى ملاءمتها للطموح الوطني والشعبي. لقد كان للشباب المغربي، عبر حراكه المسؤول، دور أساسي في تعجيل كثير من مفاصل التغيير ببلادنا، وهو الحراك الذي مكن الشباب المغربي من خلال دستور 2011 من أساس دستوري متين، حيث الفصل 33 منه يقر بضرورة توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدته على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية..... مع تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلوم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية وتوفير الظروف المواتية لتفتق طاقاته الخلاقة والإبداعية في كل المجالات، كما عزز الدستور الإطار القانوني الذي يكفل المشاركة الفعلية للشباب في الحياة العامة بالتنصيص على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي. وستظل هذا المكاسب الدستورية غير مكتملة من حيث الوقع، ما لم يستتبعها التفعيل و التنزيل والتنفيذ، كما أن ذلك لن يتأتى إلا بالنضال المسؤول والترافع القوي واليقظة الشديدة من قبل التنظيمات الشبابية وأنصارها، كي لا تخرج للوجود كائنات مؤسساتية فارغة أو مشاريع وخطط غير ذات فاعلية في أرض الواقع. من جانب آخر، حزب التقدم والاشتراكية، الذي يمتد عمره إلى أزيد من 70 سنة، قضاها في النضال إلى جانب ومن أجل المستضعفين، وفي خدمة الوطن والشعب، في ظروف مختلفة، ومن مواقع متعددة، هذا الحزب جعل، دائما، ولا يزال، من قضايا الشباب إحدى أهم مكونات برامجه وتصوراته، وجسد، بالملموس، فضاء لاندماج الفئة الشابة ضمن هياكله وقيادته، بل إن جل قيادته الحالية تتشكل من مناضلات ومناضلين تمرسوا على العمل السياسي في منظمة الشبيبة الاشتراكية، الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية سابقا، والتي تعد فضاء للتكوين السياسي والمرافعة الموضاعاتية والنضال الميداني مع الشباب، وهي المنظمة الموازية التي يربطها بحزبها، على المستوى العملي،عقد برنامجي، بموجبه تتفاعل الالتزامات المتبادلة بشكل إيجابي وخلاق، دون تدخل أو إملاء في خطط العمل. ومادامت بلادنا اختارت نهج اللامركزية والجهوية المتقدمة، فإن حزب التقدم والاشتراكية، كما خلال كل استحقاق انتخابي، يضع المسألة الشبابية ضمن أولويات ما يقترح الدفاع عنه وخدمته، ومثال على ذلك، ما ورد في الوثيقة الأخيرة للبرنامج الانتخابي برسم الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة في ما يتعلق بالطفولة والشباب: * ضرورة توفير بنيات استقبال الشباب بالسهولة والجودة المطلوبتين. * إحداث مصلحة اجتماعية، لدى جميع الجماعات والجهات، لفائدة والشباب تتكفل بملاءمة عروض الاستقبال والأنشطة * التشجيع، بجميع الأشكال والصيغ، على المشاركة الفعلية للشباب في الحياة الجماعية حتى يتمكنوا من إسماع انشغالاتهم، * المساهمة في تكوين قطاع الشباب، حيث تنظم كل جماعة في إطار شراكة مع النسيج الجمعوي، أياما تواصلية تمكن من مد الجسور بين الفاعلين في مجال الشباب، * تهيئة وتطوير فضاءات اللعب والمساحات الخضراء تمكن الأطفال والشباب من ولوج الفضاء العمومي * تطوير فرق تربوية مع الجمعيات من أجل اللقاء بالشباب في أوساطهم المعيشية وتيسير الولوج إلى البنيات الثقافية والتربوية والرياضية، * تطوير النقل الجماعي من أجل تيسير التبادلات واستعمال البنيات التحتية بين مختلف فضاءات الاستقبال المتواجدة في تراب الجماعة (مؤسسات تعليمية، بنيات رياضية وثقافية، دور الشباب...) ...إلخ وإذا كانت البرامج الانتخابية تجسد التزامات، فإن حزب التقدم والاشتراكية برهن، من خلال موقع التدبيري، ترابيا كان، أو وطنيا، على أنه وفي لالتزاماته، ولا يطرح مقترحاته لمجرد ضرورة الاقتضاء أو لمجرد التسويق الانتخابي، ولأستدل على ذلك، من المهم الاطلاع، عن كثب، على تجارب جماعات ومدن سيرها الحزب، مثل مدينة تيزنيت وغيرها، كما أنه من المهم أن نلتقط دلالات ما يقوم به الحزب، على مستوى السياسات العمومية الحاضنة للمطالب الشبابية، من خلال وزارة الصحة مثلا، وورش التغطية الصحية للطلبة الذي شكل منذ عقود مطلبا حيويا للحركة الشبابية والطلابية، أو ما يقوم به الحزب في وزارة الثقافة من بناء وتجهيز لدور الثقافة في المدن الصغرى والمتوسطة على الخصوص، كما أنه من المهم تثمين الجهود التي تبذلها وزارة التشغيل على مستوى برامج ومخططات مواكبة الشباب في التأهيل للاندماج في عالم الشغل. نعلم أن كل ذلك غير كافي بالنظر لحجم الحاجيات والخصاص والانتظارات، وبالنظر لموازين القوى السياسية، ولطبيعة الخريطة السياسية، التي لا تسمح في كل الحالات بتنزيل البرنامج الكامل، لكن التقييم الموضوعي يقتضي منا جميعا أن نعتز بما يجب الاعتزاز به، وأن نستمر في نضالنا من أجل استيفاء ما لم نستطع بلوغه لأي سبب من الأسباب. شكرا على انتباهكم