لم يعد غريبا على المحاصرين قهرا في مخيمات تيندوف تتبع دخول المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية من بوابة تندوف، وخروجها، بعد المعاينة والتصفيف، من البوابة الموريتانية من أجل بيعها بأسعار تخضع لاتفاق المسؤولين عن تهريبها والمشترين. مواد غذائية ومحروقات، وقطع غيار السيارات، والأفرشة والأغطية والخيام... كلها، يقول بيان منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف المعروف اختصارا ب "فورساتين"، مواد تباع بثمن أرخص من سعرها في أسواق الشمال الموريتاني، فقط لأن من يبيعها بسعر مخفض يجني من الأرباح ما لا يجنيه نظيره الذي يبيعها بسعر مضاعف، والسبب أن صاحب البضاعة المخفضة لم يشتريها أصلا، وإنما استلمها من أحد قادة البوليساريو المكلفين بتوزيعها على المحتجزين، لبيعها في موريتانيا بأي ثمن. حقيقة مرة، يقول بيان المنتدى الذي توصل بنداء استغاثة من 1200 عائلة من سكان تندوف، وقام بتعميم هذا النداء على وكالات الأنباء العالمية، ناقلا صيحات عائلات تشتكي تردي الأوضاع، والتهميش، والإهمال الذي لحقها من قبل قيادة البوليساريو التي تحرمهم من الحصول على المساعدات الإنسانية الموجهة إليهم. وجاء في نداء الاستغاثة أن العائلات المحاصرة في المخيمات تعاني من "ندرة المياه"، وعدم استفادتها من المساعدات الإنسانية والغاز وتعاني أيضا من "العزلة المفروضة والحصار المميت والممنهج لإبادة المواشي، والذي حال دون إمكانية العيش الكريم في هذه المنطقة". وقال المتضررون في ندائهم إنه "في حالة عدم الاستجابة لجملة مطالبنا المشروعة المتمثلة أساسا في الحصول على المساعدات الإنسانية والبرامج الدولية، سنقوم بتنظيم وقفة، مطلع شهر غشت الجاري، أمام بعثة الأممالمتحدة الموجودة في البلدة لطلب المساعدة". ويظهر من خلال ما جاء في نداء الاستغاثة، أن العائلات المحاصرة لم تعد تقتصر على انتقاد قادة البوليساريو فحسب، بل باتت تنتقد علانية صمت المنظمات الدولية عن الظاهرة التي استفحلت بشكل لا يطاق خلال السنوات الأخيرة، وأضحت تسخر، دون وجل، من بروباكاندا البوليساريو، ومن مغالطات مفادها أن "قبول المقترح المغربي للحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية سيوقف المساعدات الدولية". عودة وعي يسهم تيار "خط الشهيد" بقوة في إذكائها من خلال انتقادات لاذعة وموضوعية لقيادة البوليساريو التي تتمتع بعطلها الصيفية المريحة بشواطئ الدول المجاورة، ما يجعلها آخر من قد يشعر بمعاناة أبناء جلدتها. وهي انتقادات شجاعة حركت التيارات الراكدة داخل المخيمات وكذلك هيئات دولية من ضمنها البرلمان الأوروبي والمكتب الأوروبي لمكافحة الغش، ودفعتها لإعلان البوليساريو قيادة تتلاعب بالمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة مخيمات تندوف. ودفعت هذه الاتهامات الأمين العام للأمم المتحدة إلى دعوة الجبهة إلى إحصاء ساكنة المخيمات وهو مطلب أساسي أكدت عليه خطابات جلالة الملك محمد السادس، وأكد عليه مسؤولون سياسيون مغاربة، مثلما يؤكد عليه الصحراويون المناهضون للأطروحة الانفصالية. ويعتبر مراقبون أن عملية إحصاء سكان مخيمات تندوف من شأنها أن تمكن المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدات بناء على أرقام وتقديرات مضبوطة بما يكفل تلبية احتياجاتهم وفرض رقابة على البوليساريو التي تقدم أرقاما ضخمة لعدد السكان من أجل تحويل المساعدات وبيعها. وقد كان حريا بالأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون أن يضمن تقريره الأخير حول العلاقة بين تنامي الإرهاب في ليبيا ومالي وما يجري بمخيمات تندوف دعوة صريحة لمبعوثه إلى المنطقة للقيام بزيارة للمخيمات، ومساءلة من يتاجرون بقضية الصحراء المغربية، وإرهاف السمع للمحتجزين الصحراويين الذين يلاقون، جراء تأييدهم ودعمهم للمقترح المغربي للحكم الذاتي، القمع والاعتقال والكبت، وحتى التهجير.