اتهمت القاهرة جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة إشعال فتنة قبيلة، جنوبي مصر، من خلال التدخل في اشتباكات عنيفة بين قبيلتين، في مدينة أسوان، أودت بحياة 23 شخصا وإصابة العشرات. أدى صراع قبلي في محافظة أسوان إلى مصرع 23 شخصا وإصابة نحو 50 آخرين، وتسبب في حرق 16 منزلا في المحافظة الهادئة التي تقع في أقصى جنوب مصر، في تصعيد خطير يرى مراقبون أنه يكشف عن وجود مخطط جديد لإدخال مصر في دوامة من العنف القبلي، بعد أن فشلت جميع المحاولات في استدراج السلطة الحالية إلى منزلقات الفوضى، خاصة وأن العلاقة بين هاتين العشيرتين كانت تتسم بالهدوء وحسن الجوار. وقد حمل الجيش المصري «عناصر إخوانية» مسؤولية إشعال فتنة قبلية بين عائلتين كبيرتين بأسوان. وقال العقيد أحمد محمد علي، المتحدث باسم الجيش المصري، على صفحته الرسمية على «فيسبوك»، أول أمس، إن «المؤشرات تفيد بتورط عناصر إخوانية في إشعال الفتنة بين القبيلتين». وأشار المتحدث باسم الجيش إلى أنه «جارٍ احتواء الأزمة بين القبيلتين بعد تدخل عناصر القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية بالمحافظة». يذكر أن الشيخ محمد عبد العزيز وكيل وزير الأوقاف كشف، في وقت سابق، أن الاشتباكات بين الهلايل والنوبيين بأسوان اشتعلت بسبب فتنة عائلية، مضيفا في تصريحات صحفية أن الشخص الذي كتب العبارات المسيئة لعائلتي الهلايل والنوبيين، مدرس ينتمي لتنظيم الإخوان. وأكد مصدر طبي أنه «تم تشكيل فريق طبي من مصلحة الطب الشرعي من محافظتي الأقصر وأسوان، نظرا لكثرة أعداد الضحايا، من أجل تشريح كافة الضحايا وبيان الصفة التشريحية لهم». وبدأت النيابة في التحرك من أجل إصدار قرار رسمي لتشريح الضحايا في الأحداث. وطالبت حركة تمرد القوات المسلحة، وضع حد فاصل للأزمة، ودعا محمد نبوي، المتحدث باسم الحركة، في بيان أول أمس، إلى إنقاذ ما تبقي من أرواح، وعلاج المصابين في مستشفيات القوات المسلحة، داعيا كافة الجهات المسؤولة في الدولة بالتحرك فورا ومتابعة الأمر باهتمام خاص، في ظل أرواح المصريين التي أزهقت جراء الحادث. وهرع، مساء السبت المنصرم، المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء إلى المحافظ النائية، لمتابعة الحادث الذي غطى على معظم الأحداث السياسية والمحاكمات القضائية في مصر، ولم يكن أشد المتشائمين يتوقع حدوثه، خاصة في أسوان المحافظة السياسية المعروف عنها الهدوء والاستقرار، وعدم التعصب القبلي، مقارنة بمحافظات مجاورة. وتعود الأحداث إلى اشتباكات بدأت بمشاجرة بين طلبة ينتمون إلى منطقة النوبة وآخرين من قبيلة «الهلايل» بسبب معاكسة إحدى الفتيات، وكتابة كلا الطرفين عبارات مسيئة ضد الطرف الآخر وتطوّر الأمر إلى اشتباكات بالآلات الحادة والحجارة ما أدى إلى وقوع إصابات من الجانبين. وعقب صلاة الجمعة، أخذت حرب العبارات المسيئة منحى تصاعديا، وانتشرت على جدران منازل وشوارع كثيرة، وأثناء وقوف عدد من أبناء قبيلة «الدابودية» قام نفر