أصحو على خط جديد تحت العينين، أو على جانب الفم، أو فوق الشفتين، أقول: لم أنم جيدا، لا بد أنه الإرهاق، وعندما أخلد إلى نوم عميق ومريح سيختفي الخط، أنام بشكل جيد وعميق، لكن الخط لا يختفي. منذ أكثر من سنتين وأنا على هذه الحال. الخطوط تظهر وأنا أفسرها بالإرهاق أو قلة النوم. أنتظر أن تختفي، ولا تختفي، ومع أنني متأكدة من أنها خطوط الزمن التي لا راد لها، إلا أن أملي في أن أصحو ذات صباح فلا أجدها، لا يتوقف. الشيء نفسه يتكرر مع بعض الشعرات البيضاء التي تظهر هنا وهناك. في الأول بدت لي مضحكة وغير حقيقية، كما لو أن أحد الطفلين صبغها باللون الأبيض وأنا نائمة، لكنها تزداد مع الأيام (حتى عندما يكون الطفلان في إجازة مع والدهما خارج البلد!) الأربعون سن مؤلمة. كنت أود في الحقيقة أن أقول شيئا يبعث على الأمل، كما تقول النساء الحكيمات، من أنهن لا يشعرن بهجمة الزمن، وأن التقدم في العمر يزيدهن جمالا وتألقا، وإحساسا بأنوثتهن، وثقة في النفس. ربما يكون هذا صحيحا، غير أن الأمر معي مختلف تماما. لسبب ما، ورغم أنني عشت حياة مليئة بالتجارب والتحولات والصخب، والفن والشعر، والحب، أو ربما لهذه الأسباب كلها، أبدو غير متصالحة مع فكرة التقدم في السن. شعور بورجوازي بالتأكيد، ورفاهية السؤال تأتي من كونه، تعبيرا عن حب الحياة والتشبث بها. ولا بد أن الشاقين والمتعبين والكادحين، لا يملكون هذه الرفاهية، ولا يتوقفون عند هذه التفصيلة. بلغ معي الأمر حدا أنني لا أريد أن أنظر في المرآة في الصباح، لكي لا أتفاجأ بارتخاء طفيف هنا أو هناك، أو بزيادة حجم الانتفاخ تحت العينين، أو بانكسار خفيف في منطقة الجبين. ومع أن أصدقائي والمحيطين بي يكادون لا يلحظون شيئا، إلا أنه قد تمر أيام بأكملها وأنا في عزوف تام عن النظر إلى وجهي في المرآة أو أخذ سيلفي لنفسي، كما تعودت أن أفعل في السنوات الأخيرة. أنا امرأة لا تحب الماكياج، وتعتبر الجمال، انعكاسا لأرواحنا، وشيئا نابعا من طبيعة الأشياء وصفائها، وقيمته فيما يخلفه لدى الناظر من إيحاء بالصدق، والنقاء. الماكياج ادعاء، وتصنع، وإفساد للجمال، خاصة إذا زاد عن حده. حسنا، ما الحل والحال على هذا النحو؟ كيف ندرأ هجمة الزمن، التي غالبا ما تعمى عن أرواحنا الطفلة؟ وكيف نتصالح مع هذا التناقض الجديد، الذي ينضاف إلى باقي تناقضاتنا الإنسانية المعقدة؟ فنحن في الداخل نشعر أننا أطفال، لكن وجوهنا تتمرد علينا، وتعكس صورة لا تتواءم مع ما نحس به في دواخلنا. على الشاطئ أنبطح على بطني، وأرفع رجلي في الهواء، شعري المجعد المرسل يتطاير مع الريح، يمر أحدهم معتقدا أنه أمام طفلة تلعب بالرمال، عندما أرفع له رأسي، أرى أثر الدهشة على وجهه. وكثيرا كثيرا، ما غازلني شبان صغار في الشارع، معتقدين أنني من سنهم، ثم بقليل من التدقيق، يكتشفون أنني سيدة على أعتاب الأربعين، فيتراجعون. أتعامل معهم بلطف شديد، في الغالب أقول، "لا يا ابني أنا أكبر منك بكثير"... في الحديقة أجلس على كرسي تحت شجرة الكرز، أمسك كتابا، أقلب صفحاته بتؤدة وتركيز، فجأة تقع عيني على يدي الصغيرة كأنها يد طفل، أتذكر أنها اليد التي يجري فيها دم قلبي الشقي، والفرع الذي يخرج من هذا الصدر النابض بالحياة. أتذكر، جملة جوزيه ساراماغو الشهيرة: "لم أختلف عن أي شخص إلا بكوني أبقيت الطفل الذي بداخلي على قيد الحياة"، وأبتسم.