أعطى مشروع المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بتنظيم وتدبير الأرشيف الكتاب العامين للوزارات سلطة الإشراف على بنية تدبير الأرشيف داخل قطاعاتهم، حيث نص على إحداث بنية إدارية خاصة بالأرشيف تكون ملحقة بالكاتب العام، عوض أن تخضع لسلطة الوزير، إذ رغم ما قد يطرأ على الحكومة من تغيير للوزراء لن يمس هذا التغيير بنية الأرشيف داخل كل قطاع. وبهذا المرسوم الذي بدأت من خلاله ملامح خارطة الطريق المتعلقة بتنظيم وتدبير أرشيف المغرب تتكش ، تم تحديد شروط وإجراءات تدبير وفرز وإتلاف الأرشيف العادي والوسيط وشروط وإجراءات تسليم الأرشيف النهائي لمؤسسة أرشيف المغرب التي مر على إحداثها أكثر من سبع سنوات كبنية عهد لها المشرع تدبير أرشيف المغرب، وبدأت بذلك تتسارع الخطى من أجل تدارك التأخر الحاصل على مستوى تدبير الأرشيف داخل البلاد، هذا بالرغم من أن ملاحظات سجلت على بعض من مقتضياته ستعيده حتما إلى اللجنة الوزارة الموسعة لإدخال تعديلات عليه بعد أن كان قد قبل شهر قد وصل المراحل الأخيرة للمصادقة، حيث تمت إحالته على الأمانة العامة للحكومة بعد أن قد قطع أشواطا مهمة من حيث الإعداد وأشر عليه كل من وزير الوظيفة العمومية ، ووزير الاقتصاد والمالية. هذا وينص مشروع المرسوم في مادته الأولى على إحداث لجنة للأرشيف وبنية إدارية مكلفة به لدى إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والهيئات الخاصة المكلفة بإدارة مرفق من المرافق العامة، والتي تتولى ، بتعاون مع مؤسسة أرشيف المغرب،على إعداد وتنفيذ برامج لتدبير أرشيفها العادي والوسيط. وتتكون لجنة الأرشيف الخاصة بكل إدارة من إدارات الدولة ، حسب ماجاء في المادة الثانية من ذات المرسوم، من الكاتب العام للقطاع الوزاري المعني أو من يمثله بصفته رئيسا، وممثل واحد عن كل مديرية مركزية بالقطاع الوزاري المعني، والمسؤول عن البنية الإدارية المشار إليها ، بصفته كاتبا دائما للجنة، وممثلين عن المصالح غير الممركزة ، يعينون من لدن رئيس الإدارة المعنية. وحدد المرسوم لهذه اللجنة أن تجتمع مرتين في السنة على الأقل، على أن تتولى دراسة برنامج تدبير الأرشيف الخاص بالقطاع الوزاري المعني، وتقييم حصيلة الأنشطة المنجزة، واقتراح الإجراءات الواجب اتخاذها لتحسين أساليب التدبير وضمان فعاليتها . وطبقا للمادة 4 فإن هذه البنية تدرج ضمن الهياكل التنظيمية للقطاعات الوزارية المحدثة بموجب النصوص التنظيمية المتعلقة بتنظيم واختصاصات هذه القطاعات، على أن تضع الإدارة رهن إشارة البنية الإدارية السالفة الذكر الوسائل المادية والتقنية اللازمة، كما تضع رهن إشراتها الموارد البشرية المؤهلة في مجال الأرشيف. وتتولى البنية الإدارية القيام بمهام إعداد المعطيات الإدارية والتقنية الخاصة بأرشيف القطاع الوزاري المعني وجعلها رهن إشارة مؤسسة أرشيف المغرب، والإشراف على عمليات نقل الأرشيف العادي ، وتدبير وفرز الأرشيف الوسيط حسب الآجال والإشراف على عمليات إتلاف الأرشيف الوسيط الذي لاتتوفر فيه شروط الحفظ الدائم، وكذا القيام بعمليات تسليم الأرشيف النهائي الموجود لدى الإدارة إلى مؤسسة أرشيف المغرب . *** حوار سريع مع جامع بيضا * منذ إحداث مؤسسة أرشيف المغرب وإلى حدود اليوم، ما الذي تحقق بالنسبة للأرشيف الوطني لكي نقيم تقييما موضوعيا الشيء الذي تحقق منذ إحداث مؤسسة أرشيف المغرب، يجب التذكير ببعض المعطيات التي يتعين أخذها بعين الاعتبار. فقد صدر القانون المنظم للأرشيف في 30 نونبر 2007 ، وبقي حبرا على ورق حتى ربيع 2011 عندما أعطيت الانطلاقة لمؤسسة أرشيف المغرب. وكان قدر هذه المؤسسة أن تنطلق من الصفر في غياب أية ميزانية مخصصة لها برسم تلك السنة، وفي غياب أي طاقم بشري لتسييرها وأية بناية مؤهلة لاحتضانها. لقد كان ميلاد المؤسسة عسيرا بكل ما في الكلمة من معنى، إذ أن عملية التأسيس من لاشيء من الأمور التي يشيب لها الرضيع. إن المسؤولية الملقاة على كاهلها جسيمة، إذ أنها بموجب القانون 69-99 المنظم للأرشيف مؤسسة عمومية تناط بها أساسا " مهمة صيانة تراث الأرشيف الوطني والقيام بتكوين أرشيف عامة وحفظها وتنظيمها وتيسير الاطلاع عليها لأغراض إدارية أو علمية أو اجتماعية أو ثقافية" (المادة 27 ). ويندرج هذا