من أجل أن تظل أضواء المسرح متقدة! الذين لا يذهبون إلى المسارح هم الذين ينعون المسرح المغربي لسبب بسيط: إنهم يعادون ما يجهلون. وبهذه المناسبة يطيب لي تأكيد أن حالة المسرح المغربي اليوم لا تبعث على القلق. ثمة بالفعل دينامية ناهضة تعكسها وتيرة العروض الجديدة. وبهذا الخصوص نسجل التدفق النسبي في الإنتاجية الإبداعية منذ إقرار نظام دعم الإنتاج والترويج سنة 1998، بحيث نلاحظ ارتفاع وتيرة عدد الفرق المسرحية المرشحة سنويا لدعم وزارة الثقافة لتصل إلى 155 مشروعا في الموسم الماضي (2012-2013) دعم منها 25 عملا بغلاف مالي بلغ 5.998.000 درهم. فيما بلغ عدد المشاريع المرشحة هذا الموسم 95 مشروعا، دعم منها 18 عملا بغلاف مالي بلغ 4.715.800 درهم. إضافة إلى ذلك، تنامى عدد المهرجانات الموزعة على ربوع الوطن، والتي تختلف موضوعاتها واختياراتها من مهرجان إلى مهرجان. إلى جانب ذلك شهدت سنة 2013 ظهور أكثر من عشرين إصدارا يوازي بين التأسيس النظري للمسرح داخل حقل التداول الثقافي الوطني، والمواكبة النقدية للمنجز الحاصل فوق الخشبات. قد تكون هناك ملاحظات حول جودة المقاربات ونجاعتها، وحول دلالة الأرقام وحقيقتها، لكن المؤكد أن نبض المسرح المغربي متواصل بفضل جهود المسرحيين، سواء منهم هؤلاء الذين ينتمون إلى الأجيال الأولى، أو إلى خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، أو إلى أفواج الهواة. وإذن فما يشوش على هذه الدينامية ليس شح المواهب، أو يأس المسرحيين من إمكانية قيام المسرح بيننا، أو نفاد وظيفة المسرح في لحظة التحول العميق التي تعرفها المجتمعات بفضل هيمنة وسائل الاتصال الجديدة، وانتقال وسائل إنتاج المعرفة إلى مستوى الرقميات. ما يشكل عناصر التشويش يتخذ أشكال متعددة، أولها أن هذا الواقع الرقمي الجديد صار، على العكس مما قد نتصور، يطوق المسرح بفكرة أن يظل فعل مقاومة. إنه قدر المسرح لأننا لا نتصور أن تستمر حياة المجتمعات بدون الفن الوحيد الذي يقر تواصلا حيا مع الجمهور ويعكس، في الجوهر، روح الديمقراطية التي انبنى عليها المسرح منذ وجوده قبل أكثر من خمسة قرون. مثلما يعكس ارتباطه بفكرة التمدن التي تسمح باللقاء الحي، وبالحوار المباشر بين مبدعي المسرح ومتلقيه في لحظة حاسمة من تطور الكائن البشري. ولذلك أرى، حفاظا على هذا الفعل المقاوم، ضرورة أن تتجدد آلية النظر الحكومي للمسرح باعتباره خدمة عمومية أساسا، وباعتباره شأن كل الوزارات، لا وزارة الثقافة وحدها. ومع تقدير مجهودات هذه الأخيرة نرى ضرورة الإنصات إلى كل المقترحات ووجهات النظر التي تصوغها الفرق الممارسة وهيئاتها التمثيلية ضمن حوار موسع يضع في اعتباره الحاجة إلى تطوير المكتسبات نحو أفق جديد. يقتضي الأمر كذلك انخراط الهيئات المنتخبة على مستوى المدن والجهات في التفاعل مع مقتضيات الدستور التي بوأت الثقافة مكانة هامة في تدبير الشأن العام. ويتحقق هذا الانخراط فعليا بصياغة تصورات جديدة لإقرار نظام دعم شفاف للفرق المسرحية، وللتدبير العقلاني للمركبات الثقافية المتواجدة حاليا بناء على هيكلة إدارية واضحة الملامح بإشراف مدراء من القطاع الفني والثقافي يتم تعيينهم وفق برنامج فني، ودفتر تحملات محدد الشروط والالتزامات... مشروع التجديد يقتضي أيضا تدبيرا إعلاميا لترويج العمل المسرحي، إذ لا يعقل أن يتوفر المغرب حاليا على تسع قنوات تلفزية حكومية، وعلى عدد وافر من الإذاعات الرسمية والخاصة دون أن يشغل فيها المسرح حيزا معقولا. لا ينبغي بهذا الخصوص أن يستسلم المغاربة لإرادة السوق المتوحشة التي يكرسها الإعلام بشكل عام، والتي تعمل على تنميط الأذواق، وتعميم الابتذال. يتبقى أمر آخر يجد دون شك تفسيره في ما سبق، وأيضا في بنية ثقافية عميقة. يتمثل هذا الأمر في غياب تقليد المشاهدة التي تمنع من ظهور المسرح كحاجة يومية تجعلنا نذهب إلى المسرح والسينما، وإلى معارض التشكيل ترجمة لتعبيرنا عن حب الفن والحياة. ليس هناك حل سحري لهذه المعضلة الثقافية. الحل يكمن تحديدا في تضافر جهود الدولة بمالها وبآلياتها وإعلامها، إلى جانب القطاع الخاص وكل البنيات المدنية. آنذاك تخلق السياسات العمومية والمبادرات الخاصة، بكل تأكيد، تحولا في الإرادات وفي الأذواق، وترسي اللبنات من أجل أن تظل أضواء المسرح متقدة كل ليلة، حيث لاشيء يمكن أن يعوض مجازات المسرح وأحلامه، ولاشيء بإمكانه أن يمنعنا من الحق في اللقاء المباشر على الخشبات الحية. *كاتب وناقد مسرحي