حينما يوقع موسيقار ألبوما جديدا من أدائه وبعض كلماته من نظمه الفنان مولا أحمد العلوي يتكأ على عكازه ويواصل الطريق تزامنا مع اليوم الوطني للموسيقى، وفي حفل أنيق اتسم بحضور راق ووازن لوجوه فنية وثقافية تمثل مختلف مشارب الإبداع بتعدد تفرعاته موسيقى، كتابة، شعر، مسرح، سينما، فضلا عن حضور وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة مصطفى الخلفي، والكاتب العام لوزارة الثقافة، لطفي المريني، والمدير العام للمكتب المغربي لحقوق المؤلف عبد الله الودغيري، احتضن بهو المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط والذي يواصل مساره كمؤسسة تساهم بشكل فعال في تنشيط الحياة الثقافية بالعاصمة، حفل توقيع ألبوم جديد أصدره الفنان والملحن المغربي المبدع مولاي أحمد العلوي، ويحمل عنوان «العكاز»، والذي يضم أربع قطع غنائية من ألحانه وأدائه، حيث اثنتان منها والمعنونتان ب «غابوا الأصحاب» و»العكاز» من كلماته، فيما كلمات «رحلة الأيام» و»المكتوب» من نظم الشاعر الذي اختطفته يد المنون علي الحداني. اللحظة لم تكن خاصة بتوقيع إصدار جديد فقط، بل كانت للتكريم والاحتفاء بعطاء فني اغترف زاده من مكنونات التراث المغربي الأصيل.. حيث تتلمذ الأستاذ مولاي أحمد العلوي على يد العارف بأصول طرب الآلة العميد سيدي محمد الجعايدي، كما درس أصول الموسيقى النظري منها والتطبيقي على يد الموسيقار والمايسترو الكبير عبد السلام خشان مدير المعهد الملكي التوركي للموسيقى ورئيس الجوق الملكي، وذلك بعد أن اختار مغادرة صفوف الجيش بداية سنوات السبعينات بتقديم الاستقالة والالتحاق بصف الطرب والإبداع الموسيقي حتى يتخيل إليك أنه اختار بذلك النضال عبر الكلمة الراقية واللحن العذب ويحرز بذلك على إعجاب جمهور عريض، فمن خلال المسار الذي خطاه على هذا الدرب بات كأنه حاز على رتبة ماريشال في المشهد الغنائي والموسيقي الوطني مساهما أساسيا إلى جانب أسماء وقامات فنية مغربية في تأسيس ما اصطلح عليه بمدرسة الأغنية العصرية المغربية.. ومن رواد هذه المدرسة شعراء أبلوا البلاء الحسن في الحقل الغنائي المغربي، وتعامل معهم الملحن أحمد العلوي، نذكر منهم أحمد الطيب لعلج، علي الحداني، فتح الله المغاري والطاهر سباطة، وعلي الصقلي وجمال الدين بنشقرون، وعلي الصقلي .ومحمد البلغمي، ومحمد الطنجاوي... هذا التوقيع الذي كان احتفاء خاصا ومتميزا أبت إلا أن تشارك فيه والدة مولاي أحمد العلوي وزوجته وأبناؤه الثلاثة سلامة، عثمان وهبة الله، وتميز بتلك العروض والشهادات التي قدمها إعلاميون ونقاد وفنانون لإبراز ذلك التعدد الفني والرقي الإنساني والنضالي الذي يسم أحد القامات في مجال الأغنية العصرية المغربية، فقد أكد الفنان أحمد جواد الذي دأب على تقديم تنشيط هذه اللقاءات التي ينظمها المسرح الوطني محمد الخامس ويقدم المحتفى بهم وإنتاجاتهم مستلهما كلماته من قاموس أدبي أنيق، (أكد) على أن الاحتفاء بالفنان الكبير مولاي أحمد العلوي، الذي هو مغربي بحكم الانتماء للوطن، ومغاربي وعربي بل وعالمي بحكم الانتماء للموسيقى، هو