إشارة ملكية تحمل رسائل واضحة إلى كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين بضرورة المساهمة في دعم وتنمية المجال الثقافي وشح جلالة الملك محمد السادس مؤخرا، مجموعة من الشخصيات المغربية والأجنبية بالقصر الملكي بالرباط، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين. وضمن هذه الشخصيات نخبة من الفنانين والأدباء: عبد الهادي التازي، مؤرخ وكاتب؛ محمد بنعبد السلام، موسيقي وملحن؛ عمرو الطنطاوي، موسيقي وملحن؛ خناثة بنونة، كاتبة وأديبة؛ فريد بلكاهية، فنان تشكيلي؛ عبد اللطيف الدشراوي، مخرج مسرحي؛ مصطفى الدسوكين، فنان مسرحي وسينمائي، مصطفى الزعري، فنان مسرحي وسينمائي؛ عبد القادر مطاع، فنان مسرحي وسينمائي؛ عزيز موهوب، فنان مسرحي وسينمائي؛ محمد بسطاوي، فنان مسرحي وسينمائي؛ إدريس الخوري، كاتب وصحفي. ولا يخفى على أحد ما ينطوي عليه هذا الحدث من دلالات قوية، تؤشر على الاهتمام الذي ينبغي أن يمنح للفنانين والأدباء باعتبار انخراطهم في تعزيز البعد الرمزي والثقافي والإبداعي لبلدنا. وقد أجمع العديد من المسؤولين عن إطارات فنية وثقافية مغربية على القيمة الرمزية التي تحبل بها مبادرة توشيح الأدباء والفنانين بأوسمة ملكية. وحول دلالات هذا التوشيح وتطلعاتهم بخصوص الوضع الاعتباري والاجتماعي للفنان المغربي، أدلى مجموعة من المسؤولين لبيان اليوم بتصريحاتهم وانطباعاتهم؛ فقد أكد رئيس النقابة المغربية للمهن الموسيقية الفنان أحمد العلوي، في اتصال هاتفي أجرته معه بيان اليوم، أن التوشيح الملكي للفنانين بأوسمة ملكية، يعد ترسيخا لمضمون الدستور المغربي في ما يتعلق بالرعاية التي ينبغي أن تولى للثقافة والإبداع المغربي بتنوعه وتعدده، كما أن هذا التوشيح هو برهان على الوعي بأهمية المجال الثقافي والفني في توطين أسس الدولة وركائزها، وباعتباره قاطرة لتربية المجتمع على القيم النبيلة وحث الأجيال القادمة على ضرورة التمسك بالثقافة والفنون المترسخة في جذور تاريخنا، كما أنه اعتراف بما أسداه الفاعلون في هذا المجال من خدمة للوطن. غير أن الأمر لا ينبغي أن يقف عند هذا الحد - يضيف العلوي- بل لا بد من أن يوازي هذا التوشيح الملكي ضمان الحقوق الكاملة للفنان، أخذا بعين الاعتبار أن هناك مظاهر كثيرة من الحيف لا يزال يشكو منها، ولا تزال هناك ضبابية تلف ميداننا الفني بصفة عامة، وبالتالي فإن المبادرة الملكية في ما يخص توشيح هؤلاء الفاعلين في الحقل الفني والأدبي، تظل إشارة قوية على ضرورة صون كرامتهم وتوفير ظروف مريحة للخلق والإبداع. وفي تصريح مسعود بوحسين رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، لبيان اليوم، أبرز أن تكريم صاحب الجلالة لثلة من الفنانين بأوسمة ملكية يجسد مدى اهتمام جلالته بالفن والفنانين وبالمجال الثقافي عموما، ولذلك لا يسعنا إلا أن نشكر صاحب الجلالة على هذه الالتفاتة السامية لبعض رموز الساحة الفنية المغربية من روادنا وأساتذتنا الذين نكن لهم كامل التقدير والعرفان على تضحياتهم الجسام في تأسيس حركة فنية مغربية تتطور يوما عن يوم. وبهذه المناسبة - يضيف بوحسين- أهنئ كل الفنانين وباقي الموشحين بهذه الالتفاتة الملكية السامية التي تعكس مدى حرص صاحب الجلالة وإيمانه بدور الثقافة والفنون في تدعيم صرح بناء مجتمع التعدد الثقافي المتمسك بقيمه الثابتة والمنفتح على العصر وتطوراته. وأضاف موضحا أن مثل هذه الإشارات الملكية، لتعكس بجلاء الحرص الملكي السامي على تطوير المجال الثقافي، وهو حرص أبان عنه جلالته في فرص عديدة ركز فيها على مدى أهمية الفعل الثقافي والفني في المجتمع المغربي كرافعة للتحديث والبناء الديمقراطي، كما مثلت مبادراته المتعددة في تشييد العديد من المنشآت الثقافية الكبرى دليلا على هذا الاهتمام الحكيم بالمجال الثقافي كعنصر أساسي من عناصر التنمية المستدامة. كما عبر عن اعتقاده أن مثل هذه الإشارات وغيرها رسائل واضحة إلى كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمثقفين بضرورة العمل الجماعي على تنمية المجال الثقافي باعتباره رهانا استراتيجيا لبناء المجتمع المغربي المتمسك بقيم الأصالة والتعدد والانفتاح، وكذا اعتبار العمل الثقافي رافدا أساسيا من روافد التنمية الاقتصادية وليس مجرد نشاط تكميلي وهو ما يعكسه بجلاء دستور المملكة لسنة 2011. ومن جانبه أشار مدير الفنون بوزارة الثقافة عبد الحق أفندي، في تصريح لبيان اليوم، إلى أن التوشيح الملكي له أكثر من دلالة، فهو يندرج في سياق الاعتراف بعطاءات الفنان المغربي، بكل ما يكتنزه هذا الاعتراف من حمولة عاطفية ونفسية، بغض النظر عن الجانب المادي، كما أنه يؤكد على ضرورة إقرار المنظومة القانونية التي يشتغل في ظلها وصيانتها، ويشكل هذا التوشيح كذلك شحنة ودفعة عاطفية وإنسانية لمواصلة العمل، وتكريس علاقات طيبة وودية في محيط اشتغاله، والتأكيد على أن عطاءات هؤلاء الموشحين لم تذهب سدى، وأن هناك جهات تتلقى إنتاجه وتعنى به. غير أنه - يضيف أفندي- ينبغي بذل المزيد من الجهود لتوفير شروط مريحة لاشتغال الفنان وضمان عيش كريم له ولأسرته، مع العلم أن هذا المطلب ليس موقوفا على جهة معينة أو واحدة، بل إنه يدخل في إطار منظومة معقدة يتداخل فيها ما هو قانوني واجتماعي واقتصادي، ومن المداخل الرئيسية لذلك، تنظيم المهن الفنية والعلاقات التعاقدية بين الفنانين ومشغليهم، وانتظام المؤسسات التي تؤطر الفنانين.