بعد القيام بإجراء مقارنة بين مختلف السياسات المؤطرة للتنمية المجالية، بدءا من مشروع التقسيم الجهوي الجديد، والتصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني لسنة 2001، والتقسيم الجغرافي للخريطة السياحية التي تمخضت عن المناظرة الوطنية للسياحة بمراكش ديسمبر 2010، يتضح أن هناك مفارقات وتناقضات حاصلة في الضوابط والمعايير التي تم توظيفها في كل التقطيعات الترابية في مختلف المقاربات، والتي لا تنسجم اقتصاديا واجتماعيا وتاريخيا مع المفهوم الحقيقي للجهات. مثال على ذلك المجال الريفي المتوسطي، والذي يتحدد عند جل الدارسين في كل الشريط الساحلي لشمال المغرب، كما يحدده البعض ما بين مدينة طنجة غربا و نهر ملوية شرقا. ولكن ما لا يجب أن يغيب عن أذهاننا هو أن الريف المتوسطي جزء لا يتجزأ من الريف الأوسط الكبير، باعتباره كتلة مجالية ووحدة منسجمة ذات آفاق تنموية واعدة، نظرا لما تتوفر عليه من إمكانيات ومؤهلات تنموية يعززها البعد المتوسطي لمختلف الأنشطة الاقتصادية بفضل الموقع الجيوستراتيجي، وكذا مكونات هذا المجال وقواسمها المشتركة الثقافية، الحضارية، والتاريخية بين كل مناطقه، والخصوصيات والمؤهلات السياحية والموارد الطبيعية والبشرية المتمثلة في المجمعات السياحية الساحلية والجبلية، التي تعتبر تراثا وموروثا ثقافيا وتاريخيا وايكولوجيا و معماريا.... كلها تميز هذا المجال الجغرافي عن غيره. وهذا ما يتبين من خلال تحديد المناطق المنسجمة في إطار الميثاق الوطني لإعداد التراب الذي تم تحديد الريف من خلاله كوحدة مجالية منسجمة يوحدها الطابع المتوسطي. بالإضافة إلى كل هذا فالمخططات السياحية جعلت من الريف مجالا واحدا للتدخلات التنموية السياحية وذلك بسبب التناغم الحاصل بين مؤهلاتها الطبيعية والبشرية. كما أن الاستثمارات السياحية، وبالخصوص تلك التي نفذت ما بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وضمت مشاريع سياحية ضخمة على طول الساحل المتوسطي للريف، تمثل دليلا على أن منطقة شمال الريف كانت، إلى عهد ليس ببعيد، وحدة متكاملة اقتصاديا وبمثابة جهة متكاملة. وقد ركزت الخريطة الجغرافية للسياحة التي أسفرت عنها المناظرة الوطنية للسياحة من خلال رؤية 2020- ثمان جهات أو وكالات التنمية السياحية الجهوية، بالإضافة إلى هيئة مركزية عليا، هي التي ستلعب دور المخاطب الوحيد في كل ما يتعلق بالسياحة والاستثمار السياحي- (ركزت) على مدى أهمية المقاربة المجالية في تحقيق التنمية السياحية الجهوية، باعتبارها فرعا حديثا من فروع الجغرافية البشرية التي تهتم بدراسة التوزيع المكاني للظواهر السياحية. فأحيانا المجال الجغرافي لا يعني بالضرورة الجهة الاقتصادية العميقة لما يعتريها من نقائص هيكلية. فبعد التقسيم الجديد للجهات أصبح إقليمالحسيمة يضم إلى جهة تطوانطنجة، وتازة - تاونات يضمان إلى فاس بولمان، أما مدينة جرسيف فتنضم إلى وجدة والناظور. ويبدو من خلال هذا التقسيم في المجال مفارقة كبيرة سوف تؤثر على اللجنة الجهوية الموسعة للسياحة، المكونة من ممثلي ورؤساء الجماعات المحلية وممثلي المجلس الجهوي لجهة تازةالحسيمةتاونات، التي أحدثت يوم 01 مارس 2012 بمدينة الحسيمة وهدفها دراسة مشروع البرنامج التعاقدي الجهوي للسياحة 2020- 2011 الخاص بالجهة . والسؤال المطروح في هذا الصدد هو: أولا، كيف توزع المشاريع السياحية على الجهات في ظل هذا التقطيع الجهوي؟ ثانيا، بعد تشتت هذه الكتلة الجهوية السابقة قامت اللجنة بدراسة وإعداد مشروع ميزانية المشاريع السياحية المزمع بناؤها في هذه المناطق، وكذا طريقة توزيعها، بحيث يعتبر هذا المشروع طموحا وواعدا متضمنا ل 32 مشروعا سياحيا بتكلفة إجمالية تقدر ب3303.1 مليون درهم مقسمة على أقاليم الجهة (تازةالحسيمة تونات كرسيف) حسب المؤهلات السياحية والإمكانيات المتاحة والمتوفرة. ولقد تم تحديد المشاريع وقيمتها على أساس أربع برامج وهي الرياضة والترفيه، المخطط الأزرق، التنمية المستدامة، الميراث والموروث الثقافي، ليتم اختيار اثنين وثلاثين مشروعا مقسمة حسب الأقاليم: 11 مشروعا لإقليمالحسيمة، بقيمة 18264 مليون درهم. 14 مشروعا لإقليمتازة بقيمة 510.8 مليون درهم. 04 مشايع لإقليمتاونات بقيمة 135.5 مليون درهم. 03 مشاريع لإقليمجرسيف بقيمة 15مليون درهم. ومن أجل الاستفادة من أخطاء الماضي، يستوجب وضع مخططات لإعداد آفاق واعدة للتنمية السياحية المستدامة للريف، وذلك في إطار المنظور الجديد لقانون الجهة الذي سيمنح صلاحيات دستورية واسعة بما فيها رفع كافة أشكال الوصاية المركزية على الجهات، وضمان حقوقها في تقرير وتنفيذ مختلف مشاريعها التنموية في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وفق مقاربات جهوية منسجمة للتنمية. وكذلك إحداث مؤسسات جهوية متطابقة وخاضعة لتقسيم موحد، وتجاوز العمل بالنظام الحالي المتعلق ببعض المصالح الخارجية والمؤسسات المركزية القائمة على مقاربة كل قطاع لجهويته الخاصة التي لا توافق نظام الجهات المعمول به، كما هو الحال، على سبيل المثال لا الحصر، بالنسبة للهياكل التنظيمية للفدراليات المهنية والمجالس الجهوية للسياحة . ومن منظور بعض المهتمين والباحثين في الشأن السياحي بالريف، يجب التأكيد على الطابع المتوسطي للجهة وعلى ضرورة توحيد وتنسيق كافة المخططات والرؤية التنموية لقطاع السياحة في الريف على امتداد ساحله المتوسطي ومجاله الجبلي المتنوع، وضرورة رسم آفاق لجهوية موسعة، ستكون بمثابة مدخل وخريطة طريق لضمان التنمية السياحية المستدامة والمسؤولة بجهة الريف، عبر إشراك الساكنة المحلية، وإعادة النظر في التدبير المستدام للأنظمة الإيكولوجية... وكذا السياحة المستدامة المبنية على الجيل الجديد. وتفعيل التنمية المجالية في قطاع السياحة، وتسريع وتيرة إنجاز المشاريع السياحية، وضمان تسويق محكم للمنتوج السياحي بالمنطقة وجعله حاضرا وبقوة في السوق السياحية الوطنية والدولية لأجل تنشيط الاقتصاد والدفع بعجلة التنمية بالجهة من خلال خلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة لشباب المنطقة.