احتفاء بكل الموسيقيين المغاربة لكونه أحد أعمدتها الأساسيين. أما الإعلامية اسمهان عمور التي قدمت هذا الحفل ونسقت فقراته، فقد أشارت إلى ذلك الجانب الأكاديمي الذي يتملكه الفنان العلوي، حيث زاوج ما بين البحث والتنقيب عن الأوزان الموسيقية من أجل منح الأغنية المغربية تلك البصمة الأصيلة التي تجعلك تتعرف على اللحن وصاحبه بمجرد سماعه، كما أشارت إلى فضيلة التعاون التي تميز علاقاته خدمة للحن المغربي، حيث اقترن اسمه بأشخاص لمعت أسماؤهم في سماء الإبداع كلمة وموسيقى وطربا وأداء من مثل وكما سبقت الإشارة الفقيد علي الحداني، وأحمد الطيب لعلج، والفنان عبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح، والفقيد محمد الحياني، ومحمود الإدريسي، وإسماعيل أحمد، وسميرة بنسعيد، ومحمد الغاوي، ولطيفة رأفت، والبشير عبدو، وحياة الإدريسي، ونزهة الشعباوي، والمطرب العربي طلال مداح، والكويتي محمد البلوشي ...... بل وكان له الفضل في بروز أسماء في ساحة الفن والأغنية الجميلة حيث لم يبخل في دعم واحتضان الكثير من الوجوه الشابة، مبرزة الدلالات التي يحملها هذا الألبوم الجديد، والذي يعد تتويجا لمسار وشم وجدان الجمهور المغربي بألحان عذبة جميلة. فيما ذهب الناقد عبد المجيد فنيش والذي إن أقر ببعد انتمائه لحقل الموسيقى، إلا أنه أبى إلا أن يقدم شهادة تبين تميز الإنتاج الإبداعي لدى الفنان العلوي، قائلا «لقد فضل مولاي أحمد العلوي أن يظل أصيلا ينهل من منابع الفن المغربي، حيث انعكس هذا التميز على سائر إنتاجاته، الأمر الذي جعل الكثيرين من الجمهور المغربي بفضل تلك التجربة مازالوا يحنون إلى أغنية الستينات والسبعينات». وأضاف، على أن العلوي بأعماله تلك فهو يعد من القلة القليلة من الفنانين التي تشكل النواة الحقيقية للأغنية المغربية العصرية، ملفتا إلى أجمل جانب في تجربة هذا العطاء ممثلا في تحقيق تلك المعادلة التي تجمع بين الاستمرارية التي يواكبها التجديد من داخلها، والذي هو أمر لا يتأتى للكثيرين، يشير المتحدث. وعرج المتحدث على تفتيت مكنونات القطع الغنائية الأربعة التي يضمها الألبوم، والتي تعد تجربة جديدة أخرى في مسار الفنان العلوي، حيث يقترن البعد الإنساني مع التأمل الفكري، خاصة في قطعة «رحلة الأيام» و»المكتوب» التي نظم كلماتها الفقيد الشاعر الزجال علي الحداني، ثم حين تقترن الإدانة لواقع مجتمعي بدأت تغيب فيه القيم الإنسانية لتترك مساحة للشرور والأنواء، وكذا بغياب الوعي البيئي والمحيط الطبيعي والذي تترجمه قطعة «غابوا الأصحاب» و»العكاز». ومن جهته كشف الإعلامي والمسرحي الحسين الشعبي، عن الجوانب المتعددة في المسار الإبداعي للفنان مولاي أحمد العلوي الذي تمكن خلاله من أن يؤسس رفقة قامات فنية كبيرة لمدرسة مغربية في الغناء، مستلهما هذا البناء من التنوع الموسيقي الذي يزخر به المغرب، والذي تشبع به العلوي منذ البدايات حيث نهل من المنابيع الأصلية للتراث الموسيقي الصوفي، والشعبي العروبي، والأمازيغي بمختلف تلاوينه والحساني الصحراوي . وهذا التألق لم يأت اعتباطا، حسب ذ الشعبي، بل كان نتيجة الاجتهاد والبحث الأكاديمي الذي قام به المحتفى به والذي أهله ليكون مخلصا للتربة المغربية فضلا عن احتكاكه بعدد من الفنانين الكبار من عمداء عدد من الألوان الموسيقية، كطرب الآلة العميد الفقيد محمد الجعايدي، والفقيد الآخر الذي تألق في حقل الملحون، التهامي الهاروشي، فضلا عن ناظمي كلمات، وملحنين كبار وعازفين مهرة، قائلا «لقد بدأ كبيرا مع الكبار» لكونه احتك بالكبار في الميدان منذ البدايات الأولى لاحتكاكه بالموسيقى والغناء. ولم يفت المتحدث الكشف عن إحدى الجوانب الفريدة في مسار العلوي، والتي تعد من الصفات النادرة التي تميزه كفنان عن غيره ممن هم في المجال، تتمثل في تلك الروح النضالية والوعي النقابي الذي يتسم به وعمله الدؤوب من أجل التنظيم المهني لزملائه وزميلاته، والبذل والعطاء والحرص على اقتراح بدائل من أجل الارتقاء بأوضاعهم المعنية والمادية وحتى المعنوية. اللقاء الذي تخللته إيقاعات موسيقية برعت في عزفها فرقة من الشباب تضم في عضويتها ابنى الفنان العلوي، سلامة وعثمان، كان مناسبة لأصدقاء وزملاء في المهنة أفصحوا فيها عن شهادات تبرز العطاء المتميز للفنان والذي أضاف به لبنة أساسية أخرى في البناء الهندسي للأغنية المغربية العصرية، فمن جانبه أشار الفنان الغاوي الذي كانت تتملكه الرهبة عند لقاء العلوي خلال البدايات، إلى ذلك الإعجاب الذي كانت تثيره ألحانه لدى المستمع، وحكى في هذا الصدد عن الشغف الذي تملك الفنان المصري صلاح الشرنوبي ملحن رائعة «بتونيس بيك»، حينما كان في زيارة للمغرب وسمع قطعة «ياذاك الإنسان»، وكيف كان يطلب تكرار سماعها ومن شدة إعجابه بها، حفظها عن ظهر قبل وقدمها بمراكش في إحدى السهرات. كما لفتت الفنانة حياة الإدريسي إلى غزارة الإنتاج الإبداعي للفنان العلوي والذي أغنى به الخزانة الفنية بالمغرب، مبرزة القامة الفنية التي يمثلها في حقل اللحن ونظم الكلمات، خاصة وأنه تألق في مرحلة كان من الصعب فيها تحقيق ذلك، لكون أسماء لامعة من مثل عبد القادر الراشدي، والجراري ومحمد بن عبد السلام.... كانت حاضرة بقوة وتملأ الساحة بإبداعاتها الراقية. فيما اعتبر الحسين العمراني، الإعلامي بالإذاعة الوطنية، أن الفنان العلوي علامة بارزة في حقل الأغنية المغربية العصرية، بالنظر لبصماته التي تتبدى بشكل واضح من خلال الأعمال التي قدمها، والرقي الذي يطبعها والتي لازالت العديد منها يلح الجمهور في طلب سماعها، كما هو الحال بالنسبة لأغنية «ياذاك الإنسان» والتي أنتجت منذ حوالي 43 عاما. هذا وأبى الفنان أحمد العلوي إلا أن يختتم حفل توقيع إصداره الجديد والذي تحول إلى حفل عرفان وتكريم لمسار غني، بتأكيد تعهده والتزامه بمواصلة المسار إكراما لجمهوره الذي بفضله يحصل على تلك الشحنة التي تدفعه إلى المزيد من العطاء والاجتهاد فيه، معلنا أن في حوزته حاليا قرابة 40 أغنية ملحنة وجاهزة تنتظر فرصة ظهورها، ومنها عدد من القصائد تعود للفقيد الفنان الطيب لعلج، وعلي الحداني، وأخرى لمحمد الباتولي، قائلا «إني أعتبر تلك القصائد أمانة وسأواصل تأديتها».