مناظرة علمية وبيئية بتونس تناقش سبل تدبير أفضل للنفايات نظمت الشبكة الإقليمية لتبادل المعلومات والخبرات في مجال إدارة النفايات في دول المشرق والمغرب العربي "سويب نيت" (SWEEP-Net ) مناظرة علمية وبيئية، هي الأولى من نوعها، تتغيى مقاربة آراء فريقين، أحدهما معارض لحرق النفايات والآخر مؤيد له، وذلك في إطار أشغال برنامج المنتدى الإقليمي الخامس حول إدارة المخلفات المنعقد مؤخرا بتونس تحت عنوان "الحلول الإقتصادية والإجتماعية لإدارة مستدامة للبيئة"، وهو المؤتمر الذي حضره نخبة من الخبراء والأطر المغاربة المتخصصين في تدبير النفايات وممثلين هن مؤسسة محمد السادس للبيئة. اصطف المشاركون بكثافة وحماس، في قاعة اللقاء الفسيحة، أمام اللجنة المنظمة لسحب جهاز التحكم عن بعد المخصص للتصويت على أحد الفريقين، أو بالأحرى على فكرة أن تقنية الحرق هي الحل المناسب لمعالجة سليمة للمخلفات في منطقة المغرب والمشرق العربي. المناظرة بسطت قضية علمية بين فريقين متعارضين في الرأي، أحدهما مؤيد والآخر معارض، مع وجود حكم في القضية هو الجمهور المشارك في المنتدى، من خلال حسمه الخلاف بالتصويت للفريقين حسب مبررات وحجج كل فريق. أطلق منشطو المناظرة، الإعلاميان أنور أنور معلى ودنيا الشاوش، صفارة انطلاق عرض قناعات الطرفين، بتوضيح أن حرق النفايات أو ما يسمى ب "المعالجة الحرارية" أو "التحويل من النفايات إلى الطاقة" يمثل الحل الذي تختاره العديد من الدول. تحول عملية الحرق المواد غير المرادة إلى رماد وغاز مداخن وطاقة. ولكن هل الحرق هو الحل الأنسب؟ و ماهي الاستثمارات والتكاليف التشغيلية المعنية وماهي العائدات؟ ماهي الإطارات القانونية والتنظيمية المطلوبة؟ ماهي الآثار المترتبة على البيئة وعلى الصحة العامة على المدى الطويل إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بالشكل الصحيح؟ ناقش الفريقان بإسهاب، أمام تتبع واهتمام الجمهور، الإيجابيات والسلبيات بصفة مفصلة وكذا تقنية الحرق أو المعالجة الحرارية التي تحول النفايات إلى رماد وغاز وطاقة وتم اختيار لبنان كنموذج. بول أبي راشد رئيس الحركة البيئية اللبنانية كان مفوها وبارعا ومفحما في طروحاته، في حين اتسم ناجي القديح، خبير بيئي أول، بمنظمة "إندي آكت" بلبنان بدقة المعطيات وعلميتها وانتزع بهما تصفيقات الحاضرين. أما آراء وأفكار ومبررات مروان رزق الله، مختص بيئي وممثل وزارة البيئة اللبنانية، والخبير الدكتور عصام جناجرة، أستاذ مبرز بمعهد المصدر بالإمارات العربية المتحدة، فلم تلق مناصرين كثر حيث صوت لصالحهم 26 في المائة من المصوتين مقابل 74 في المائة لصالح الفريق المعارض لحرق النفايات. وبرر مؤيدو حرق النفايات، في سياق عرض قناعاتهم، بكون مساحة لبنان صغيرة تحول دون إيجاد أماكن كافية للطمر. كما أن المواطنين يرفضون إقامة مطامر في قراهم. ثم أن تجارب الفرز من المصدر عديمة النجاح. هذا فضلا عن إنتاج الكهرباء من النفايات، حيث تعتمد عدة الدول الأجنبية على هذه التقنية في المعالجة. وعقب الطرف المعارض للحرق أن الحركة البيئية اللبنانية تقدمت بحل متكامل منذ سنة، يعتمد على اللامركزية انطلاقا من البلدية أو إتحاد البلديات. كما أن صغر مساحة لبنان لا يمنع الاستفادة من ملايين الأمتار المربعة من مقالع ومرامل ومكبات سابقة. حيث سبق أن نشرت الحكومة اللبنانية ملحقا بالقرار رقم 1 المتعلق بمرسوم «النفايات» لائحة من أكثر من 600 موقع، لتسهيل عمل الشركات الخاصة التي سوف تتقدم بمشاريع معالجة النفايات. كما أن المواطنين لن يقبلوا بتكرار تجربة المطامر أو المحارق على غرار ما يحصل الآن في مدن "الناعمة" و"عين