تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    الجمعية العامة للأمم المتحدة ال 79.. إجماع دولي على مخطط الحكم الذاتي بإعتباره المقترح الأكثر مصداقية والأوسع قبولا    المجلس الوطني لحزب الاستقلال سيكون مغلقا في وجه الصحافة وإجراءات صارمة للدخول لقاعة المجلس    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الجيش الإسرائيلي ينذر سكان بلدات في جنوب لبنان بالإخلاء فورا ويقطع الطريق الدولية نحو سوريا    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    العدل الأوروبية تلغي اتفاقيات مع المغرب    معرض الفرس بالجديدة يواصل جذب الزوار.. و"التبوريدة" تلقى متابعة واسعة    جمارك عبدة تحرق أطنانا من المخدرات    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب        أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    أخبار الساحة    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة        مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محسن الأحمادي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الحقوق التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش
نشر في بيان اليوم يوم 19 - 05 - 2014

الأكاديمي يصعب عليه الجزم بتورط السلفية الجهادية وراء الأحداث الارهابية بالدار البيضاء
السعودية قامت بدور الوسيط للحد من تجدر وتعمق عنف التيار السلفي في المغرب
حلت الجمعة الماضي، ذكرى 16 ماي الإرهابية التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء سنة 2003، بما تحمله من مآسي لعائلات الضحايا الذين قضوا في هذا الحادث المشؤوم، وأسئلة حارقة ترتبط بما يعرف بالجماعات السلفية الجهادية التي تواصل نشاطها مترجمة إياه بنهج سياسة استقطاب جديدة في صفوف الشباب وإرسالهم إلى بؤر التوتر خاصة في سوريا، متحدية بذلك الطوق الأمني، لكن ذكرى هذه السنة تحل وقد تبدت في الأفق مستجدات أبرزها تلك الإشارة التي بعثت بها صلاة الملك محمد السادس وراء محمد الفيزازي الذي يوصف من طرف المراقبين بكونه أحد رموز السلفية، والذي قام بمراجعة فكرية أعلنها جهرا للعموم، معترفا بشكل صريح بإمارة المؤمنين لملك البلاد، وإدانة للهجمات الدامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، وهي الإشارة التي تفيد من جهة أن المغرب نجح في إحداث تحول لمسلكيات رموز السلفية، وكذا على نجاحه في دمج هؤلاء الشيوخ المتشددين في إجماع الأمة على مبدأ إمارة المؤمنين وعلى الإسلام السني الوسطي، كما تفيد أنه صدر قرار سياسي بطي ملف ما يسمى بالسفلية، وأن الجانب الأمني في البلاد يقوم بمهامه، ومن تورط في أعمال العنف أو اختار مسلكها، ستتم متابعته قضائيا، أما من اختار أو أبدى اهتماما بالعمل السياسي والمدني ، فالمغرب فاتح ذراعيه لأبنائه لإبداء آرائهم والتعبير عن انشغالاتهم ورؤاهم لمصلحة الشعب والوطن.
لكن المستجد الآخر الذي حملته هذه السنة فهو ذلك السفر المنفرد ولكن الجماعي لعدد من الشباب أغلبهم مغاربة لبؤرة التوتر في سوريا، ومع ما بات يحمله ذلك من تحدي في القادم من الأيام سواء على المستوى الأمني أو الاجتماعي للمغرب، وفي هذا الحوار مع اذ.محسن الأحمادي ،أستاذ علم الاجتماع السياسي المختص في سوسيولوجية الديانات، حاولنا حمل تلك الأسئلة التي ترتبط من جهة في مدى نجاح الدولة في محاصرة التيار الجهادي ،خاصة التكفيري منه، وحول أسباب تعثر الحوار الذي نهجه المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية، والذي يمكن اعتباره بأنه محاولة متسترة من الدولة في الاستجابة لأحد مطالب هذه الجماعات والتي كانت قد طالبت السلطات بمراجعة موقفها اتجاههم على اعتبار أن وجودهم في السجن كان نتيجة ظرفية غلبت فيها الحسابات السياسية، وأسئلة حول مدى الخطر الذي مازال يمثله وجود مثل هذا الفكر وهذه التيارات.