من أبناء القبيلة الأخرى بإطلاق سيل من النيران بالأسلحة الآلية عليهم فسقط ثلاثة قتلى وأصيب 23 آخرون، نقلوا جميعا إلى مستشفى أسوان العام. وحاولت قوات الأمن السيطرة على الموقف، لكن أبناء من قبيلة «الدابودية» سعوا للانتقام لقتلاهم، وهجموا في الساعات الأولى من صباح السبت بالأسلحة النارية وزجاجات المولوتوف على منازل لقبيلة «الهلايل»، ما أسفر عن مصرع 14 شخصا منهم وأحد أبناء القبيلة المهاجمة، التي لم تستسلم وقامت بحرق عدد من منازل «الدابودية» وقتل عدد من أبنائها، لتنتهي الحصيلة النهائية بمصرع 23 شخصا وإصابة 50 من الجانبين، فضلا عن حرق 16 منزلا. وقال مراقبون إن خطورة الحادث القبلي تنبع من زاويتين، الأولى أنه يقع في محافظة نائية معروفة بالهدوء والأمن والاستقرار ولا تعرف للثأر سبيلا، الأمر الذي يشير إلى جود عناصر خارجية تعمل على بث روح الثأر والعنف في صفوف أبناء القبائل في المنطقة. والزاوية الأخرى، أن أحد طرفي النزاع «الدابودية» ينتمي إلى النوبة، وهي جماعة قبلية كانت تعيش في جنوبأسوان، وجرى ترحيل أفرادها إلى مناطق أخرى بالمحافظة، عندما تم تشييد السد العالي، وهي نقطة ثانية ترتكز عليها القوى الخارجية التي تسعى إلى استغلال الحادث وتحويله إلى صراع محتدم بين النوبة والقبائل العربية الأخرى، خاصة أن هناك محاولات سابقة لاستغلال عملية التهجير التي تمت في ستينات القرن الماضي، حتى تتحول القضية إلى «مسألة نوبية» دولية. وتعهد رئيس الحكومة المصرية إبراهيم محلب بمحاسبة المتسببين في هذه الاشتباكات، وذلك جاء ذلك خلال اجتماعات منفصلة لمحلب مع زعماء قبليين بأسوان، بحضور وزيري الداخلية محمد إبراهيم والتنمية المحلية عادل لبيب، فضلا عن محافظ أسوان مصطفى يسري. وبحسب مصادر حضرت الاجتماعات المتواصلة، فإن محلب طالب بالتهدئة بين قبيلتي الهلايل والدابودية المتصارعتين ووقف نزيف الدماء، قبل أن يتعهد لهم بأن جهات التحقيق ستقوم بعملها بأسرع وقت ممكن لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الفتنة. كما تعهد رئيس الحكومة المصرية بأن المتسبب في الفتنة «لن يفلت من العقاب،» مشددا على ضرورة «إنفاذ القانون والالتزام به». وفي السياق ذاته، وافق وزير الدفاع المصري صدقي صبحي، على علاج المصابين في الاشتباكات بمستشفيات القوات المسلحة. كما قرر محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، تسيير قافلتين دعويتين إلى أسوان، للإسهام في تهدئة الأوضاع، والتمهيد للصلح بين القبيلتين المتصارعتين. وأوضح أن إحدى القافلتين تضم علماء بالأوقاف بأسوان وستبدأ عملها على الفور، والأخرى من كبار علماء الأزهر والأوقاف معا، وتصل إلى أسوان صباح الخميس المقبل، وفق بيان للوزارة. من جانبهم، قلل مسؤولون في قطاع السياحة المصري، من تأثير أحداث العنف التي شهدتها مدينة أسوان على الحجوزات المستقبلية الوافدة إلى مصر. وأوضح العاملون أن الحجوزات «متأثرة بالفعل بسبب العمليات «الإرهابية» التي تشهدها مصر من وقت لآخر.