دخل الصراع مرحلة جديدة بين الحكومة العراقية والمسلحين الذين فتحوا جبهة بغداد الغربية وأعلنوا عن استعدادهم لدخولها. وعرضت فضائيات ومواقع مشاهد لاستعراضات عسكرية لمسلحين في منطقة أبو غريب على تخوم غرب بغداد تجولوا فيها بكل حرية وبمعدات وآليات ثقيلة، من الواضح أنهم تمكنوا من الاستيلاء عليها من الجيش العراقي أو قوات الأمن العراقية المختلفة. وقال مراقبون إن الاستعراض الأخير وسيطرة المسلحين على مساحات واسعة من محافظة الأنبار غرب البلاد بما فيها مدينتا الفلوجة والرمادي الرئيسيتان، يعني أن الصراع المسلح الذي تخوضه حكومة نوري المالكي قد تحول من طور حرب العصابات إلى طور الجبهات الواسعة. يذكر أن الحكومة العراقية تحاول أن تحصر المسلحين في تسمية «داعش» لربطهم بالقاعدة والإرهاب، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن التحالفات التي تتشكل الآن أوسع وأكبر من قدرات داعش وأن مسلحي العشائر وضباط وجنود الجيش العراقي السابق يمثلون جزءا كبيرا من القوى التي «تحاصر» بغداد. في غضون ذلك اعترف قائد عسكري عراقي بارز بإصابة القوات العراقية بالإنهاك بعد معارك الأنبار والفلوجة، داعيا الولاياتالمتحدة الأميركية إلى الوفاء بالتزاماتها إزاء توريد أسلحة للعراق وفق عقود أبرمت مؤخرا بين البلدين. وقال اللواء الركن محمد خلف سعيد الدليمي، قائد الفرقة الثانية عشرة بالجيش العراقي «إننا نجهل سبب تأخير توريد السلاح بعد إبرام الاتفاق لأننا اليوم نخوض معارك عنيفة مع تنظيم داعش وفي حاجة إلى تسليح الجيش العراقي، المتهم بأنه وليد للجيش الأميركي، لكن الأميركيين تخلوا عنا وتركونا نخوض حربنا ضد الإرهاب وحدنا». واعترف الدليمي المنتشرة فرقته على حدود كركوك والموصل مع تكريت وديالى وتضم 15 ألف مقاتل، أن اندلاع المعارك بالفلوجة منذ أشهر «أنهكت» المؤسسة العسكرية ولم تحسم المعركة بسبب الافتقار للسلاح في وجه الجماعات المسلحة التي تمتلك أسلحة تفوق ما يمتلكه المقاتل العراقي، مما تسبب في وقوع خسائر. وأشار في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول إلى أن المسلحين يعتمدون طريقة زرع عبوات ناسفة بالطرق داخل الأحياء والقرى ونشر قناصين لمهاجمة القوات، وهذه لا يمكن مواجهتها إلا بالقوة الجوية التي نفتقر إليها حاليا لأن الطائرات لا تمتلك الذخيرة اللازمة وسلاحها محدود. وأكد على أن «افتقار التدريب على بعض الأسلحة أو توريد سلاح دون توفير معداته وتدريب مقاتلين عليه لا قيمة له ويدفع العراق إلى التعاقد مع دول أخرى لضمان توريد الأسلحة». يأتي ذلك بعد أيام من تشبيه روز نوري شاويس نائب رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، الظروف الحالية في العراق، بظروف انهيار يوغسلافيا عام 1990. وفي لقاء له مع مبعوث الأممالمتحدة إلى العراق نيكولاي ميلادينوف أشار شاويس إلى أن هناك «وضعا خطيرا يسود العراق». محذرا من تقسيم البلاد واندلاع حرب أهلية. وتعكس محاولة التقدم التي قام بها المسلحون في قضاء أبو غريب والمواجهات التي تبعتها في منطقتي زوبع والزيدان، وفشلهم في السيطرة على معسكر في منطقة اليوسفية في أطراف بغداد، طموحهم رغم الحصار الذي تواجهه في الفلوجة. وقال تشارلس ليستر الأستاذ الزائر في مركز بروكينغز الدوحة إن «الهدف على ما يبدو هو أن تستخدم الأنبار كقاعدة لتوسيع العمليات ضد الحكومة الاتحادية». وأضاف ليستر في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن «العرض الكبير في أبو غريب بصورة خاصة، يجسد الحجم الهائل لقدرة عناصر الدولة الإسلامية في الشام والعراق التي باتت على ما يبدو تعمل بحرية كاملة في المناطق السنية في البلاد». وأشار إلى أن «القوات العراقية تواجه تحديات صعبة لمواجهة عناصر الدولة الإسلامية الذين باتوا يتوسعون في العراق». لكن مسؤولا أمنيا عراقيا أكد أن التوجه نحو بغداد مصيره الفشل، معتبرا أن فتح جبهة جديدة هو دليل على الفشل. وقال سعد معن المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد إن «عناصر داعش يحاولون التقدم في اتجاه مناطق زراعية وعرة للتنفس بعد محاصرتهم في الفلوجة ومن أجل الحصول على موطئ قدم في حال اقتحامها». وأضاف أن «دخولهم إلى بغداد حالة مستحيلة وهذا شيء غير منطقي. فهم لا يملكون هذه القوة التي تمكنهم من ذلك ولدينا قوات عسكرية كافية لردعهم والتصدي لهم». وأدت الأحداث الأخيرة في الفلوجة والرمادي إلى نزوح مئات الآلاف من المدينتين نحو محافظات أخرى في البلاد. وتشكل سيطرة المسلحين على الفلوجة حدثا استثنائيا نظرا إلى الرمزية الخاصة التي تمثلها هذه المدينة التي خاضت حربين شرستين مع القوات الأميركية في 2004.