كم مواطن سعودي يجب أن يموت تفجيراً حتى يقتنع مجلس الشورى أن عليه إصدار قانون لتجريم الطائفية؟ لماذا تم تجميد مشروع "الوحدة الوطنية" الذي تقدم به عبدالعزيز العطيشان في مجلس الشورى في 2013؟ أين مشروع قانون تجريم الفتنة الطائفية الذي تقدم به عضو الشورى محمد رضا نصرالله وخمسة أعضاء آخرين في 2014؟ أسئلة مازالت تبحث عن إجابات واضحة وصريحة. نعم، أعتب على مجلس الشورى، وهو نظريا، على الأقل، السلطة التشريعية في البلاد، عدم أخذ زمام المبادرة، أو حتى التجاوب بالسرعة المطلوبة مع النداءات المتكررة الداعية إلى ضرورة سن قانون يجرم الطائفية. في نشرة الأخبار، رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله آل الشيخ يندد بحادث التفجير مؤكداً أن "هذا العمل الإرهابي يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي والقيم الإنسانية". معالي الرئيس، الوجوه في القديح مذهولة وغاضبة وحزينة، نتمنى تسريع إنجاز قانون تجريم الطائفية، فالوطن كله ربما في سباق مع حزام ناسف آخر لا سمح الله. مشروع نظام تجريم الطائفية ليس بجديد، بل تكرر تقديمه ثلاث مرات بصيغ مختلفة خلال سبع سنوات. تم تحويله إلى لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى، ولكن بسبب دوامة البيروقراطية المعهودة تحت القبة، تم سحب المشروع ليبحث عن لجنة أخرى. في نشرة الأخبار، اندسّ الإرهابي بين المصلين في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح بالقطيف، فجر نفسه خلال الركعة الثانية، فأوقع 21 شهيداً ونحو 109 جريح. اتفق مع عضو الشورى محمد رضا نصرالله بضرورة البدء في غربلة المناهج الدراسية وسحب أية كلمة موجودة في مناهج التعليم، ومصادرة أي كتاب أو مطبوعة فيها تمييز قبلي أو مناطقي، وخاصة المفردات العنصرية. هذا الكلام الواضح والحكيم لم يأتِ فقط من السلطة التشريعية، وزير التعليم الأسبق الأمير خالد الفيصل أكد أن من أهم أسباب انتشار الفكر المتشدد إعطاء أصحابه فرصة في التعليم والمجالات الأخرى، وأن مجال التعليم بأكمله كان لهم، ولم يكن هناك مجال للفكر السعودي المعتدل. يقول خالد الفيصل "تخلينا عن أبنائنا واختطفوهم". في نشرة الأخبار، بيان مجلس علماء الدمام يؤكد أن "المتسبب الحقيقي لهذه الجريمة البشعة هي منابر التحريض الطائفي ومشايخ الفتنة الذين يتاح لهم، وللأسف، المجال لبث سمومهم عبر القنوات". هذه القنوات ليست إلا عبوات ناسفة منفلتة وأحزمة موقوتة للتحريض ونثر الدماء والأشلاء. في نشرة الأخبار، أكثر من 700 متبرع بالدم في الرياض خلال الساعات الأولى لتفجير القديح، هذه هي الوحدة الوطنية. في نشرة الأخبار، المذيع يصف كيف رفع المصلون أشلاء طفل من هنا، وبقايا فكر مسالم مذهول من هناك. الأشلاء في مكان التفجير منتشرة في كل زاوية وكل ضمير. محاولة يائسة أخرى هدفها ترهيب أبناء الوطن وإثارة الفتنة في البلاد. من خطط لها؟ تنظيم إرهابي يسعى للنيل من وحدة النسيج الوطني بالمملكة في محاولة خائبة لنسف قلعة الوحدة الوطنية. يجب ألا ننسى تحريض الإرهابي أبي بكر البغدادي على قتل "أهالي الجزيرة" بمن فيهم المؤسسات التعليمية والدينية. أهالي الجزيرة أثبتوا أنهم هنا صامدون، فالإسلام نهى عن هدم صوامع اليهود والنصارى فكيف بالمساجد. في نشرة الأخبار، اختلطت رائحة التفجير بالأشلاء في القديح الحزينة. شجرتكم خبيثة، فالاعتداء لم يكن موجهاً ضد الطائفة الشيعية الكريمة فقط، بل ضد جميع المواطنين في جميع أنحاء الوطن. في نشرة الأخبار، تنظيم داعش الإرهابي يتبنى العملية ويعترف بتجنيده للانتحاري صالح القشعمي لعمل "بطولي": قتل المصلين والأطفال. يبدو أن القشعمي اقتنع بأشرطة الدعاة الذين "زينوا" له الطريق لحور العين. لا تكتفوا باسم منفذ الجريمة، ابحثوا عن المشايخ المفتين والمخططين والمحرضين والمدربين والمدرسين والممولين والمتعاطفين واجلبوهم أمام القضاء. علينا ملاحقة الراقصين على الأشلاء عملاء أرباب الفتن، علينا إيقاف الممارسات العنصرية في كل مناطق المملكة. هؤلاء الإرهابيون يسعون لنشر الفوضى وعلينا سد النوافذ التي تهب منها رياح الخصومة والكراهية والحقد والفرقة والبغضاء. الأمر يتطلب تكثيف الجهود والتعاون مع كل الجهات؛ وأقصد وزارة الداخلية، وهيئة التحقيق والإدعاء العام، ووزارة العدل بالتوازي مع نشر ثقافة المحبة والتسامح والتكاتف بين جميع فئات المواطنين من كل المناطق دون إستثناء. أكرر: من كل المناطق دون استثناء. وكما عقبت السيدة باسلة الحمود على مداخلتي في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمن المستحيل التعامل مع الإرهاب بمعزل عن الثقافة السائدة والعمل على تطوير بعضها وإلغاء بعضها واقتلاع المذهبي منها، فهي منظومة متكاملة ومتداخلة على المستوى الكلي والجزئي. في نشرة الأخبار، استشهد حيدر المقيلي، الطفل ذو الخمسة أعوام، روى دمه الطاهر أرض مسجد القديح. سامحنا يا حيدر، فقد أخطأنا بحقك وتركنا العابثين من فقهاء الشاشات الصفراء وملوثي المناهج الدراسية ليصفوك بالمجوسي والرافضي وابن المتعة تمهيداً للتحريض على قتلك. *عضو جمعية الاقتصاد السعودية