تراص شكلي جمالي موزون مصاحب للعب لوني دقيق القواعد على هامش تكريم الفنان الموسيقي القدير الشريف القادري محمد من طرف «جمعية ملتقى الفن والإبداع» بالناظور مؤخرا، بالنادي البحري المطل على شساعة زرقة «مارشيكا»، نظمت الفنانة التشكيلية زكية مركوم معرضا تشكيليا. الفنانة عصامية وشاعرة شاركت في عدة معارض فردية وجماعية، كما حصلت على الرتبة الأولى في أحد المهرجانات الوطنية للفنانين التشكيليين الشباب، علاوة على إنجازها لأغلفة عدة دواوين شعرية وروايات. ضم المعرض بعض اللوحات من ريبرتوارها التشكيلي الزاخم. كشفت هذه الأعمال المعروضة إمكانيات الفنانة التي قدمت من خلالها مناخات فنية متنوعة شحنتها بمنظورها الإبداعي والخيالي الذي يمتح مكوناته من عالم الذات المتشظي خيالا وإحساسا وشاعرية. في لوحاتها ترتسم أشكال مختلفة (مستطيلات، مربعات، حبال، حروف تيفناغ..) متجاورة ومتراكبة من خلال تراص شكلي جمالي موزون مصاحب للعب لوني دقيق القواعد. لعب يستند إلى توافقات وتضادات رصينة تتوزع ما بين الأسود المتدرج نحو الرماد، والأحمر الموزع ما بين القتامة والسطوع، والترابي اليافع.. هي مساحات لونية وشكلية للتصور الإبداعي الخاص بالفنانة إزاء بيئتها الطافحة بسطوة احمرار التراب والهندسة اللونية للزربية الأمازيغية، وإزاء مشاعرها الذاتية المتدفقة. هذه اللوحات تعلن انتماءها إلى التيار التكعيبي الذي يتخذ الأشكال الهندسية أساسا لبناء العمل الفني، حيث اعتمدت الخط الهندسي المستقيم والمنحني والمتوازي أسا لكل شكل تَموضع في فضاء اللوحة بانضباط استجابة لمهنية الفنانة في التلوين والرسم والإخراج واللصق، وكفاءتها في توظيف مواد أولية كالخشب والصوف وقهوة نسكافيه استنادا إلى رؤية إبداعية تجريدية شاعرية.. ولولا الأبجدية الأمازيغية (تيفناغ) المزروعة بجمالية في الأشكال الهندسية التي تستثير العواطف والمشاعر والتأملات، ولوحة «غادة العامرية» وتوقيع الفنانة لضاعت هوية اللوحات في بحر الأعمال الفنية المتشابهة عالميا. اللوحات تكشف عن خزان المشاعر الانفعالية المضطربة في دواخل الفنانة في شكل حروف لونية تبني من خلالها عالما يضرب روحنا بلذة جمالية لا تختلف عن لذة الشعر والموسيقى، وينم عن بعد فني مدروس عبر الاحتكاك مع الأعمال الفنية وتجارب الآخرين سواء في المغرب أوخارجه. والفن كما قيل:»تعبير عميق عما هو مخزون داخل القلوب البشرية من انفعالات وأحاسيس». فكلما أمعنا البصر في هذه اللوحات قادتنا عيوننا إلى عوالمها الفسيحة الرائعة، وإلى تيماتها المختبئة في ثنايا الأشكال والألوان. وقد زادها الغموض الفني بهاء وجمالية وقدرة على شد المتلقي/ المشاهد وجذبه إلى التدرج في التأويل واحتمال قدر من العلاقات والوظائف بهدف الوصول إلى حقل مليء بالدلالات والمعاني الصورية الرمزية المتعددة حد الكثافة تبعا لسجلنا الثقافي والفني. تحمل لوحات الفنانة زكية مركوم مسحة حلمية شاعرية تنفذ إلى دواخلنا عبر القلب وليس العقل مما يخلق لدينا حالات روحية منتشية.. المعرض هذا، عبر بوضوح عن مكانة هذه الفنانة في المشهد التشكيلي في الوطن عامة والمنطقة الشرقية خاصة، وعن مهاراتها وامكانياتها الفنية، وقدرتها على تحريك يومها بمنطق الجمال والفن، وهي ما تزال في مقتبل العطاء الفني. أمامها مسيرة طويلة سترشمها لا محالة، ببصمة الاكتشاف والتجديد والابتكار والاجتهاد والرؤى الفياضة بالأحاسيس الإنسانية الراقية التي تتصف بها، والتجارب الزاخرة التي ستغني الذاكرة الفنية المغربية. *كاتب مغربي