تثير عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر، قلق السلطات الرسمية التي تحاول التضييق على الجهاديين عبر إجراءات أمنية يعتبرها المسؤولون الحكوميون مشددة في حين يعتبرها خبراء أمنيون وعسكريون غير كافية لمكافحة الإرهاب واجتثاثه. وتعيش الدول المغاربية على وقع أحداث متسارعة جعلتها تتجنّد من أجل حماية حدودها وأمنها الداخلي، وذلك بسبب تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة واستفادتها من الانفلات الأمني في ليبيا، إضافة إلى التحاق الآلاف من المتشددين المغاربة إلى بؤر التوتر. فقد كشف تقرير أعده المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، في وقت سابق، أن عدد المقاتلين الذين ينحدرون من دول المغرب العربي (تونس، الجزائر، ليبيا والمغرب وموريتانيا)، في صفوف داعش وجبهة النصرة في سوريا يقدر بحوالي 8000 مقاتل. وأكد التقرير أن من بين هؤلاء يوجد 3000 من جنسية تونسية و2500 مقاتل من ليبيا، و1200 مقاتل من جنسية مغربية، وحوالي 1000 جزائري وعشرات الموريتانيين. وتعد حدود ليبيا بؤرة توتر تغيب فيها الدولة والسلطة وتستقطب كل أشكال التطرف، وهي ساحة مهيّأة للتدريب على استعمال السلاح المنتشر بكثافة في ليبيا، وسبق للجنرال ديفيد رودريغز قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا أن كشف عن وجود معسكرات تدريب في المناطق الواقعة شرقي ليبيا تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. وشكلت ليبيا الملاذ الآمن لتنظيم "أنصار الشريعة" الفرع التونسي، لكي يدرب عناصره على مختلف أنواع الأسلحة، إضافة إلى تهريب كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات عبر الحدود الليبية التونسية المفتوحة، إلى مختلف المحافظاتالتونسية. وأعاد الهجوم الأخير على متحف باردو الحديث عن ملف عودة المقاتلين التونسيين من سوريا أو العراق، وتدعّم ذلك بتصريحات وزير الداخلية ناجم الغرسلي، في مؤتمر صحفي أمس الخميس، حيث قال إن خلية تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مكونة من 23 شخصا هي المسؤولة عن الهجوم على متحف باردو. وأضاف الغرسلي أن الخلية التي خططت للهجوم هي «كتيبة عقبة بن نافع» الموالية لداعش، مفيدا بأن قوات الأمن تمكنت من اعتقال 80 بالمئة من أفراد هذه الخلية والتي كان من عناصرها اثنان من المغرب وجزائري واحد والثلاثة هاربون. وأكد أن من أعضاء الخلية التي خططت للهجوم على المتحف عنصرين كانا في سوريا وثلاثة آخرين سافروا أيضا للقتال في ليبيا. ومعلوم أن هناك جهات إقليمية ومحلية تونسية تقف وراء تجنيد المتشددين التونسيين لإرسالهم إلى سورياوالعراق، وتشير تقارير إخبارية إلى أن تكتم الحكومة التونسية في عهد حكم النهضة الإسلامية عن ملف تجنيد الشباب قد يكون مرتبطا بضلوع بعض القياديين في الحكومة في تمويل وتسهيل إرسال المقالتين إلى بؤر التوتر. وتعد المساجد التي سيطر عليها متشددون بعد أحداث 14 يناير أحد الوسائط المحورية في عملية تجنيد الشباب وتحريضهم على العنف والقتال باسم الدين، وقررت خلية الأزمة التابعة لرئاسة الحكومة التونسية، غلق المساجد التي بنيت بطريقة فوضويّة ودون ترخيص في انتظار تسوية وضعيّاتها القانونيّة، واسترجاع كافة المساجد التي يسيطر عليها أئمة متشددون يبثون خطابات تحريضية تكفيرية. وأكد مدير ديوان وزير الشؤون الدينية عبدالستار بدر في تصريح صحفي، أمس الأول، أن 187 مسجدا وجامعا تم بنائها بعد الثورة بطريقة فوضوية بعضها مبني في مساحات خضراء والبعض الآخر تم بناؤه على أرض الغير. ويرى مراقبون أن هذه المساجد التي أنشئت خارج الأطر القانونية قد تشكل تهديدا للمجتمع التونسي خاصة في ظل غياب رقابة على الخطب الدينية التي تبثها. ويثير الخطاب التكفيري لبعض رجال الدين والأئمّة جدلا واسعا في تونس، في ظل تزايد العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن والجيش والمنشآت الحيوية وغياب الرقابة على بعض المساجد. ونشر حساب على موقع التويتر تحت اسم "أبو جهاد" يتبع للتنظيم المتطرف داعش أن الجمعة القادم سيشهد عملية إرهابية تستهدف تونس ودعا صاحب التدوينة "الإخوة والأخوات" للتجهز لما أسماه "غزوة يوم الجمعة". وجاء في التدوينة "الإخوة والأخوات تجهزوا لغزوة يوم الجمعة بإذن الله".