يبدأ اليوم جلالة الملك محمد السادس جولة إفريقية يزور خلالها السنغال، وساحل العاج، والغابون، بهدف تعزيز علاقات المغرب السياسية والاقتصادية مع هذه الدول. ويتوقع أن تعمق زيارة جلالة الملك محمد السادس لهذه الدول العلاقات الاقتصادية والسياسية والدينية بين المغرب والدول التي سيزورها، في أفق تعاون استراتيجي يشمل الجانب الاقتصادي والسياسي على مستوى الاتحاد الإفريقي، الذي بات مطالبًا بتحديث بنياته الهيكلية والسياسية والاقتصادية. ويحرص جلالة الملك محمد السادس على الدفاع عن المصالح الإفريقية والتضامن الفعال مع بلدان إفريقيا، من أجل تلبية التطلعات التنموية المشروعة لشعوب هذه القارة. كما أن المغرب المدعوم باتفاقات التبادل الحر، التي مكنته من ولوج أسواق أكثر من 50 بلدًا، قادرٌ على فتح نافذة لشركائه الأفارقة على أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط. ويأتي المغرب في المرتبة العشرين على صعيد الاستثمارات في إفريقيا، إذ تقارب قيمة استثماراته فيها 400 مليون دولار. وقد أبرم مع السنغال أكثر من 480 اتفاقية في إطار تعاونها الإستراتيجي، في مجالات الشؤون الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والثقافية والإنسانية. كما تأتي هذه الجولة في ظل تطورات تعيشها إفريقيا التي أفرزتها العملية العسكرية الفرنسية في شمال مالي، وانعكاساتها على مجمل دول الساحل والصحراء. وتندرج الجولة الإفريقية التي يبدأها صاحب جلالة الملك محمد السادس، اليوم الجمعة، بزيارة رسمية للسنغال، في إطار تعزيز العلاقات التاريخية بين المغرب ومجاله الإفريقي، الذي انخرطت فيه المملكة بطريقة مميزة طيلة حقبة محاربة الاستعمار، وتواصل انخراطها فيه اليوم من خلال الدفع بالجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في القارة السمراء. ووعيا منه بتجذره العميق وانتمائه الإفريقي الأعمق، فإن المغرب نهج سياسة خارجية تميزت منذ البداية بالتضامن المطلق والدعم القوي لكفاح البلدان الإفريقية من أجل الاستقلال والتحرر من ربقة الاستعمار. حيث ما زالت العديد من الدول الإفريقية تعتز وتفتخر بما أسداه لها جلالة المغفور له محمد الخامس، ووارث سره جلالة المغفور له الحسن الثاني، من دعم كبير لحركات التحرر الوطني في القارة الإفريقية. فمنذ فجر استقلال الدول الإفريقية التزمت المملكة المغربية بتحقيق وحدة القارة مما أثمر إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية التي كان المغرب من بين مؤسسيها. ومع مرور الوقت، وضعت الدبلوماسية المغربية نصب عينيها هدفا استراتيجيا تمثل في الرقي بالتعاون بين الدول الإفريقية إلى مستوى شراكة حقيقية وتضامنية، وذلك في إطار مقاربة جديدة للتنمية. وفي هذا السياق بالذات اندرجت الزيارات المتعددة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش المملكة للعديد من الدول الإفريقية، حيث خلقت هذه الزيارات ديناميكية جديدة في العلاقات مع هذه الدول كما أعطت دفعة قوية للتعاون بين دول الجنوب الذي شكل خيارا استراتيجيا للمملكة. وقد توجت هذه الزيارات الملكية بسلسلة من اتفاقيات التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، من قبيل مكافحة الفقر والأمراض، والزراعة والصناعات الغذائية، والصيد التقليدي والتربية والتكوين وتدبير المياه والري، إضافة إلى البنيات الأساسية والتهيئة الحضرية، وتكنولوجيا الاتصال والتدبير المالي والأبناك. ووعيا منه بالأهمية المحورية للعنصر البشري في أي استراتيجية تنموية، فقد جعل المغرب من التكوين عنصرا أساسيا وضروريا ضمن برامج التعاون مع الدول الإفريقية. وتهم هذه السياسة، التي تنهض بها الوكالة المغربية للتعاون الدولي، نشر وتعميم الخبرة والمهارات المغربية لدى أطر ومؤسسات البلدان الإفريقية الشريكة. وتعطي الرؤية الإستراتيجية المغربية أيضا أهمية متزايدة للشق الاقتصادي في التعاون المغربي مع الدول الإفريقية، حيث تبذل الحكومة المغربية جهودا كبرى من أجل إشراك القطاع الخاص في مسعى تعزيز التبادل التجاري والرفع من تدفق الاستثمارات المغربية في الفضاء الإفريقي. وبالموازاة مع العمل الثنائي، فإن المغرب يبقى متميزا بحيويته الدؤوبة على مستوى المنظمات الإفريقية الإقليمية، خاصة منها المجموعات الاقتصادية الجهوية التي يطمح إلى تقوية علاقاته بها قصد الرفع من قيمة الاستثمارات والمبادلات التجارية والتقنية وتنويعها، وبالتالي تقوية التعاون مع هذه المجموعات على صعيد القارة الإفريقية. كما أن المغرب ما فتئ يولي اهتماما خاصا بقضايا التنمية في إفريقيا، خاصة في الدول الأقل تقدما، وذلك من خلال تنظيمه للملتقيات التي تعالج القضايا ذات الأولوية بالنسبة للقارة الإفريقية. ووفق نفس النهج فإن المغرب لم يدخر جهدا من أجل الدفاع عن المصالح الإفريقية سواء لدى دول أخرى ومجموعات جهوية، خاصة من خلال الحوار بين إفريقيا وباقي العالم، أو داخل المنظمات الأممية. وهكذا ظلت الدبلوماسية المغربية حريصة دوما على جعل قضية التنمية في القارة الإفريقية في قلب اهتمامات المجموعة الدولية، خاصة داخل المنظمات التابعة لهيئة الأممالمتحدة والوكالات المتخصصة.