الدعوة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تفضي إلى التعصب الطائفي والتطرف أكد المشاركون في الندوة الدولية التي نظمتها الزاوية البصيرية، بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لانتفاضة محمد بصير، على دور أهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف، وعلى ضرورة اضطلاع الطرق الصوفية والزوايا بدورها الطلائعي في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تفضي إلى التعصب الطائفي المؤدي إلى التطرف. وقال شيخ الزاوية في هذه الندوة، التي تتبع أطوارها باحثون أكاديميون من داخل المغرب وخارجه، "ننظم اليوم هذه الندوة العلمية الدولية تحت عنوان: "دور أهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف"، والتي ستتدارس في برنامجها الحافل، وخلال أربع جلسات علمية، خمسة محاور، المحور الأول: المناضل سيدي محمد بصير وأولوية قضيته، المحور الثاني: خصوصية التدين المغربي في مواجهة التطرف، المحور الثالث: الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي والغربي، وكيف واجهها أهل التصوف؟، والمحور الرابع: التطرف في الساحل والصحراء نموذجا، والمحور الخامس، التطورات الحالية لقضية الصحراء: العوائق والرهانات". وفي بحر مداخلته تساءل الشيخ مولاي إسماعيل عن أي دور قد يكون لأهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف؟، وقال إن أعداء الإسلام يعلمون أن التصوف هو أهم عامل في وحدة المسلمين لتسامحه في المنهج، وتجنبه التكفير، وتعظيم حرمة المسلم، وعدم الخروج على الحاكم، إن أعدائنا يرصدون كل تحركاتنا، ويكفي أن تعرفوا أن أحد ألد أعداء الإسلام قال في مناسبة من المناسبات: نحن لا نخشى العالم العربي والإسلامي الآن، إنما نخشى أن تعود تلك الزوايا التي خرجت أمثال عمر المختار وعبد القادر الجيلالي وعبد الكريم الخطابي ومحمد المهدي وغيرهم. وفي أعقاب كلمته عن خصوصية المغرب، حذر شيخ الطريقة البصيرية من استمرار تهديدات الإرهاب والتطرف لأمن واستقرار البلد رغم إستراتيجية المغرب الأمنية وإجراءات اليقظة المتبعة تحت التعليمات الرشيدة لملك البلاد، داعيا الزوايا وأهل التصوف إلى استعادة أدوارهم الطلائعية في تنوير المواطنين وتربيتهم على نبذ العنف والغلو في الدين لأن التطرف لا ينمو إلا حيث يغيبون. وقال شيخ الزاوية، إن المهمة الأولى أو بالأحرى العبادة الأولى، لشيوخ الزوايا والعلماء، هي أن يوضحوا الحق، وأن يبينوا حقيقة هذا الدين، وأن يردوا على الطرف الآخر إذا ما أراد أن يضل الناس بالحجة واليقين، لأنه لا يعتمد إلا على الأكاذيب وعلى الأضاليل وعلى المغالطات، وينبغي أن يبينوا ويُعلموا الشرع الصحيح، وهذه هي مهمة الزوايا والعلماء، لأنه يقينا لا يمكن أن تقوم للباطل حجة، ولكن تقوم الحجة عند الجاهلين. ومن جانبهم ،شدد باحثون دوليون من لبنان وفلسطين والنيجر والأردن والسنغال ومالي واليمن وباكستان وايطاليا وبريطانيا والهند ..، خلال هذا اللقاء، المنظم يومي 10 و11 يونيو الجاري بإقليم أزيلال، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، على ضرورة تزويد الشباب بتربية روحية حقيقية وبمعارف وكفاءات ضرورية في هذا العالم المعقد مع الأخذ في الاعتبار تحديات المشاكل التي تواجهها كثير من المجتمعات المسلمة كالمجاعة والفقر والجهل والمرض. وأشاروا إلى أن التطرف يُعد من القضايا الرئيسية التي تهتم بها المجتمعات المعاصرة، حيث أصبحت قضية يومية حياتية، تمتد جذورها في التكوين الهيكلي للأفكار والمثل والايدولوجيا التي يرتضيها المجتمع، مضيفين أن الفكر المتطرف شأنه شأن أي نسق معرفي يؤثر ويتأثر بغيره من الظواهر المرتبطة إلى حد كبير بالظروف التاريخية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الظروف التي يتعرض لها المجتمع. وأكد العديد من هؤلاء الباحثين على أن التطرف ليس مرتبطا بالإسلام كديانة سماوية توحيدية، بل يتعلق بقراءات وتأويلات سياسية دينية بشرية للقرآن الكريم والسنة النبوية، وأن التطرف والعنف لا دين ولا جنس ولا لون له، وذكروا على أن هذه الظاهرة متواجدة منذ القدم في الفكر المسيحي والفكر اليهودي القديم والمعاصر (الإيديولوجية الصهيونية)، ولها حضور أيضا في الفكر الاشتراكي، وفي الإيديولوجيات الماركسية واللبرالية والإيديولوجيات الشمولية (الفاشية والنازية)، ومتواجدة عند الحركات العلمانية الراديكالية وكذلك عند الجماعات الإسلامية المتشددة (التكفيرية والجهادية). وقال الدكتور أسامة الرفاعي ،مفتي عكار وقاضي شرعي للسنة في بيروتبلبنان ،أن من أسباب التطرف الجهل بوسطية الإسلام وبمقاصد الشريعة والخوض في معانيها بالظن من غير تثبت، علاوة على تقصير بعض أهل العلم في القيام بواجب النصح والإرشاد والتوجيه لعموم الأمة، داعيا إلى ضرورة نشر العلم الشرعي مع التأكيد على تزكية النفوس والتربية الإيمانية، وإرساء الحوار الهادئ الحكيم، وفتح باب الأمل في هداية الناس والقيام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. واجمع باحثون مغاربة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، إلى جانب زملائهم بأوروبا وآسيا على أن المقاربة الأمنية لم تنجح بعد في معالجة قضايا التطرف،بما أن غالبيتها اتسمت بالمحدودية، واقتصرت على تفكيك بعض الخلايا دون اجتثاث جذورها كليا. وأشاروا إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المنطقة العربية حاليا تكمن في التنظيمات الإرهابية التي تعمل على استقطاب فئة الشباب والتغرير بهم والزج بهم في متاهات مظلمة.