المشروع ضمن تصور شامل يتوخى إحداث إطار مؤسساتي يعنى بتدبير الوثائق الإدارية باعتبارها تجليا موثقا للذاكرة الوطنية وضمانة حقيقية لانخراط الدولة والمجتمع في الحداثة والديموقراطية. ومنذ تاريخ التدشين الرسمي، عملت المؤسسة بجهود حثيثة على وضع عدد من اللبنات التأسيسية، من قبيل، توفير الموارد المادية اللازمة والكفاءات البشرية الضرورية لتمكين هذه المؤسسة من الاضطلاع بالمهام الجسيمة المنوطة بها. وبفضل بعض الشراكات مع أطراف أجنبية، تمكنا بواسطة التكوين المستمر من اكتساب خبرات كانت منعدمة أو ضعيفة على الساحة الوطنية. والعمل على تهيئة مقر مؤقت لمؤسسة أرشيف المغرب ريثما يتم تشييد مقر جديد بمعايير دولية. وفتح أبواب المؤسسة وأرشيفتها في وجه الباحثين وعموم المهتمين، وتنظيم عدد من معارض وندوات وورشات عمل في إطار حملات تحسيسية تستهدف نشر " ثقافة الأرشيف" التي يفتقر إليها بلدنا، ومن ثمة تكريس يوم 30 نونبر من كل سنة يوما وطنيا للأرشيف. هذا بالإضافة إلى إعداد مشروع لمرسوم تطبيقي للقانون 69-99 المنظم للأرشيف. وسيعرض على الحكومة للمصادقة عليه عما قريب، والعمل أيضا على إعداد خطة عمل للقيام بدراسة شاملة لوضعية الأرشيف في بلادنا، حيث ستهم المرحلة الأولى لهذه الدراسة المصالح المركزية للوزارات،ولهذا الغرض بعث السيد رئيس الحكومة أوائل شهر ماي الماضي بمنشور إلى كل من يهمه الأمر. كما تعمل المؤسسة من أجل إحداث مجلس وطني للأرشيف للبث في الأمور الاستراتيجية ذات الطابع العرضاني، والسهر من أجل بناء مقر للأرشيف بالمواصفات الدولية يكون مثالا يحتدى ويشكل لبنة أساسية لتفعيل مشروع المرسوم التطبيقي المنتظر. ما هي البرامج ذات الأولوية والتي ستعمل عليها في المستقبل مؤسسة أرشيف المغرب؟ الأولية كل الأولية لمشروع المرسوم المشار إليه لكونه سيكون محطة مفصلية في تعامل المغاربة مع الأرشيف. وطبعا ، لتفعيله هنالك ترسانة من الأدوات المرجعية نحن بصدد إعدادها. تؤكدون مرارا أن تدبير الأرشيف الوطني هو استشراف للمستقبل ، فما هي التجربة العالمية التي تجدون أنها الأصلح للمغرب لاستلهام بعض من جوانبها؟ لا أريد أن نكون حبيسي تجربة عالمية دون أخرى. فنحن نستلهم من التجارب الدولية ما بدا لنا ملائما لوسطنا الطبيعي والبشري والمادي دون إقصاء، كما أن هنالك توجيهات للمجلس الدولي للأرشيف نستنير بها قدر الإمكان. تحدث المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير عن تمكن المغرب من استعادة مجموعة من الوثائق التي لها علاقة بتاريخ المغرب ، فهل مؤسسة الأرشيف التي تضطلع بمهمة تدبير الوثائق والأرشيف الوطني ستتسلم على هذا الأرشيف الوثائقي؟ لا أعرف بالتدقيق نوعية الأرشيف الذي قامت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بتصويره أو رقمنته وجلبه من الخارج، ولكن أفترض أن يكون متعلقا بصفحات المقاومة وجيش التحرير لخدمة هذا الجانب من التاريخ الوطني. وإن كان هذا الافتراض صحيحا، فجلب هذه الوثائق قد اعتمد الانتقائية خدمة للذاكرة، وهذا مشروع تماما. أما خطة مؤسسة أرشيف المغرب، فتهدف إلى جلب أرشيف مرقمن حسب شمولية الأرصدة التي لا تقبل التجزئة حسب قواعد علم الأرشيف. وقد بدأنا فعلا هذه العملية مع أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية منذ أن تم التوقيع معها على اتفاقية شراكة وتعاون في نونبر 2013 ، بمناسبة الاحتفال الأول في المغرب باليوم الوطني للأرشيف. في إطار التفاعل مع ما تم تقديمه من اقتراحات خلال أشغال المائدة المستديرة بمناسبة اليوم العالمي للأرشيف والتي تخص تجويد مشروع المرسوم التطبيقي للقانون المؤسس للأرشيف، فكيف ستعمل المؤسسة لتمرير هذه المقترحات، فهل سترفعها إلى الأمانة العامة للحكومة أم سيتم انتظار إحالة نص مشروع المرسوم على مجلس الحكومة؟ لقد قمنا بتسجيل سمعي بصري لكل العروض والمناقشات، ونحن بصدد القيام بدراسة متأنية لجميع الاقتراحات للنظر فيما هو صائب منها ويمكن إغناء المشروع به، هذا مع العلم أن المطلوب منا في هذا المشروع ليس هو التعبير عن الانتظارات والأماني مهما كانت وجيهة بقدر ما هو إيجاد مرسوم تطبيقي لأمور طالب فيها المشرع بذلك صراحة في القانون 69-99 المنظم للأرشيف. *مدير مؤسسة أرشيف المغرب