منظر الأم وهي تعنف طفلتها الصغيرة وتمنعها من ترديد مقاطع أغنية المطرب المغربي الواعد سعد المجرد: «أنت باغية واحد..»، ونحن على متن قطار باعث على السأم. شيء يستعصي على الفهم (على فهمي على الأقل)، لماذا عنفت تلك الأم طفلتها بتلك الصورة الفظيعة، مع أن الطفلة كانت تريد أن تنشد مقاطع من أغنية فقط لتطرب بها وتدفع عنها السأم؟ ولماذا كانت الطفلة في المقابل تصر على ترديد تلك المقاطع المقموعة في عناد شديد، رغم ما كانت تلاقيه من تعنيف شديد؟ تنذرها الأم: إذا كررت ذاك الكلام، سأقطع شفتيك ولسانك. لكن الطفلة الصغيرة البريئة رائعة الجمال (كل الأطفال رائعون) تحني رأسها وتردد بصوت خافت وهي في حالة توجس: «أنت باغية واحد، يكون دمو بارد..». وقبل أن تتمم الطفلة المقطع، تنهال عليها الأم بالصفع وتأمرها بأن تغني: «طيور الجنة» بدل: «أنت باغية واحد»، لكن الطفلة تصر مرة أخرى على ترديد تلك الأغنية ذاتها ولا شيء غيرها. وتتلقى الصفع فيتعالى صراخ الطفلة وتلطم وجهها في حالة هستيرية. شيء يحز في النفس. وفي إحدى الإذاعات الخاصة التي تفتح خطوطها الهاتفية لمستمعيها طوال اليوم ليقولوا ما يشتهون، اتصل أحدهم وطلب من المنشط الإذاعي أن تكف الإذاعة عن بث الأغنية إياها؛ لأنها تسببت في مشاكل داخل الأسرة. مؤخرا قدم منشط إحدى النشرات التلفزية الفنان سعد المجرد باعتباره سفير الأغنية المغربية، ولكن هل ما يؤديه سعد المجرد يعكس بالفعل الأغنية المغربية؟ فمن خلال الاستماع إلى أغلب أغانيه – وهي قليلة على كل حال- نلمس حضور الإيقاعات الخليجية بكل ثقلها، كما يتمثل ذلك في أغنية «سلينا» وكذلك في «أنت باغية واحد»، إنه عمل دؤوب في اتجاه خلخنة الأغنية المغربية، وهذا بالطبع، لا يخدم هذه الأغنية ولا يخدم أصالتنا وهويتنا وروحنا الإبداعية ذات الخصوصيات المتجذرة في وجداننا. لا أحد ينكر أن سعد المجرد، حقق النجاح الذي يصبو إليه أي فنان وهو في بداية سيره على درب الفن. لامس النجومية في وقت مبكر وبات يحظى بتهافت المعجبات عليه لالتقاط صور معهن أو توقيع أوتوغراف. بالرغم من كل ذلك، من المفروض على هذا الفنان أن يحتفظ - حسب التعبير الفرنسي- برأسه بين كتفيه، حتى لا يقتله الغرور ويزج به في متاهات النجومية فيضيع وهو في منتصف الطريق، كما أن الأغنية المغربية بحاجة إلى فنانين أذكياء وموهوبين من أمثاله، بشرط ألا يخذلوها.