مبدع رائد بصم الأغنية الأمازيغية العصرية بأعمال ستظل خالدة في وجدان المغاربة وتاريخ المغرب الثقافي إلى الأبد شمعة أخرى تنطفئ من صرح الفن المغربي في شقه الأمازيغي على الخصوص... ورقة أخرى تسقط من شجرة الإبداع... جسد يعود إلى سديم الأرض يحضنه، وروح تعانق العلياء وتسكن في وجدان وتاريخ المغرب الثقافي إلى الأبد... غادرنا إلى دار البقاء الفنان عبد العزيز الشامخ أحد مؤسسي مجموعة إزنزارن الظاهرة الغنائية الأمازيغية التي تغنى بها كل المغاربة من ناطقي وغير ناطقي الأمازيغية وذلك بالنظر إلى جمالية اللحن وتناسق الإيقاعات وروعة الأداء... أغنية تستهدف الوجدان المغربي بكل تلويناته كعنوان على مشترك عميق في الذاكرة... أسس له المرحوم الفنان الحاج بلعيد وحمل الشامخ المشعل بعده ليؤكد على غنى ثقافتنا وعمقها. صحيح أنه قبل ظهور مجموعة إزنزارن كانت هناك تجارب عصرية تجديدية في التراث الوطني الأمازيغي مثل تجربة الفنان الكبير عموري مبارك ومجموعة أوسمان لكن الجدير بالحديث في تجربة الراحل الشامخ مع مجموعته إزنزارن أن الأغنية أذيعت ذات مساء على قناة البريهي وكانت مجموعة مغمورة قدمها عضو ناس الغيوان عمر السيد، وكانت مفاجأة مدهشة وفي صبيحة اليوم التالي صارت شهرة المجموعة كالنار على علم، في حكاية تشبه الخرافات. وتعد مجموعة إزنزرن من الفرق الأولى التي أبدعت في مجال الفن الأمازيغي معتمدة في ذلك على الشعر الأمازيغي القديم والأصيل وآلات البانجو والغيتارة والرباب ولوتار مما ساهم في إحداث ثورة موسيقية في مجال الغناء الأمازيغي لحنا وإيقاعا . إزنزرن الفرقة التي ساهمت بكامل أعضائها في المسيرة الخضراء وأبدعت آنذاك أغنية حماسية تحمل اسم «أيت لاصل» تؤكد كلماتها ومضامينها عدالة ومشروعية ملف المغرب في استرجاع صحرائه، هذه الأغنية الوطنية انتشرت جنبا إلى جنب آنذاك مع تلك التي أبدعتها فرقة جيل جيلالة تحت عنوان «العيون عينيا». وكان المرحوم قد نقل إلى المستشفى العسكري بالرباط بأوامر ملكية منذ أسابيع إلا أن حالته كانت تزداد سوء كل يوم، بالرغم من الدعم المادي والمعنوي الذي أبداه له محبوه... وكان يتمتع بروح عالية. لكن يوم الجمعة الماضي تزامن مع تعرضه لأزمة قلبية مقترنة بدخول في غيبوبة، تم نقله على إثرها إلى العناية المركزة وبعد تدخل الأطباء واستعمال الآليات الحديثة تم إنعاشهه وبقيت حالته جد حرجة٫ قبل أن يرحل إلى دار البقاء عشية نفس اليوم. برحيل الفنان عبد العزيز الشامخ بعد معاناة طويلة مع المرض، عن سن يناهز 63 عاما، تكون الساحة الفنية الوطنية، قد فقدت مبدعا رائدا بصم الأغنية الأمازيغية العصرية بأعمال رائعة ستظل خالدة في الذاكرة. وعلاوة على علو كعبه الفني، تميز الفنان الراحل، كما يشهد بذلك رفاقه وعشاقه، بكونه صاحب كفاءة وتواضع ودماثة خلق، ملتزما في تعاطيه مع الفن الأمازيغي بكل وعيه ووجدانه. وتحسب للراحل، مساهمته الكبيرة إلى جانب جيل من الرواد على مدى يزيد عن نصف قرن من الزمن في النهوض بالغناء الأمازيغي من خلال الاعتماد على المزاوجة بين كلمات الشعر الأمازيغي الأصيل والآلات الموسيقية العصرية . ومساهمته، بوعي كبير، إلى جانب ذلك في إبراز وصيانة تراث «الرايس» الحاج بلعيد حيث قام بتسجيل 43 قصيدة له، الأمر الذي شجع الشباب على الاهتمام بتراث هذا «الرايس» الذي يعد من بين رواد الأغنية الأمازيغية بسوس، وأحد العلامات البارزة في التراث الغنائي الوطني. وقد بدأ الشامخ مشواره الفني سنة 1964 رفقة الفنان عبد الهادي إكوت في إطار مجموعة "تبغينوزت" ثم فرقة "لاقدام" بمدينة الدشيرة بأكادير ليتوجا مسارهما بعد ذلك بتأسيس مجموعة "إزنزرن" التي قاربت في أغانيها قضايا ذات أبعاد إنسانية وعاطفية واجتماعية، وفيما بعد انشق عزيز الشامخ عن مجموعة إزنزارن ليؤسس مجموعته التي عرفت ب «إزنزارن الشامخ»، بينما تحول اسم الأولى إلى «إزنزارن عبد الهادي».. ولكن الطريق بقيت موحدة رغم الاختلاف إلى أن حصل اللقاء مجددا بين إيكوت عبد الهادي وعزيز الشامخ على خشبة مهرجان تيميتار. وعلى الرغم من أن رحيله يشكل خسارة كبرى بالنسبة للمشهد الفني والغنائي المغربي عموما، فإن تراث عبد العزيز الشامخ سيظل نموذجا للأجيال الجديدة من الفنانين والباحثين أيضا لإبراز الدور الذي قام به هذا الفنان في خدمة الثقافة الأمازيغية في بعدها الفني. بهذه المناسبة الأليمة، نتقدم بأحر التعازي إلى كافة أفراد أسرة المرحوم وذويه ومن بينهم زوجته الزميلة زينة همو ولسائر أسرته الفنية وجميع أصدقائه ومحبيه، سائلين العلي القدير أن يرزقهم الصبر والسلوان وأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.