بنخضرة تستعرض تقدم إنجاز خط أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي بواشنطن    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    الدريوش.. المحكمة الإدارية تقضي بتجريد 9 أعضاء بجماعة بن الطيب ورئيس وأعضاء بجماعة أزلاف    إيرلندا تدعم جهود المبعوث الأممي    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للتكفل بالأيتام والأطفال مبتوري الأطراف ضحايا الحرب على غزة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    أخبار الساحة    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    الجولتين 24 و25 من البطولة الاحترافية .. بين حصد اللقب وضمان البقاء    تأجيل العطلة البينية بين مرحب ورافض    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    طنجة تتصدر مقاييس الأمطار بالمغرب    ارتفاع عدد ضحايا حادثة السير المروعة على الطريق الساحلي باتروكوت    تأجيل ملف الطفلة "ملاك" إلى 13 مارس وسط مطالب بحريتها    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    عائلات محطمة بسبب مآسي الهجرة سباحة إلى سبتة مع تزايد أعداد المفقودين    "كونفدرلية المقاولات الصغرى" تحذر من غياب الشفافية في صرف الدعم الحكومي للمقاولات    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    حملات مراقبة بالأسواق والمحلات التجارية بأربعاء الساحل بإقليم تزنيت    تسرب الغاز في حقل "تورتو أحميم" يهدد مستقبل مشروع ضخم بين موريتانيا والسنغال    مؤشر الإرهاب العالمي 2025    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    تضامنا مع حراس الأمن المضربين ببني ملال.. نقابة تحتج للمطالبة بإنهاء معاناتهم    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    إحباط تهريب مخدرات على متن شاحنة في الميناء المتوسطي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    أمطار رعدية في توقعات طقس الخميس    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    البيض ماكلة الدرويش.. تا هو وصل لأثمنة غير معقولة فعهد حكومة أخنوش.. فين غاديين بهاد الغلاء؟ (فيديو)    نايف أكرد على رادار مانشيستر يونايتد    ضربة قوية في مسار احتراف أنس الزنيتي بالإمارات … !    المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يعقد اجتماعا برئاسة شي جين بينغ لمناقشة مسودة تقرير عمل الحكومة    المغرب حصن عزة وتلاحم أبدي بين العرش والشعب أسقط كل المؤامرات    لهذه الاسباب سيميوني مدرب الأتليتيكو غاضب من المغربي إبراهيم دياز … !    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    صرخة خيانة تهز أركان البوليساريو: شهادة صادمة تكشف المستور    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحس الروحي والنزوع الصوفي في «الأطلسي التائه»
نشر في بيان اليوم يوم 10 - 04 - 2015


للكاتب المغربي مصطفى لغتيري
" الأطلسي التائه" للكاتب المغربي مصطفى لغتيري عمل فارق، يدعو القارئ لتثبيت حزام أمان الذائقة الأدبية، لأن الدهشة قد تؤرق توازنه وتزلزل قواه الإدراكية..
الرواية كجنس نثري منطلق، لا يؤمن بالحدود، استغل المبدع مساحاتها ليكشف لنا عن تضاريسها الجمالية وتعددها اللغوي بحرية، فكما يرى "ميخائيل باختين "الرواية ظاهرة لغوية، قبل أن تكون موضوعا فكريا أوشكلا فنيا، وأن لغتها ملتحِمة عُضْويا بالْمُجتمع الذي أفرزها، أكثر مِمّا تُعَبِّر عنه من أفكار الروائي نفسه، وما تطْرُقه من قضايا. كما أن لغةَ الروائي (حَمّالةُ) لغاتِ الْمُجتمع، وشرائحه الْمُتنوعة. وبالتالي، فإنّها تستقي أنواعا من الكلام الْمُعبِّر عن الرصيد اللغوي والثقافي والاجْتماعي. ومن هذا التعدد اللغوي، ينتقل باخْتين إلى (اللغة الْحِوارية) ويعني بِها