رعب آخر في العراق... كارثة أخرى في العراق... العالم كله يوجه نظره إلى العراق، وأخبار الدماء والهمجية تتصدر مختلف النشرات التلفزيونية بكل اللغات... تنظيم «داعش»، يواصل القتل في ظل تواصل انهيار الجيش العراقي، وانسحابه من مدن عديدة، تاركا إياها لميليشيات تنظيم»البغدادي»، وفي مقابل ذلك يتواصل تسليح مدنيين شيعة بمباركة من مرجعياتهم الدينية، والطرفان، السني والشيعي، لديهما قوى متحالفة تقوي حشودهما المسلحة، وهذا يجعل وقائع الميدان لا تقود سوى إلى حرب أهلية بين العراقيين، خاصة إذا استحضرنا تباطؤ رد فعل المجتمع الدولي، وإمكانية امتداد المواجهات والتدخلات لتشمل أيضا قوى إقليمية «إيران خصوصا»، وتتفاعل أكثر مع تداعيات المأساة السورية المتواصلة. كل التحليلات اليوم لا تؤدي إلا إلى سيناريو الحرب الأهلية، ما لم يتدخل المجتمع الدولي بقوة وحزم لوقف تطور المواجهات إلى حرب طائفية مسلحة، وبالتالي للحيلولة دون أن تفرض القوى الدينية المتطرفة سيطرتها وامتدادها في المنطقة. أما على صعيد القوى السياسية العراقية، فمن الواضح أنها عاجزة على أن تقوم بشيء في مواجهة ما يجري، وهي لم تتمكن من الاتفاق لا على إعلان حالة الطوارئ، ولا على صلاحيات رئيس الوزراء، ولا على إيجاد أي صيغ لبلورة توافق سياسي في البلاد يتيح تحقيق الاستقرار والأمن، وبناء مؤسسات الدولة. وبعيدا عن الحيثيات السياسية والإستراتيجية المرتبطة بالأوضاع في العراق أو في سوريا أو في عموم المنطقة، فإن ما يجري اليوم في العراق، وكذلك في سوريا وفي عدد من البلدان العربية الأخرى، يبرز خطورة احتكار القوى الدينية الإرهابية المتطرفة لتفسير الدين، ومن ثم يصير هذا التفسير بلا أي معنى آخر عدا التكفير وإباحة القتل ورفض التعدد وقيم العصر الحديث والحرية والمساواة، بل والتمرد على الدولة ومؤسساتها ورفض الاحتكام للقانون. هذه هي منطلقات مسلحي»داعش»، وقبلهم تنظيمات»القاعدة»، ثم الجماعات السلفية المتطرفة في أكثر من بلد عربي، وقد تحول الدين الإسلامي لديهم إلى أداة يبررون بها القتل والهمجية و...الجهل، وفي المقابل ضعفت في بلاد العرب جبهة المواجهة الثقافية والفكرية والدينية، أي جبهة الدفاع عن العقل والتنوير، ومن أجل تحرير الدين من تفسيرات المتطرفين. في البلدان العربية، هناك حاجة ملحة اليوم إلى... العقل. لابد من مراجعة طرق تعليم المادة الدينية في المجتمع وفي كامل المنظومة التعليمية، ولابد أيضا من إعادة النظر في تكوين علماء الدين أنفسهم، وبالتالي جعلهم يدركون متغيرات العصر الحالي والأجيال الحالية، وفهم النص الديني ومختلف حيثياته، وخصوصا سياقاته، وذلك بما يساهم في تطوير الخطاب الديني المعاصر، ويجعل هذه الشخصيات الدينية العقلانية حامية لاستقرار مجتمعاتها، ولقيم العقل والتقدم. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته