حزب التقدم والاشتراكية وفي لهويته ورسالته الوطنية في مثل هذا اليوم (أول أمس)، أي بتاريخ 23 غشت من سنة 1974، تسلم حزب التقدم والاشتراكية وصل الإيداع القانوني لوثائقه لدي عمالة الدارالبيضاء والمحكمة الإقليمية. وبذلك استرجع الحزب مشروعيته القانونية، وتم وضع حد (من هذا الجانب) للحيف الذي تسلط، لمدة غير قصيرة، على فصيل أساسي من فصائل أحزاب الحركة الوطنية والديمقراطية خلال فترة الاستعمار وفي ما بعد الاستقلال. مباشرة بعد ذلك، وإلى جانب الانكباب على ملاءمة هياكله التنظيمية مع الظروف الجهوية والوطنية الجديدة، شرع الحزب في التحضير لعقد مؤتمره الوطني الذي جرت أشغاله أيام 21-22-23 فبراير 1975، بقاعة الأفراح البلدية، بالدارالبيضاء، تحت شعار: "الديمقراطية الوطنية مرحلة تاريخية نحو الاشتراكية". وكانت مقررات هذا المؤتمر بمثابة نفس جديد لبلورة الأفكار والوثائق البرنامجية التي أقرها مؤتمر سابق للحزب انعقد، في ظروف السرية، سنة 1966 بنفس المدينة. وبذلك، وفي أوضاع سياسية متغيرة، واصل الحزب عمله الوطني الذي بدأ من المرحلة الأولى، مرحلة النضال من أجل الاستقلال الوطني تحت لواء الحزب الشيوعي المغربي، ثم المرحلة الثانية التي كان عنوانها تصفية مخلفات الاستعمار وبناء مؤسسات الدولة المغربية الحديثة. وبعدها المرحلة الثالثة الحالية، بتراكماتها من الإصلاحات والمكتسبات، وبأفقا المفتوح على استكمال وإنجاز الأوراش الإصلاحية الكبرى، وترسيخ دولة المؤسسات والخيار الديمقراطي، وبناء قواعد العدالة الاجتماعية. في سنتي 1976 و1977، وكحزب له مكانته وجذوره في المجتمع، رغم سنوات المنع والتضييق عليه وعلى صحافته ومناضليه، انخرط حزب التقدم والاشتراكية في الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والبرلمانية. وكان ذلك في سياق ما عرف بالمسلسل الديمقراطي، وهو– وكما راهن الحزب على ذلك- المسلسل السياسي الذي أفضى إلى منعطف كبير في حياة البلاد، وأثمر ما أثمره من النتائج والتغييرات التي وضعت المغرب على سكة النهوض الاقتصادي والاجتماعي والتقدم نحو مكانته المستحقة في مصاف الدول الصاعدة . وفي أفق التقدم على هذا الطريق، وبعد كل منعرجات وصعاب ومحن عقود القرن الماضي، هاهي البلاد تواصل مسارها في ظل شروط أفضل وبطموحات أوسع، وبقدرات أكبر على قطع المسار وربح رهان إنجاز أوراش التحولات الكبرى. ويعتبر المسلسل الانتخابي الحالى، بكل حلقاته، محطة أساسية في توفير شروط مواصلة دعم وتقوية البناء الديمقراطي وتحقيق مكتسبات جديدة. والأمر يتوقف، في هذه المحطة الانتخابية، على وعي المواطنين وعلى حسن اختيار الهيئة الناخبة لمن تنتدبهم إلى المؤسسات التمثيلية الوطنية والمحلية والجهوية، وحرصها على معايير الجدية والكفاءة والنزاهة التي هي شرط أساسي لتكوين مؤسسات محلية وجهوية في مستوى مغرب اليوم ومحيطه الكوني، وبما يعطي للمغرب، في هذا المجال أيضا، نموذجه المتميز الذي يستحق أن تعقد حوله ندوات ومنتديات للدراسة والبحث النظري والميداني. وبالمناسبة، ونحن نستحضر ذكرى حدث هام يخص مشهدنا السياسي والحزبي، لابد أن نلاحظ كذلك بأن المغاربة والمغربيات لهم ما يكفي من النضج لفرز الاختيار الصحيح، ومن ثمة لهم أكبر المسؤولية في ذلك. وفي كل الحالات فالتاريخ حين يأخذ مساره المنطقي، ومهما كانت المنعرجات والمثبطات، فلابد أن يبلغ وجهته الصحيحة والطبيعية. ومن دروس وخلاصات المسافة الزمنية، الممتدة من 23 غشت 1974 إلى اليوم، أن حزب التقدم والاشتراكية كان موفقا في خدمة الوطن والمواطنين، ومعبرا ومدافعا بسياسته العقلانية عن حقيقة وحاجيات المجتمع المغربي وتطلعاته، وتلك رسالته بالأمس واليوم وغدا.