الحب الجنوني لكرة القدم أصبح متجذرا في نفوس معظم سكان العالم، كما أصبحت كرة القدم تغدي وتشحن سكان العالم كيفما كانوا وحيتما وجدوا، والتعصب للكوليس حكرا على سكان الدول المتخلفة بل حظ مثيلتها المتقدمة وكبير. وحلول المونديال كل أربع سنوات يلتهم عقول سكان العالم كله، ومنذ اللحظة الأولى لميلاد كأس العالم كادت تشتعل أزمة سياسية بين الأرجنتين والأوروغواي في نهائي أول كأس عالم 1930 عندما فازت الأوروغواي التي إستضافت البطولة بحصة أربعة أهداف لهدفين، فخرجت جماهير الأرجنتين ثائرة بعد المباراة في شوارع بيونس إيريس وقامت برشق الحجارة على مبنى سفارة، الأوروغواي هناك وتسبب ذلك في قطع العلاقات بين اتحاد الكرة في كلا البلدين. وبمرور الوقت ومع زيادة عدد الفرق وكثرة عدد النجوم ارتفعت درجة حرارة الجنون ووصلت دروتها، وخلال دورة كأس العالم 1990 قامت سيدة من بنغلاديش تدعى «بانوبوجو» وتبلغ من العمر30 عاما بشنق نفسها بعد هزيمة منتخب الكاميرون أمام أنجلترا في دور الثمانية، وقبل الإقدام على الإنتحار كتبت رسالة تقول فيها «لقد اخترت أن أترك هذا العالم بعد أن تركته الكاميرون المونديال»، والطريف أن مواطنا آخر من بنغلاديش كان يجلس أمام شاشة التلفزيون يتابع مباراة الكاميرون وكولومبيا في دور الثاني وفجأة وبعد أن سجل ميلا هدفه الثاني قفز من مكانه وصرخ قائلا «كول» ثم سقط بعدها على الأرض دون حراك فلفظ أنفاسه الأخيرة، وقالت أمه بحزن شديد لقد صدمتني كرة قدم في إبني الشاب، الشخص الذي يرعى شؤون الأسرة. حقا أنه جنون، ولكن جنون غريب جدا لأن جماهير الكاميرون لم تفعل ما فعلته جماهير بنغلاديش من أجل منتخب الكاميرون، فحتى رؤساء وملوك دول العالم التهمتهم جنون كأس العالم ليخصصوا ساعات طويلة من وقتهم الثمين لمشاهدة المباريات، فالرئيس الروسي السابق ميخائيل غروبا تشوف كان يضع جهاز تليفزيون صغير في مكتبة لمتابعة أطوار لقاءات كأس العالم والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش طلب من سكرتارية البيت الأبيض تأجيل كل الاجتماعات التي تتزامن مع مواعيد إقامة مباريات المنتخب الأمريكي في كأس العالم. أما الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم عاشق كرة القدم فكان شديد الحرص على مشاهدة مباريات المنتخب الأرجنتيني وقد اضطر إلى إنهاء اجتماع مع مستشاريه قبل موعده بساعة كاملة ليلحق بمباراة الأرجنتين وروسيا، كما كان يقوم أثناء الاجتماعات ويختلس بعض النظرات على الأهداف التي يتم تسجيلها في المباريات الأخرى من خلال جهاز تلفيزيون بإحدى الحجرات المجاورة ويعود لمواصلة لاجتماع مرة أخرى، وفي كأس العالم 1982 شاهدنا جميعا على شاشات التليفزيون الرئيس الإيطالي، وهو يقفز من الفرحة بعد كل هدف يسجله منتخب بلاده في مرمى ألمانيا الغربية آنذاك خلال المباراة النهائية وبعد أن فازوا بالكأس اصطحب معه لاعبي المنتخب الايطالي متن طائرة الخاصة وعاد بهم إلى بلدهم. ولا تنسى الجماهير الإنجليزية حتى الآن أن رئيس الوزراء عاد من رحلة عمل من واشنطن قبل الموعد المحدد بساعة حتى يتمكن من مشاهدة مباراة المنتخب الانجليزي في نهائيات كأس العالم 1966، كما ألقي خطابا سياسيا هاما قبل موعده المقرر بنصف ساعة حتى لا يتعارض إذاعة خطابه مع موعد المباراة النهائية للبطولة على الهواء. والكل يتذكر الرئيس الفرنسي وتفاعله مع مباريات المنتخب الفرنسي في نسخته التي أقيمت بفرنسا 1998وعادت إلى هذا الأخير، أما المستشارة الألمانية أنخيلا ميركل فتواظب على حضور اللقاءات الهامة لمنتخب بلادها ولو تطلب منها ذالك التنقل خارج البلد.