تَجْميعَ الأساليب والأنساق اللغوية، وتداخلَها عبر التواصل والتفاعل مع الآخرين، ثُمّ إلى (الكلمة في الرواية) التي تَحْمل في بُعْدها الدّلالي وعْيَ الإنسان ووجدانه، ورؤيته لِمُجتمعه" . ف" الأطلسي التائه" جسر يعبر بنا كقراء إلى سدرة حكي غزير، يفتت صخب خطاب روائي ضارب في الثراء اللغوي والخصوبة الدلالية، حيث سلطة المحكي تتخذ من حكاية البطل "أبي يعزى الهسكوري" شعاعا يصاحب المتلقي في رحلته الغريبة المغرية، هو بطل ينمو بين فكي الواقع والخيال، جعل الكاتب تركيبته بسيطة ومتمنعة،تسمح تارة بالقبض على بعض سرها وتارة أخرى تحرض زئبقيتها لتجرفك بعيدا عن دائرة سرها الكلي..شخصية ركز المبدع على باطنها الروحي، وأولى اهتماما لا يضاهى لبنيتها النفسية العميقة وروحانيتها الجذابة، شخصية تترنح حيواتها بين نقاء الروح وجمر الواقع، عاصر البطل عهدا سياسيا متشنجا،لازمته الفتن والفوضى وما يصاحبهما من تمزق اجتماعي، ديني، واقتصادي وثقافي،إنه العهد الموحدي- المرابطي وما عرفه من تطاحن بين "سلطة الزمان" وبين الجماعات الفقهية،حيث السياسة والساسويون نخروا جسد مجتمع تاه بين طمع الطغاة وبين الاستغلال غير السليم للدين، فضاعت حياة الناس بين مخالب الفقر والمجاعة والأوبئة وبين التوظيف العشوائي للدين،كل هذا وذاك أدى إلى خلل في الترتيب السليم لمكونات الواقع ومجالاته ،هي رسائل يحفل بها هذا الخطاب الروائي، رواية صالحة لكل زمان ومكان، وما تعرفه المجتمعات العربية من ضياع في الهوية والعقيدة والدين وما تعرفه من توالي الخيبات والخسارات، في بنياتها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية/الثقافية حاليا خير دليل على جدوى وعمق ما يطرحه هذا السفر الأعمق من مرامي.. ينبلج الحس الروحاني والنزوع الصوفي في رحلة أبي يعزى المثيرة للأسئلة ،أسئلة فرضها المناخ العام للرواية،بدءا من وصف السارد الدقيق لشخصية في مراحلها الأولى، كانت فتية العقل،مسالمة، غير متعلمة، ترضخ للتسلط الأبوي،تحتك بتفاصيل حياة، بؤرها حضن أم ودلال جدة، تقتفي أثر العشب فتتنسج علاقة أبدية بين هذه الشخصية وبين الأرض، وبالتالي تتطور والوشائج المتينة بين أبي يعزى وبين الطبيعة /الخلاء لتبزغ مراحل جديدة ،تبصم تنامي الأحداث وتسلسلها،أحداث عديدة غلف سرها المبدع ببراعة المدرك لتكنيك الحكي،تتبعنا شغف البطل بأسرار حياة الشرفاء،وتمنيه العميق أن يتحقق حلمه ،ويصبح يوما من زمرة هؤلاء الأولياء الذين سلبوا لبه الفتي ،يقول السارد" ..تمنيت من أعماق قلبي أن أصبح "شريفا"..أعرف أن ذلك يُتوارث أبا عن جد، ولا يمكن اكتسابه بأي حال من الأحوال، ومع ذلك تملكني توق كبير لحدوث ذلك ." ص 47 . اقتفينا أثر المبدع بشوق وهو يصوغ شغب الرحلة الهسكورية،رحلة حمالة لرموز، رموز الإنسان فوق هذه البسيطة، فكل مرحلة من حياة أبي يعزى جديرة بالتوقف على قممها، في رحلة البحث عن الذات وعن الروح، المرفرفة حياتها بين سماء يلتحف نقاءها وطهرها هذا الصوفي العنيد وبين ملكوت، تعلماه كيف يقتات القناعة والحكمة والسلام الباطني، من جوف تناقضات ومفارقات يضج بها الوجود الإنساني، علاقات شائكة تحكم الفلاح بنفس تأبى القبح الجواني،تجاهد النفس لأجل الظفر بذات بعيدة عن عوالم التطاحن المادي، ذات تنصهر في عوالم أخرى روحانية حد الحلول، تستجلي القيم وتتعلق بحبال النجاة حيث الدنى تغشاها رجفة اليقين.. يتبع أبي يعزى رموز حلمه في خلوة الجبال، بسمته الفريد وعلى وتر نايه المبحوح يجترح جزئيات جسد متجبر يتحدى انحناءات الزمن، جسد تدفئه خيوط حصير مترهلة ،تذكره في كل حين بضرورة تتبع أثر النور،يذكرني هذا التشبت برموز القدر برواية "الخيميائي" حيث الكاتب"باولو كويلو" يبلور في سفره فكرة الأسطورة الشخصية، وكأني بالبطل أبي يعزى نموذج للمتفاني في تثبيت وإثبات ذاته،نموذج للحريص على امتداد نورانيات هذه الأسطورة الشخصية..في الرواية رافقتنا روح عالية الصفاء، زاهدة ،ووسطية في التعامل مع قضايا الدين،روح تعشق الجمال، تحترم مبادئ الحياة، نفس أبية من صمتها تتفجرعيون الإنسان الحليم الحكيم المتزن، الذي لم تستطع الدنيا أن تزج به في متاهاتها الفارغة يقول السارد" لم أعد مطمئنا إلى الدنيا، فلقد كشفت لي عن وجهها الحقيقي، الذي يتعين على اللبيب عدم الانخداع بغيره، تعلمت أن طبعها الغدر،فاحتميت بنفسي منها بعدم الطمع فيها.." ص 137 . إنسان ورع لا ينجرف مع وادي الزيف والطمع وضمور صحوة الضمير،إنسان به ضمأ شديد للعلم والتعلم ،استهوته أمور العقيدة فعزم النية للاطلاع على خباياها التي تقربه من السحر العلوي الإلهي المبهر، يقول السارد" مسائل العقيدة استهوتني إلى حد كبير،ترسخ في ذهني تدريجيا أن الأهم أن يكون لدى الإنسان إيمان عميق بالذات الإلهية وعشق لها لا تشوبه شائبة،ولا تهم بعد ذلك الطريقة التي يمكن للمرء التعبير بها عن ذلك الحب." ص 55 . اعتمد الكاتب أساليب وصف جوهري لشخصية "بوجرتيل" "بو ونلكوط" وهي تسميات لها دلالتها المقترنة مع حياة الشخصية، "الجرتيل" هو مصطلح أمازيغي يعني الحصير،و"ونلكوط" هي نوع من الأعشاب التي كان" مولاي بوعزة" الولي الصالح يقتات عليها وبركز عليها في زاده اليومي ،هي طريقة حياة تقترب من أسلوب حياة العابرين الصديقين من أنبياء وأولياء صالحين ،حيث الزهد والرعي والخلاء/الجبال والعزلة ،والتركيز على الوصال الروحاني، والعلاقة الصادقة بين الذات البشرية والنقاء العلوي الإلهي،ذات تقتفى بوجل وعشق وخشوع تجليات اليقين..ذات أحبت حد الوله عوالم سماوية بعيدة، دون سبب معين ودون سابق رؤية ،يقول السارد" ..الرؤية العادية ليست شرطا للوله والعشق والذوبان في المحبوب ؟ لا أدري كيف تداعى في ذهني في تلك اللحظة الرجل صاحب الصوف الذي يدعى الحلاج ،الذي أحب الله حتى فاض به الحب،اندمج في محبوبه دون أن يقع بصره عليه.." 105 . في ارتباط البطل بالعشب يروم الكاتب لتمرير معنى آخر يكمن في كون الطعام النباتي/ والنباتيين، كان أسلوبا معتمدا منذ قرون وليس وليد العصرالمعاصر الذي يدعي السبق في المنهج الحياتي..في ذكره لسحنة البطل وسمرتها الداكنة الميالة للسواد يقتطف المبدع رسالة عميقة يلمح فيها للتفرقة العرقية والميز النافذ في شرور النفس الإنسانية، لكنه مع حكاية أبي يعزى يبرز قيمة هذه الشخصية الودودة التي يميل إليها الجميع ويبادلونها حبا وتقديرا واحتراما رغم سواد بشرتها، وكأني بالكاتب يرشقنا برسالة قوية وهي جدوى قيمة الحضور الروحي وقدرة النفس النقية المتعالية على القبح والرداءة الداخلية ودورهما في إثبات شموخ الشخصية المرتجى لا يؤثر في هذا العلو لا اللون ولا العرق.. في الرواية أيضا إشارة للرفقة الطيبة وما يترتب عنها من خير ونفع وعلم ومعرفة وتصالح مع النفس ومع الآخر،كان "ابراهيم" نموذج الخل الأريب والخليل الوفي الصادق يقول السارد" كان إبراهيم بحق خير متحدث،يتناسل الحديث على لسانه بشكل مبهر،تمسك الجمل على لسانه بعضها بأعناق بعض،وتزحف نحو السمع هينة متألقة،لا تزيد الأذن سوى عطش وشغف بها وإليها.." ص43 /44 .
"الأطلسي التائه" عمل قوي لروائي عميق وذكي، تطوعه السرود ولا تهادن في تخصيب كيمياء الحكي الحي المتجدد، الضاج بالجمالية والدهشة، لروائي يصر على اختراع المثير والمختلف، وذلك هو ديدن مبدع مميز لا يرضخ للمبتذل ولا يستهويه المكرر، مبدع عاشق وفي للعبة الخيال، يؤمن جيدا بالتمسك بالشيق والصعب، يبحث عن المتعة المختبئة بين ضلوع الحبكات الغامضة المثيرة، فكما تقول الروائية الانجليزية " أكاثا كريستي": إن أعظم متعة يحس بها المؤلف هي اختراع الحبكات".
*كاتبة مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.