خلف رحيل الكاتب المغربي عبد الرحيم المؤدن فراغا كبيرا في الساحة الثقافية المغربية، بالنظر إلى إسهاماته الكثيفة والنوعية في عدة مجالات أدبية وإبداعية: القصة القصيرة، النقد الأدبي، أدب الرحلة، أدب الأطفال، الكتابة المسرحية... فضلا عن مشاركته الفعالة في العديد من الملتقيات الثقافية، سواء داخل الوطن أو خارجه، وانخراطه في مجموعة من المنظمات والجمعيات الثقافية: اتحاد كتاب المغرب، مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية، مجموعة البحث في المعجم الأدبي والفني، الجمعية المغربية للبحث في الرحلة.. يعد المؤدن من الأسماء الرائدة التي كرست جزءا كبيرا من كتاباتها لنقد فن القصة ودراستها، ولعل أطروحته «الشكل القصصي في القصة المغربية» التي صدرت في جزأين، أبرز مثال على ذلك. كما عمق بحثه في هذا المجال، إذ أصدر كتابا غير مسبوق من حيث محتواه، ضم معجما لمصطلحات القصة القصيرة. تنفرد أبحاثه، سواء في المجال القصصي أو أدب الرحلة، بالتحليل العميق وتكثيف المعطيات وسلاسة الأسلوب، وهو ما يجعل المتلقي يشعر بنوع من الإشباع إذا صح التعبير. كانت المجموعة القصصية المشتركة مع الأديب إدريس الصغير «الكلمات واللعنة الزرقاء»، هي مفتتح إصداراته، التي توالت بعد ذلك، وهمت أجناسا إبداعية وفكرية مختلفة، ففي مجال الإبداع القصصي، صدر له: «أزهار الشر»، و»حذاء بثلاثة أرجل» و»تلك قصة أخرى».. وفي مجال البحث صدر له كتاب: «أدبية الرحلة»، كما صدرت له مجموعة من المسرحيات، إلى غير ذلك من الإنتاجات، ومن المرتقب أن تصدر له عما قريب مجموعة قصصية جديدة له موجهة للأطفال، باللغتين العربية والإسبانية. وجاء في نعي وزارة الثقافة المغربية، لفقيد الأدب المغربي عبد الرحيم المؤدن أنه «استطاع أن يرسم مسارا ثقافيا وإبداعيا وعلميا متميزا ومتنوعا يجعل من رحيله خسارة للمشهد الثقافي بالمغرب..». ونعاه اتحاد كتاب المغرب بالقول إنه «عرف بطيبوبة نادرة، وبوفاء خاص للمبادئ وللقيم التي نشأ وتربى عليها، عدته في ذلك إبداعه وأبحاثه الرصينة والمجددة، كما يشهد له بحضوره الإبداعي والنقدي والأكاديمي الوازن، وبكتاباته القصصية والمسرحية المضيئة، وبأبحاثه النقدية حول القصة والرواية والرحلة وغيرها، عدا عشقه الكبير للكتابة للأطفال والفتيان، والبحث في قضايا ثقافية وتاريخية وأدبية وببليوغرافية ومعجمية استثنائية، أضحى معها مرجعا أساسيا للباحثين وللطلبة، داخل المغرب وخارجه، وخاصة فيما يتعلق بأدب الرحلة». ونعته كل من الجمعية المغربية للبحث في الرحلة ومختبر السرديات ونادي القلم المغربي بالقول: « عبد الرحيم.. وداعا بهذه السرعة وأنتَ الذي كنتَ تولدُ مع كل نص جديد، حينما تكتشفُ أن الحياة نهر ممتد في الروح والمآثر.. وأنتَ قد تركتَ أنهرا تجري وتسقي القراء مما تركته خالدا وحاضرا.. ألَمْ تكن سبّاقا في التأسيس للدرس الرحلي ومجددا في السرد القصصي للكبار والصغار وفي النقد القصصي الجدري والعميق.. أوَ لمْ تكن مناضلا ثقافيا تجوب البلاد طولا وعرضا لاستكمال رسالتك، أستاذا جامعيا باحثا وأديبا مثقفا وفاعلا جمعويا يضحي بوقته وراحته وصحته وماله، من أجل أفكار جميلة نؤمن بها جميعا. نعرف أنك رحلتَ ولم ترحل، لأن مشاريع أخرى كنت تفكرُ فيها ولم يُمهلك الموت كي تنجزها، قلق كبير في النفس وغيرة على ثقافتنا وحياتنا التي قاومتَ في البحث لها عن معنى روحي عميق». كما نعته مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون، بقولها إن «الكاتب القاص والروائي والباحث الرحلي والكاتب المسرحي والمربي، طالما انخرط في الأسئلة الكبرى للثقافة المغربية بمواقفه الصادقة والغيورة. ظل الفقيد محافظا على مسافة خاصة بالمؤسسات، متفرغا لأبحاثه وكتاباته، مناضلا وسط جمعيات المجتمع المدني من أجل ترسيخ مفهوم الثقافة وتداول المعرفة وسط المجتمع..». هذا وانتقل عبد الرحيم المودن إلى جوار ربه يوم الأحد الماضي بهولندا، عن سن تناهز 66 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، الشيء الذي خلف أسى كبيرا وحزنا عميقا في الأوساط الأدبية والثقافية المغربية.. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم القسم الثقافي لجريدة بيان اليوم بأحر التعازي لأفراد أسرته ولكافة أصدقائه وقرائه، راجين من العلي القدير أن يلهمهم الصبر الجميل، وللفقيد الرحمة والمغفرة. إنا لله وإنا إليه راجعون.