على خلاف ما قد يلجأ إليه قادة دول بتفادي زيارة بلد يعاني من توترات داخلية أو يفتقد إلى الأمن والاستقرار، فإن زيارة جلالة الملك إلى مالي، على غرار سابقتها، أبرزت إصرار جلالته على الحضور والفعل في مسلسلات تحقيق الاستقرار في هذا البلد الإفريقي، وإنجاح المصالحة الداخلية، وتفعيل التنمية لفائدة شعبه، وفي احترام تام لسيادة البلد ووحدته الترابية. إن هذا البعد الاستراتيجي والمبدئي في الزيارة الملكية إلى مالي هو الذي يفسر الاستقبال الرسمي والشعبي الضخم الذي خصص لجلالة الملك في باماكو، وقد كانت لافتة اللحظات الإنسانية المؤثرة التي جسدها التفاف الماليين وإجماعهم على الترحيب بمقدم العاهل المغربي، كما توقفت صور التغطيات التلفزيونية عند تلقائية الأسلوب الملكي وإنسانيته. وعندما نربط ما سبق بالمبادرات الميدانية التي ينجزها القطاع الخاص المغربي هناك، وأيضا برامج التعاون الثنائي بين البلدين، فإن كل ذلك يمنح لعلاقة المملكة وعاهلها بدولة مالي وشعبها طابع المصداقية التي يدركها الماليون جيدا، وعلى ضوئها يتشبثون بالشراكة والتعاون مع المغرب، باعتبار ذلك يقود إلى استفادة البلدين معا، ويمكن من إضفاء معنى ملموس على التعاون جنوب – جنوب، ويجسد انخراط البلدين في صنع... المستقبل. وفضلا عن البعد المبدئي والاستراتيجي الذي تجسده اليوم زيارة جلالة الملك إلى دولة مالي، فإن الزيارة نفسها أبرزت من جديد عراقة وقوة الارتباط العاطفي والروحي والتاريخي لساكنة المنطقة وشعوبها مع المملكة، وهذا ما يجعل مصداقية العلاقات المغربية الإفريقية متينة، أي أن قوتها لا تنبع فقط من اشتراطات الحاضر وتطلعات المستقبل، وإنما أيضا من رصيد تاريخي عريق منغرس في وجدان الشعوب ومشاعرها. من جهة أخرى، فإن دينامية الحضور المغربي اليوم في إفريقيا أكدت للعالم تميز النموذج الديمقراطي والتنموي للمملكة، وإمكانية جعله توجها لبلدان القارة قصد إنجاح مسلسلات انتقالها الديمقراطي. لقد أثبت المغرب صوابية مواقفه المبدئية الرافضة للتطرف والإرهاب، ولاستهداف وحدة بلدان القارة وسيادتها الترابية، كما أثبت أن نموذجه الديني المرتكز إلى الوسطية والاعتدال والتسامح بإمكانه إنقاذ بلدان إفريقية عديدة من مآسي الاقتتال الداخلي والطائفي والحروب الأهلية، ولقد أثبت ثالثا أن بناء الدولة عبر مدخل القانون وتعزيز دولة المؤسسات، وإشاعة قيم الحرية والانفتاح والديمقراطية والتوافق في شؤون السياسة والحكم وتدبير القضايا المجتمعية، من شأنه أيضا تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية لهذه الدول، وانطلاقا من كل هذا يدرك المجتمع الدولي اليوم أهمية وفاعلية الدور المغربي وحضور المملكة وتعاونها مع البلدان الإفريقية. إفريقيا اليوم هي وجهة المستقبل بالنسبة للعالم، ولذلك يجدر الإصرار على إنجاح علاقات المملكة مع بلدانها، واستثمار الرصيد التاريخي لعلاقات المغرب مع شعوبها، وأيضا إعطاء امتداد عملي لإفريقيتنا، في السياسة والاقتصاد والثقافة والتواصل الإنساني. Mahtat5gmail.com