كلما حلت ذكرى 16 ماي، إلا وعاودنا طرح السؤال حول ملف السلفية الجهادية التي اتهم عناصرها بالتورط في تلك الأحداث سنة 2003، فماذا بعد مرور 11 سنة، هل يمكن القول أن المغرب تمكن من حصر مد هذا التيار؟
- في الحقيقة ملف السلفية الجهادية ملف حساس جدا بفعل كثرة الوقائع التي كانت وراءها في لحظة من اللحظات. السفلية الجهادية أعتقد كمفهوم عام يجب ضبطه وتحديده، فتلك الجماعات التي تنعت بالسلفية الجهادية يجب تحديدها لأنها ليست على نفس المستوى، فهناك سلفيون جهاديون قد يكتفون بالعمل الفقهي والتقعيد النظري للجهاد وشروطه وقوامته، وهناك جماعة سلفية تنفذ وقد تعلن على أنها تقوم بتطبيق بما قام به شيوخ السلفية الجهادية، وهناك سلفية أخرى لا تنظر إلى الجهاد على أنه جهاد سوى بإشهار السلاح في وجه الدولة أو الغرب بصفة عامة.
وبالنسبة للمغرب كما هو متداول فإن السلفية الجهادية هي التي كانت وراء الأحداث التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، لكن بالنسبة للأكاديمي والمحلل عليه أن يأخذ بنوع من الحذر ما يروج، على اعتبار أننا لا نعرف من كان بالفعل وراء تلك العمليات، لكن ما هو معروف هو أن هناك مجموعات سلفية قامت سنة 2003 بما قامت به في الدار البيضاء بشكل أساسي وفي مناطق أخرى بعد ذلك بمراكش....
التحليل الأكاديمي يفيد بأن هناك مجموعات في المغرب، في فترة معينة، تعاطفت مع أطروحات القاعدة، و قد تشكلت بناء على ذلك في إطار خلايا سرية وصغيرة بحيث كان يصعب على الأجهزة الأمنية أن تضبطها أو ترصد تحركها، و هذه الخلايا نظرا لتأثرها بالمرجعية القاعدية خاصة إيديولوجية الإخوان المسلمين التي تمت إعادة النظر فيها من طرف أيمن الظواهري وأبو حمزة الليبي من جهة، والسلفية الوهابية التي كان وراءها مجموعة من الفقهاء السلفيين الذين ينتمون لشبه الجزيرة العربية وأساسا العربية السعودية وبالتأكيد أسامة بن لادن الذي قام بالتركيب بين الفكر السلفي الجهادي السلفي والفكر الإخواني وبلورة منظومة تؤدي إلى المرتبة العليا في الجهاد ممثلة في القيام بعمليات إرهابية التي استهدفت ليس فقط الدولة أو رموزها بل كافة الناس.
وهذه الأحداث تم استخدامها وتوظيفها من طرف الدولة لضرب تلك الخلايا وتحجيم تأثير الفكر السلفي خصوصا منه الوهابي بالمغرب، وعلى هذا الأساس فالرموز التي تم اعتقالها و محاكمتها وإدانتها وسجنها كانت إما تروج لأفكار السفلية الجهادية من النوع الوهابي، أو كانت تحاول أن تجد تعبيرا مغربيا محليا أصيلا لفكرة الجهاد ومقاومة النفوذ والمد الغربي في المغرب، حيث تم ضرب الرموز التي كانت تنتقد التعاون بين المغرب والدول التي تعتبر من وجهة نظرها مشركة أي دول غير الإسلامية، وهكذا شكلت الأحداث التي شهدتها البيضاء تلك اللحظة التي أدت إلى نوع من رد الفعل القوي من طرف الدولة وإلى قمع الجانبين، الجانب التنظيمي في إطار الخلايا، والجانب التنظيري الفقهي الذي يشرعن للعمل العنيف والإرهابي في المغرب آنذاك.
حسب المعطيات المتداولة فإن الفكر التكفيري مازال موجودا ويظهر ذلك من خلال ذهاب مقاتلين إلى مستنقع الحرب في سوريا وبؤر الصراع الموزعة عبر العالم، واكتشاف وتفكيك الأمن لعدد كبير من الخلايا التي كانت تنوي القيام بأعمال تخريبية داخل المغرب، فما هي المقاربة التي يمكن اعتمادها لوقف مد هذا التيار؟
- يجب طرح السؤال حول لماذا مجموعة من الأشخاص الذين يتعاطفون أو حاملين للفكر الجهادي يذهبون إلى سوريا، وهذا السؤال يطرح حتى في الغرب بشكل عام، الولايات المتحدة، إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، وإسبانيا، وكذلك المغرب وتونس وكل البلدان التي تصدر ما يعرف بالجهاديين التكفيريين، إلى سوريا وأيضا العراق خلال العشرية الماضية بعد التدخل الأمريكي.
أقول أن كل الدول الآن التي تشكو من توجه السلفيين الجهاديين إلى سوريا، وفي الحقيقة هناك خطاب مزدوج، خطاب يقول لا نعرف كيف يمكن إيقاف وتحجيم وصول السلفيين القادمين من عدد من بلدان العالم إلى سوريا، لكن في نفس الوقت كل هذه الدول تصدر سلفييها إلى سوريا حتى يلقون حتفهم و بالتالي تتخلص منهم وتتخلص من عبئ محاكمتهم وعبئ وضعهم في السجون لفترات طويلة
فمن خلال الدراسات واطلاعي حول ما يصدر بمراكز البحث في الولايات المتحدة الأمريكية في فرنسا وإنجلترا وإسبانيا هناك إجماع على أن أسهل طريقة للتخلص من الجهاديين هي دفعهم إلى المستنقع السوري حتى يتم اقتناصهم واغتيالهم أو توريطهم في حرب محلية.
وفي اعتقادي، فالحرب الأهلية في سوريا لها وظيفتين الأولى هي إضعاف المحور الذي يضم حزب الله والنظام السوري وإيران، فيما الوظيفة الثانية تتمثل في تحول هذه الحرب إلى مركز لوأد السلفيين الجهاديين الذين قد يشكلون خطرا مستقبليا على الدول التي تصدرهم من بينها المغرب، لكن هذا الأخير بما له من التزامات دولية على مستوى وقف تدفق المجاهدين على سوريا ، فإنه وفقا للخطاب الرسمي يقوم بما يجب القيام به حتى لا ينعت بأنه ينخرط في إستراتيجية معادية للنظام السوري وما قد يحمل ذلك من أخطار سواء على أمن المغرب ليس فقط الداخلي بل أيضا على وحدته الترابية، كما حدث حينما تم قطع العلاقات مع إيران والتي أدت بهذه الأخيرة إلى الاعتراف بالبوليساريو.
إذا كنتم تعتبرون أن هناك توجه إرادي لترك السلفيين يغادرون نحو جبهة القتال في سوريا، بماذا تفسرون أن المغرب أوقف وفكك العديد من الخلايا عناصرها السلفية التكفيرية كانت تستقطب شبابا للتوجه نحو بؤر التوتر بما فيها سوريا؟
- وهذا هو بالفعل ما يؤكد نوعا ما هذا الطرح، فالمغرب وإسبانيا الذين يوجد بينهما تعاون أمني وثيق، تم ضبط أغلب الخلايا بسبتة ومليلية، فيما جزء من تلك الخلايا تم ضبطها بالمغرب وبالتحديد بإقليم آسفي و بمنطقة الرحامنة بشكل عام، وبالنظر لالتزاماته الدولية قام المغرب ومازال يقوم برصد الخلايا وتفكيكها في إطار الحيلولة دون انتقال العناصر الجهادية للقتال في سوريا، لكن في نفس الوقت يلاحظ أن المغرب يشكل ثاني دولة بعد العربية السعودية وأول دولة من ناحية القيادات الميدانية المتواجدة في سوريا، والأسماء التي ترد إلينا هي أسماء وازنة وكانت معروفة لدى الأجهزة الأمينة المغربية، وهو ما يثير السؤال حول كيفية تمكن تلك العناصر من الخروج من المغرب والوصول إلى تركيا ومن تم إلى سوريا، على اعتبار أن مجموعة منهم كانوا معروفين لدى الأجهزة الأمنية ويوجدون تحت المراقبة الأمنية المشددة.
مؤخرا شكل حدث صلاة إحدى الإشارات القوية على قرب طي ملف التيار خاصة العناصر القابعة في السجون، كيف تقرؤون من جانبكم هذه الإشارة؟
- الإستراتيجية الأمنية المطبقة في المغرب حاليا لها امتدادات أو مداخل متعددة، فهناك المدخل القمعي أي أن الدولة تعتمد مقاربة زجرية اتجاه المعارضين للنظام أو الذين قد يهددون الأمن والسلم الاجتماعيين هذا من جهة، و من جهة أخرى، هناك نهج للحوار مع الرموز المفكرة في إطار السلفية الجهادية وفتح قنوات التواصل من أجل ردهم إلى رشدهم أو إبعادهم عن غيهم، ووصف أمير المؤمنين له هذه الصلاحيات لتعيين مجموعة من الوسطاء لكي يتحاوروا مع السلفية الجهادية، ونعرف أن وزارة الأوقاف في شخص السيد أحمد التوفيق لها وسطاؤها الذين يناقشون فقهيا وسياسيا هؤلاء الشيوخ، وفي نفس الوقت نعرف أن الرابطة المحمدية لعلماء المغرب في شخص السيد أحمد عبادي لها قنواتها للتواصل والتحاور مع شيوخ السلفية الجهادية حتى يتم لجم وضبط هذه الظاهرة، لكن في نفس الوقت نعرف أن هناك بعض الرموز الذين لا يعترفون بالحوار مع الدولة ولا يعترفون بالوزارة ولا يعترفون حتى بإمارة المؤمنين، وما إلى ذلك، فهم راديكاليون ولا يتحاورون، بل وأكثر من ذلك لا يعبرون عن مواقفهم النظرية بل يمارسونها عمليا في شكل تنظيمي عبر خلايا أو في شكل تعبوي بنشر الإيديولوجية الجهادية أو بشكل عسكري بتوفير خدمات لتلك الخلايا المتشكلة والتي تستعد للقيام بأعمال أو النائمة كما يعرف في الخطاب السياسي.
لذلك ما تقوم به الدولة المغربية هو في شقه حوار وتواصل وعدم سد باب التحاور مع الرموز والموقف الذي عبر عنه الفيزازي مؤخرا في خطبة الجمعة التي ألقاها في حضرة أمير المؤمنين على أنه اعتراف بشرعية إمارة المؤمنين، وشرعية الدولة الملكية. ويمكن القول، أن الإستراتيجية الرسمية للدولة المغربية إما في شخص وزارة الأوقاف أو الرابطة المحمدية، قد أدت إلى نتائج ألا وهي جر رمز من الرموز الكبار للسلفية. وهنا يجب أن نؤكد على قناة مهمة جدا سهلت هذه المأمورية ممثلة في قناة السعودية ،فالسلفيون الجهاديون المرتبطون وجودا وعدما بالعربية السعودية وبإستراتيجيتها الدولية، ونعرف أن هذه الأخيرة قامت بتغيير تحالفاتها وبدعم السلفية بشكل مباشر في مصر، الكويت، و العراق للوقوف في وجه المتغيرات التي ساقتها رياح الربيع العربي والتي حملت الإخوان للحكم ،إذا علما أن هناك استراتيجيين غير هذه المرتبطة بالسعودية، الإستراتيجية الإيرانية التي تهدف إلى تقوية المد الشيعي في المنطقة، والإستراتيجية القطرية التي تحاول تقوية اتجاه الإخوان المسلمين بعد ما يسمى سياق الربيع العربي.
فالإستراتيجية السعودية من خلال الفكر الوهابي تعمل من أجل تقوية الاتجاه السلفي في العالم، ولكن بما أن المغرب دولة صديقة وحليفة إستراتيجية فمن غير المستبعد أن تكون السعودية قد قامت بدور الوسيط بين الدولة وعناصر السلفية الجهاديين المغاربة من أجل، على الأقل، الحد من تجدر وتعمق عنف التيار السلفي في المغرب.
قبل نحو سنة أو أكثر من ذلك بقليل، كانت هناك هيئات حقوقية ومدنية بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أطلقت مبادرة لفتح حوار من أجل طي ملف السلفيين القابعين في السجون، لكن هذه المبادرة تعثرت في نصف الطريق، من وجهة نظركم ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التعثر؟
- أعتبر أنها مبادرة كانت الدولة وراءها، فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرغم من أنه يخضع تأسيسه لمعايير باريس التي تؤكد على ضرورة استقلالية هذه المؤسسات، فإن المجلس مع ذلك لا يتمتع بتلك الاستقلالية التامة عن الدولة، فبطريقة وأخرى فهو امتداد لها، والمبادرة من بين ما ترمي إليه هي فتح هذه القناة الحقوقية للتواصل مع شيوخ السلفية الجهادية ومن خلالهم التوجه نحو كل العناصر المعتقلة.
فمعتقلو السلفية الجهادية يعتبرون أنفسهم معتقلون سياسيون، في حين الدولة ترفض الإقرار بذلك، بل تعتبرهم معتقلي الحق العام لكونهم إما شجعوا أو قاموا بأعمال العنف في حق المجتمع، وفي هذا الصدد فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان يحاول أن يقف وسيطا للتوفيق بين الطرح الرسمي للدولة المغربية وطرح السلفيين، ويقوم بمساعي على اعتبار أن مجموعة من أولئك الذين تمت إدانتهم وحبسهم، شابت ملفاتهم خروقات إما مسطرية أو حتى جوهرية، بمعنى ليس كل من اعتقل من السلفية الجهادية قام بأعمال عدائية ضد المجتمع وضد الدولة، بل كان هناك شطط في استعمال السلطة أو كان تكييف المعطيات مع قانون الإرهاب ومستجداته، والمجلس ومجموعة الهيئات الحقوقية والمدنية المرتبطة به أو التي تدور في فلكه تريد مراعاة مبادئ المحاكمة العادلة، و ترى أن نهج الحوار من شأنه أن يمكن من دفع تلك العناصر السلفية إلى تليين وتغيير مواقفها، وأن مسألة العفو الملكي في حقهم قد تصبح ممكنة إذا ما تراجعوا عن تلك الأفعال العدائية ضد الدولة والمجتمع.
