بعض دور النشر المغربية تمتنع عن طبع الدواوين الشعرية، في الوقت الذي ترحب بالأعمال الروائية. يزعم أصحاب تلك الدور أن الإقبال على قراءة الشعر ضعيف. هل الشعر فعلا سوقه كاسدة؟ مرة سألت أحد الناشرين عن السبب الذي يحدو به إلى عدم طبع الدواوين الشعرية؛ فأجابني بأن الديوان الشعري، يمكن للقارئ أن يقرأه بسهولة وهو واقف أمام رفوف الكتب، ولن يحتاج إلى اقتنائه بعد ذلك، على خلاف الكتب الأخرى. ليس هناك إحصاء رسمي لنسبة الإقبال على شراء الدواوين الشعرية في المغرب. لكن الشيء الأكيد أن عدد الشعراء ليس بالقليل، لا بل إنهم يتكاثرون يوما بعد يوم. وليس في ذلك أدنى مبالغة. ورغم أن ما يطبع من دواوين شعرية في كل سنة لا يعكس حقيقة تكاثر الشعراء؛ فإن هناك مؤشرات عديدة على أن الشعراء المغاربة في تكاثر. المهرجانات والملتقيات الشعرية تؤكد على ذلك، الصفحات الثقافية اليومية توضح بما لا يدع مجالا للشك أن شعراءنا كثر. الملاحق الثقافية الأسبوعية لا تخلو بدورها من القصائد، بنسبة تفوق في الغالب غيرها من النصوص الإبداعية. مواقع التواصل الاجتماعي غاصة بالشعراء. بين الفينة والأخرى، يضعون تدوينة أو تغريدة جديدة، عبارة عن قصيدة، عن نص شعري. على مدار الأيام والأسابيع، يمر أمام أعيننا شريط طويل لا متناه من النصوص الشعرية. في قائمة أصدقائي بصفحتي الخاصة بالتواصل الاجتماعي على سبيل المثال، ما لا يقل عن ألف شاعر، ألف صديق يقدمون أنفسهم بكونهم شعراء، الكثير منهم لا أعرف أن لهم دواوين شعرية مطبوعة، لكنهم يقولون إنهم شعراء، ويكتبون ذلك في بروفايلاتهم. لا أحد باستطاعته أن يمنعهم من الادعاء بأنهم شعراء، لا أحد من حقه أن يمنعهم. بعضهم يكتب بالفعل نصوصا شعرية جميلة وعميقة ومقنعة، والبعض الآخر لا يعدو أن يكتب خواطر، أو مجرد كلمات مرصوفة وبغير قليل من الأخطاء النحوية واللغوية. لكنهم كلهم شعراء. أن يكتب المرء قصيدة جيدة أو رديئة، لا يهم. المهم أنه شاعر، لأنه يكتب ما يسمى شعرا. وإذا أبديت ملاحظة لأحدهم تخبره فيها بأن ما يكتبه لا يمت بصلة إلى الشعر، يثور في وجهك، ويقول لك إنك لست وحدك من يمتلك المعرفة الشعرية. لعل في تحفظ بعض دور النشر على طبع الدواوين الشعرية جانب من الصواب، حيث صار القارئ يتردد كثيرا قبل أن يمد يده إلى جيبه ويدفع المقابل المادي لديوان شعري جديد؛ فما أكثر الشعراء وما أقل الشعر. صحيح أن هناك شعراء قد نقتني إصداراتهم الشعرية المطبوعة حديثا بعينين مغمضتين؛ لأننا نثق في ذائقتهم الشعرية ونعلم أنهم لن يخذلوننا إذا دفعنا ثمن دوائنا وغذائنا لاقتناء دواوينهم الشعرية. لكن في المقابل، هناك شعراء قد نتخلص من دواوينهم في منتصف الطريق إلى بيوتنا، إنها لا تستحق أن تشغل الحيز الفارغ في مكتباتنا. يحدث أحيانا حين نشاهد كتابا، سواء كان ديوانا شعريا أو سواه، يحدث أن نتأسف على الأشجار التي تم قطعها من أجل صناعة الورق الذي بواسطته تم طبع ذلك الكتاب. الأشجار تساعدنا على التنفس واستنشاق هواء نقي، في حين أن بعض الكتب تخنقنا وتثير الغثيان لدينا. من المؤسف أن الشعراء الرديئين والسيئين يملكون دائما الإمكانيات المادية لإصدار دواوينهم الشعرية في طبعات فاخرة، في حين أن الشعراء الحقيقيين الذين يمتلكون موهبة حقيقية ويكتبون نصوصا شعرية جيدة، يشكون من عجز مادي، وبالتالي لا يقدرون على طبع أعمالهم الشعرية، ويراكمونها في أدراجهم وفي ملفاتهم الرقمية وينتظرون الذي يأتي ولا يأتي لإخراجها إلى النور، وتمر سنوات عديدة على إعدادها للطبع دون أن تطبع، وقد يرحل صاحبها وهي لم تطبع بعد. أثيرت خلال المدة الأخيرة بحدة قضية حجب جائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر، البعض يقول إنه ما كان للجنة التحكيم أن تجرؤ على قرار مماثل، بحجة أن شعرنا بخير ويستحق الجوائز، والبعض الآخر يرى أن من يدعي أن الشعر المغربي لا يقول شيئا، قد يكون على صواب. لكن في جميع الأحوال، لا أحد في مقدوره أن يعدم الشعر، رغم نزوح بعض الشعراء نحو الرواية وأجناس تعبيرية أخرى؛ لأن الحياة بدون شعر شبه مستحيلة هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته .