مسّ التعديل الوزاري الذي قام به الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة العديد من المراكز الحساسة في حكومة عبدالمالك سلال، أبرزها الداخلية والمالية. وجاء هذا التعديل المنتظر والذي أعلن عنه عمار سعداني الأمين العام لجبهة التحرير (الحزب الحاكم) ونفاه رئيس الوزراء عبدالمالك سلال في وقت سابق، إثر الحراك السياسي والاجتماعي الحاصل في البلاد بسبب مشروع الغاز الصخري وتعديل الدستور وملفات الفساد الكبرى المعروضة على القضاء وعلى رأسها قضية "الطريق السيار شرق غرب" وقضية الفساد للشركة البترولية "سوناطراك 1 و2". وشهد التعديل الوزاري رحيل 8 وزراء، هم: وزير الداخلية الطيب بلعيز، ووزير المالية محمد جلاب، ووزير الطاقة يوسف يوسفي، ووزير الرياضة محمد تهمي، ووزيرة الثقافة نادية لعبيدي، ووزير الموارد المائية حسين نسيب، ووزير العلاقات مع البرلمان محمد ياحي، ووزيرة البريد زهرة دردوري. ودخلت أسماء جديدة للحكومة على غرار عبدالرحمان بن خالفة، الرئيس السابق لجمعية البنوك الجزائري، الذي عين وزيرا للمالية، وسفير تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، عزالدين ميهوبي، الذي عين وزيرا للثقافة. كما عين صالح خبري، وهو خبير في الطاقة، وزيرا للطاقة، فيما عينت إيمان هدى فرعون وزيرة للبريد، والطاهر خاوة وزيرا للعلاقات مع البرلمان، وهو رئيس الكتلة النيابية لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في البرلمان. وغادرت الحكومة وزيرة الثقافة نادية شرابي لعبيدي التي شنت عليها الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون هجوما حادا في الأسابيع الماضية، حيث تحولت أروقة البرلمان إلى مسرح لمشادات بين نادية لعبيدي، وعدد من نواب البرلمان، بمناسبة عرض قانون النشر الجديد للمناقشة، واستغل رئيس كتلة حزب العمال النائب جلول جودي، مداخلته لنقد أداء الوزيرة وتوجيه تهم صريحة لها، بتحويل دائرتها إلى ما أسماه "مستنقعا للفساد". وذهبت رئيسة حزب العمال للتفصيل في ملف وزيرة الثقافة خلال مؤتمر صحفي سابق، وقالت إن شركة الإنتاج التي تملكها استفادت من ميزانية دعم حكومي لإنجاز فيلم بما يعادل 120 ألف يورو، بينما لا تتجاوز قيمته الحقيقية 60 ألف يورو. ويعد هذا التعديل الوزاري الثاني من نوعه للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة منذ فوزه بولاية رابعة شهر أبريل من العام الماضي، فيما جدد الثقة في رئيس الوزراء عبدالمالك سلال الذي يشغل المنصب منذ سنة 2012. واعتبر الشق الموالي للحكومة أن هذا التعديل هام وانتقالي ويعكس وعي مؤسسة الرئاسة بالأوضاع على جميع المستويات، وأن بإمكانه إعطاء دفعة جديدة لقطاعات حساسة مثل قطاع الطاقة الذي عرف فضائح فساد في إطار صفقات أبرمت مع شركة المحروقات سوناطراك، شغلت الرأي العام ومازالت. في المقابل، اعتبرت أحزاب المعارضة الجزائرية أن التعديل الذي أقدم عليه بوتفليقة هو "ذر رماد في الأعين"، واعتبرته تكريسا للنظام القائم، وتقريبا لأصحاب الولاء على حساب الكفاءات. ويرى مراقبون أن الجزائر تعيش أزمة خانقة لا تحتاج تغيير الأشخاص في الحكومة بإعادة توزيع الحقائب عليهم، بل تحتاج إلى حلول جذرية وفق منطق تشاركي للحد من الاحتجاجات المتصاعدة والاستجابة لتطلعات المواطنين. وأكد في هذا الصدد سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد المعارض، في تصريحات صحفية، أن الرئيس الجزائري حاول من خلال التعديل "نزع فتيل الصراعات الكامنة بين الوزراء والتقليل من الجدل القائم"، مضيفا قوله "في نظري هي طبخة داخلية في النظام ستتغير بحلول الخريف". ووصف عضو جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف التغيير الحكومي ب"الفاشل"، مبررا ذلك بقوله "لقد اعتدنا على تغييرات حكومية في وقت يتعين فيه عليها تقديم تقريرها السنوي، والمشكلة هنا ليست في تغيير الأشخاص وإنما في السياسة والبرامج، بدليل أن وزراء أثبتوا فشلهم ولكنهم حولوا إلى مهام أخرى عوض الاستبعاد النهائي". يشار إلى أن بوتفليقة قام قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية سنة 2014، بتعديل حكومي، غادر بموجبه 13 وزيرا، مسّ بالدرجة الأولى الوزارات السيادية التي وضع على رأسها أكثر المقربين منه لضمان نجاحه في الاستحقاق الانتخابي. وعموما تعاني الجزائر من أزمة سياسية خانقة، اشتدّت منذ فوز بوتفليقة بعهدة رابعة في الاستحقاقات الانتخابية الماضية التي طالتها اتهامات عديدة ب"التزوير". ولم تنتقل أحزاب السلطة الجزائرية التي تدور في فلك خطاب الرئاسة إلى مرحلة العمل السياسي على قاعدة المواطنة وممارسة الديمقراطية، فقد ظلت حبيسة الاحتقانات والخلافات الداخلية حول المناصب القيادية. وأمام هذا الوضع برزت تيارات تجديدية داخل كل حزب تطالب بالتغيير وعزل القيادات التي لم تستطع مواكبة التطورات السياسية ورفع التحديات الكبرى التي تواجهها الجزائر.