ألا تعتقد أن تأخر طي الملف يعود بشكل أو بآخر إلى تصارع لتيارات داخل أجهزة الدولة، تيار أو توجه يقول باعتماد الحوار مع هذه العناصر السلفية الجهادية والعمل على إدماجها في الحياة السياسية والمدنية، وتوجه ينحو إلى تبني المقاربة الأمنية لوقف مد هذه الفئة؟
- في الحقيقة المقاربتين ليستا متناقضتين، بل هما مختلفتين فقط، على أساس أن الدولة ستتحاور وسوف تعرف من قام بالتراجع عن الطروحات العنيفة والإرهابية وبالتالي يمكن إدماجه في النسق السياسي أو النسق الإداري المغربي كما وقع مؤخرا مع الشيخ الفيزازي، فمجموعة من الوجوه التحقت بوزارة الأوقاف، و بايعت إمارة المؤمنين، واعتبرت بأن مسألة الجهادية هي من خصائص إمارة المؤمنين ولا يمكن لأي فرد أن يعلنها إلا في إطار إمارة المؤمنين وفي إطار المسطرة الفقهية التي يجهلها الكثيرون.
أما بالنسبة للشق الثاني الذي يقول على أنه يجب التعامل مع العناصر السلفية على أساس أنها ظاهرة أمنية أولا، و هذا الجانب الأمني يصلح لأولئك الذين بعد الحوار مازالوا يرفضون إمارة المؤمنين بل ويرفضون الإقرار بالدور المركزي الذي تقوم به الدولة بوصفها حامية للملة والدين، وأن وظائف الجهاد هي وظيفة من وظائف الإمارة الكبرى، لذلك فإن الدولة المغربية من خلال الأجهزة الأمنية تقوم بملاحقة ومعاقبة هؤلاء، على اعتبار أن الحوار لم يصل معهم إلى أية نتيجة، فما عجز فيه الحوار يعتقد أن المقاربة الأمنية قادرة على تأديته، وكأي دولة في العالم فإن من وظائف الدولة السهر على أمن مواطنيها وبالتالي فهي تطبق ما يمكن أن يطبق من منظور أمني.
المنظور الأمني الصرف كطريقة للرد والتعامل مع عناصر السلفية التكفيريين الراديكاليين الذين يرفضون شرعية الدولة يبقى كحل ثاني، مع مراعاة مسألة أساسية وهي أنه يجب محاكمتهم وفق قوانين ومساطر ترقى إلى المساطر الدولية أي المحاكمة العادلة، بتمكينهم من الاستفادة من حق الدفاع وحق الوصول إلى المعلومة، علما أن قانون الإرهاب يتضمن مقتضيات قد تحجب عن محامي معتقلي السلفية الجهادية المعلومات التي تصل من وجهة نظر هذا القانون إلى مستوى أمن الدولة وبالتالي لا يمكن مساءلة الدولة فيما يتعلق بإعمال المقاربة الأمنية لكي تحارب الإرهاب والتطرف.
بخصوص هذه النقطة الأخيرة التي ذكرتم فيها تلك العناصر الجهادية الراديكالية التي لا تعترف بإمارة المؤمنين، كما لا تعترف بشرعية الدولة، هل يمكن القول أن المغرب لازال يواجه خطر وقوع أحداث إرهابية على غرار تلك التي شهدتها الدار البيضاء سنة 2003؟
- أية دولة في العالم ليست في منأى عن وقوع أعمال إرهابية أو عنيفة، السؤال يرتبط فقط بالظرفية التي سوف تقع فيها وبمن وراء ذلك، على اعتبار أنه في العالم ككل هناك أعمال تقوم بها حتى الدول وتنسب إلى الحركات الراديكالية والحركات العنيفة، لتبرير سياسة معينة، والصراع داخل الأجهزة الأمنية هو كذلك صراع حول طروحات نظرية في المسألة الأمنية، ونعرف على أن ما قد تقوم به مجموعة معينة في منطقة معينة يمكن توظيفها بعديا أو قبليا، بمعنى الأجهزة ترى وتراقب لا تتدخل إلا في الوقت الحاسم، وفي الحقيقة هذه المنطقة الرمادية في علاقة الدولة بالمجتمع تبقى بعيدة عن متناول الباحث أو المحلل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.