حفظ الذاكرة والتاريخ ومعرفة مكنونات الوثائق الرسمية هل ستتيح انطلاقة «مؤسسة أرشيف المغرب» مجال الاطلاع على الأرشيف الوطني، ويصبح في مقدور عموم الأفراد الاطلاع على مختلف وثائقه ومعرفة مكنونات الوثائق الرسمية السرية منها وغيرها، سواء تعلق الأمر بالوثائق التي تهم الأجهزة الاستخباراتية أو تلك التي تهم المجال العسكري أو مجال اتخاذ القرار السياسي وتسيير الشأن العام؟. فإذا كان حفل تدشين مؤسسة «أرشيف المغرب» يوم الجمعة الماضي بالرباط، حسم نهائيا موضوع إحداث هذه المؤسسة والجهة التي ستشرف عليها، إذ أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد تخلى لوزارة الثقافة عن الاختصاص من أجل الإشراف والوصاية على هذه المؤسسة، التي ستتولى أمر تنظيم والإطلاع على الأرشيف، بعد أن كان في السابق يتم فقط تحميله مسؤولية هذه المهمة، لا سيما بعد أن دخل على الخط المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي رفع دعوى قضائية لوقف نشر وثائق من أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة. فإن مسألة الإطلاع على الأرشيف، قد حسم فيها أيضا القانون الخاص بالأرشيف 69-99 الصادر في 30 نونبر 2007، إذ حدد المدة الزمنية التي يجب أن تمر على إنتاج تلك الوثائق للإطلاع عليها، ففيما يتعلق بالوثائق التي قد يمس الإطلاع عليها، أسرار الدفاع الوطني، واستمرارية سياسة المغرب الخارجية، وأمن الدولة والسلامة العامة، أو سلامة الأشخاص، والمساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها، فقد حددت المادة 15من هذا القانون، المدة بشأنها، في ستين سنة. وكذا الأمر بالنسبة لسريرة الحياة الخاصة التي تتضمنها الوثائق التي تم جمعها في إطار الأبحاث الإحصائية للمرافق العامة، والمشتملة على معلومات فردية لها علاقة بالحياة الشخصية والعائلية وبصفة عامة بالأفعال والتصرفات الخاصة. هذا، ولا تطبق مقتضيات هذا القانون على الأرشيف العامة المتعلقة بالتاريخ العسكري، إذ أشار على أنها تظل خاضعة فيما يتعلق بتحديدها وتصنيفها والمحافظة عليها وتيسير الإطلاع عليها، لمقتضيات الظهير الشريف 266-99-1 الصادر في 3 مارس 2000، بإحداث اللجنة المغربية للتاريخ العسكري. ومن جانب آخر، قضت المادة 15 السالفة الذكر من قانون 69-99، على أنه يمكن لكل شخص يرغب في الاطلاع الأرشيف العامة، أن يقوم بذلك دون مراعاة أي أجل بالنسبة لبعض الوثائق التي توضع عادة رهن إشارة الجمهور والوثائق التي يرخص قانون خاص بالاطلاع عليها، في حين وضع شرط مرور أجل 30 سنة بالنسبة للأرشيف العامة، ويرفع أجل الثلاثين سنة الذي يمكن عند انتهائه الاطلاع بكل حرية على الأرشيف العامة إلى مائة سنة، وذلك ابتداء من تاريخ ولادة المعني بالأمر فيما يتعلق بالوثائق المشتملة على معلومات فردية ذات طابع طبي وبملفات المستخدمين.. وفيما يتعلق أيضا بالأصول والفهارس لدى الموثقين والعدول وسجلات الحالة المدنية وسجلات مصلحة التسجيل. واستثنت أحكام هذا القانون مسألة تحديد المدة للاطلاع على «أرشيف المغرب» لأغراض البحث العلمي، إذ يتاح ذلك بعد موافقة الإدارة الأصلية بالاطلاع على الأرشيف العامة، على ألا يمس ذلك بأسرار الدفاع الوطني، أو أمن الدولة، أو الحياة الخاصة. وأفادت مقتضيات هذا القانون خاصة المادة 21 منه أن نصا تنظيميا سيتم وضعه لتحديد كيفيات السماح للمستعلمين بالاطلاع على الأرشيف العامة، وتسليم النسخ والمستخرجات المشهود بصحتها. ويشار إلى أن الإعلان عن تدشين مقر مؤسسة الأرشيف الوطني يأتي استكمالا لمسار إعمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الخاصة بالأرشيف، وحفظ الذاكرة والتاريخ، والتي تشكل إحدى أهم الجوانب في مسار العدالة الانتقالية، على اعتبار أنه يشكل البوابة الرئيسية التي من خلالها تتأسس مرحلة جديدة تقطع مع سلبيات الماضي الذي كانت تسوده فقط الذاكرة الرسمية، بل وإعمالا لقانون الأرشيف 69-99 الذي مر على إقراره أكثر من ثلاث سنوات -2007 - وكان ينتظر فقط، خروج المراسيم التطبيقية الخاصة به إلى حيز الوجود. واستنادا لنص هذا القانون فإن مؤسسة «أرشيف المغرب» تناط بها أساسا مهمة صيانة تراث الأرشيف الوطني، والقيام بتكوين أرشيف عامة وحفظها وتنظيمها وتيسير الإطلاع عليها، لأغراض إدارية، أو علمية، أو اجتماعية، أو ثقافية، حيث من المقرر أن تنهض ببرنامج لتدبير الأرشيف العادية والوسيطة التي بحوزة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين حددهم هذا القانون في الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العامة، فضلا عن الهيئات الخاصة المكلفة بإدارة مرفق من المرافق العامة.