درافيل" و"سرار" و"صيدا" و"رأس العين" . كما أن المجالس البلدية سبق أن رفضت المحارق التي اقترحت في "دير عمار" و"الكرنتينا" و"الجية والزهراني". ثم إذا كانت الحجة لإنشاء المحارق، يضيف فريق المجتمع المدني، هي الاستغناء عن المطامر، فالنتيجة ستكون إنتاج المحارق للرماد السام، الذي سوف يطمر ويهدد بتلوث المياه الجوفية. ناهيك عن أن تجارب الفرز من المصدر التي أطلقها المجتمع المدني كانت ضمن إمكانيات محدودة ونجحت كلها. فيما لم يتم العمل جديا من قبل الدولة على مشروع جدي للفرز من المصدر. أما مبرر إنتاج الكهرباء من النفايات، إذا حصل بسبب صعوبة حرق نفايات تتكون بأغلبيتها من مواد عضوية، فهو مشروع غير مربح بقدر الربح الناتج عن تدوير المواد والاستفادة من المواد العضوية. كما أن الضرر الناتج عن الحرق كلفته البيئية والصحية والاقتصادية من تلوث الهواء والرماد السام عالية جدا. أما حجة اعتماد الدول على المحارق فقد تراجعت بعض الدول عنه من قبيل إعلان وزير البيئة في فرنسا التخلي عنها. وهكذا أسهب ممثلو المجتمع الشرح والتبرير كون المحارق تؤثر سلبا على المناخ. وانبعاثاتها تؤدي إلى الاحتباس الحراري، كما أن الكلفة العالية للمحارق ومركزية الحل سوف تؤدي إلى استمرار مديونية البلديات. ثم أن حرق المواد العضوية سوف يحرم الأراضي الزراعية والمناطق المستنفدة كالمقالع والمرامل وغيرها من السماد الضروري لتحسين التربة هذا فضلا عن أن المحارق، سوف تدمر الصناعات اللبنانية للتدوير وتحرق المواد الأولية التي أصبحت نادرة. وأشار مناصرو "لا لحرق النفايات" أن المحارق سوف تهدر المواد ذات القيمة الحرارية العالية والتي تستخدم كطاقة بديلة في الصناعة.هذا و أن لبنان لم ينجز بعد الأثر البيئي الإستراتيجي لخطة النفايات. يشار أن مشكلة النفايات الصلبة تعتبر إحدى أهم التحديات التي تواجه البلدان النامية حيث في معظم الحالات يتم طمر أو حرق هذه النفايات مما يؤدي إلى تلويث المياه أو نشر الملوثات المسرطنة في الجو. واعتادت المجتمعات على التخلص من النفايات المختلفة بطرق متنوعة أهمها الحرق بأبسط التكاليف. وذلك أمام التراكم اليومي لكميات النفايات الناتجة عن زيادة التطور بمعدل الاستهلاك اليومي. كما يحاول العديد من الدول منذ الثمانينيات التخلص من هذه المحارق. نظرا لتأثيرها على البيئة وصحة الإنسان ولكونها المصدر الأساسي للديوكسينات، المعروفة بأنها المواد المسببة للسرطان الأكثر قوة على الإطلاق، فضلا عن خليط كبير من المواد السامة الأخرى كجزيئات النانو والمعادن الثقيلة. ويذكر أن مبدأ "صفر نفايات" هو مبدأ جديد تبنته عدة مؤسسات ومناطق حول العالم مثل العاصمة بيونيس ايريس في الارجنتين ومدينة سان فرنسيسكو في الولاياتالمتحدة الاميركية ونيوزيلندا وغيرها كحل نهائي ومربح في نفس الوقت لمشكلة النفايات الصلبة، وأقل تكلفة، ويؤمن فرص عمل في مجال معالجة المواد الصلبة ويدعم الإنتاج المحلي ويقلل من استيراد المواد الأولية كالورق والحديد والزجاج والبلاستيك والأسمدة. وبات مبدأ "صفر نفايات" يطبق في معظم دول العالم. ويقدم حلولا علمية وعملية ضمن إعادة تدوير النفايات بعد فرزها من المصدر، والاستفادة منها اقتصاديا بدل من حرقها. كما أن إعادة التدوير يقلل من استخدام الطاقة أضعاف محارق النفايات. ويرمي هذا المبدأ إلى إدارة المواد من مرحلة الاستخراج وصولا لمرحلة التصنيع والتغليف والشحن والبيع، لحين إعادة معالجتها وفق استدامة وحماية كاملة من الضرر البيئي الناجم عن النفايات، بخلاف مبدأ إعادة التدوير المعروف بأنه يعتمد التخطيط لضمان إعادة الاستفادة من المواد المصنعة حتى قبل المباشرة في تصنيعها.