لماذا ينبغي أن ننتظر إلى أن نودع هذه الحياة لكي نتبرع بمكتباتنا للمؤسسات العمومية؟ يمكن ويحسن القيام بذلك حتى في حياتنا. فلا شك أن العديد من الشغوفين باقتناء الكتب والذين يخصصون جزءا غير يسير من راتبهم الشهري لشراء الإصدارات الحديثة والقديمة على حد سواء، لا شك في أنهم يتوفرون على مخزون محترم من الكتب، انتهوا من قراءتها ولم يعودوا في حاجة للرجوع إليها. هناك رفوف من الكتب تحيط بجدران بيوتهم، إلى حد أنهم لم يعودوا يجدون لها مكانا إضافيا، واضطروا إلى مراكمتها داخل العلب والصناديق، مع العلم أن أسوأ عمل يقوم به القارئ هو هذا بالذات، ذلك لأن الكتاب خرج إلى الوجود لأجل أن يقرأ، ويتم تداوله بين القراء، لا أن يتم إقباره. يقرأ الكتاب ويوضع في أماكن يسمح بالوصول إليها، وإذا بات يتعذر الرجوع إلى هذه الكتب، بالنظر إلى أنها صارت تشكل فائضا؛ فإنه عند ذاك يكون من الضروري نقلها إلى أماكن أخرى حيث يكون بالإمكان الاستفادة منها من طرف أناس آخرين لديهم شغف بالقراءة ولا تسمح لهم ظروفهم المادية بالوصول إلى كتب معينة، وليس بالضرورة أن تكون نادرة. العين بصيرة واليد قصيرة. عادة ما نسمع عن كاتب ما تم التبرع بمكتبته لفائدة هذه المؤسسة أو تلك، وغالبا ما يتم ذلك بعد مماته، في حين أن هذا الفعل يمكن أن يقوم به كل من لديه مكتبة فائضة عن الحاجة، إذا جاز التعبير. وليس بالضرورة أن يكون كاتبا، كما أن بمقدوره القيام بذلك وهو على قيد الحياة، سيما وأن الأمر لا يتعلق بعضو من أعضاء الجسد، ننتظر إلى أن يموت صاحبه؛ لكي نتبرع به، بعد أن يكون قد أوصى بذلك. بعض ورثة أصحاب المكتبات المنزلية، لا يعرفون شيئا اسمه التبرع بالكتب لدى المؤسسات العمومية؛ فبمجرد أن يرحل ذووهم ممن يتوفرون على مخزون هام من الكتب، حتى يبادروا إلى التخلص من هذا الإرث الثقافي كيفما اتفق. ولذلك يحدث أن تتجول في سوق الخردة وتعثر على كتاب نفيس التهمته الرطوبة والحشرات وعليه توقيع بخط يد مؤلفه، يفيد أنه مهدى إلى فلان أو علان، وعادة ما يكون هذا الذي يهدى إليه الكتاب اسم مرموق، سواء في مجال الأدب أو الفكر أو في غير ذلك من المجالات، ويا ما صادفت شخصيا كتبا من هذا القبيل. هذا يجرنا للحديث عن أسواق الكتب المستعملة، ما من شك أنها في طور الانقراض، الكثير من هذه الأسواق يحتضر حاليا، بالنظر إلى انتشار وسائط الاتصال الرقمية، وتكاثف الإقبال على القراءة عن طريق هذه الوسائط بالذات، نظرا لمرونة استعمالها وتكلفتها اليسيرة، لا بل يحدث في كثير من الأحيان أن يتيسر لك تحميل كتاب معين والاطلاع عليه بالمجان. من الضروري مع ذلك، العناية بأسواق الكتب المستعملة ودعمها وتطويرها، وهذا الدور ليس مقصورا فقط على وزارة الثقافة، بل يمكن لمؤسسات أخرى أن تضطلع بذلك، كما أن القطاع الخاص ينبغي أن يكون معنيا بالانخراط في هذا المجال، أخذا بعين الاعتبار أن الأمر يتعلق بالثقافة وليس بأي مادة استهلاكية عادية. هناك مؤسسات سواء عمومية أو خاصة، ليست في حاجة إلى أن تنتظر من يتبرع عليها بالكتب، بل باستطاعتها أن تخصص ميزانية لاقتناء أحدث الإصدارات؛ فلو بادرت كل مؤسسة من هذه المؤسسات إلى إنشاء مكتبات داخلية، مع الحرص على اقتناء نسختين على الأقل من كل كتاب يصدر حديثا؛ لما عاد هناك مجال للحديث عن أزمة النشر، ولازدهر التأليف ونشط المبدعون والمفكرون والأدباء والباحثون.. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته