سنة كاملة مضت، بأيامها ولياليها، بعد أن غيب الموت إدريس بنعلي، أحد الوجوه السياسية والفكرية التي أثرت الساحة الفكرية والأكاديمية والعلمية بالمغرب، الذي أسهم في إغناء البحث العلمي بعديد مؤلفات اقتصادية، نال بها حظوة لم يسبقه إليها أحد. الذكرى الأولى لرحيل إدريس بنعلي، المفكر والمحلل الاقتصادي، كان مناسبة التأم فيها جمع من زملائه وأصدقائه وتلامذته، الذين احتفظوا بكثير من الذكريات والأفضال الكبيرة عليهم، لاستحضار مسار المناضل الفذ الملتزم بمبادئ الدفاع عن القضايا العادلة، بمبادرة من المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، التي أفردت عددا خاصا عن الراحل، وأعادت طبع كتاب «المغرب ما قبل الرأسمالي» أحد المؤلفات المهمة التي تركها الراحل، والتي نفذت في السوق. وجوه أكاديمية وعلمية مألوفة، منة مختلف المشارب الفكرية والسياسية والعلمية، لم تفوت فرصة حضور التكريم لتخليد الذكر الأولى لرحيل بنعلي، هذا الحضور النوعي والمتميز «يدل على أن الراحل كان له أصدقاء ورفاق ومحبين كثر» على حد تعبير عبد الغيث بمسعود طريدانو، مدير المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية. الذي أضاف خلال تقديمه لتكريم الراحل «إن هذا التكريم واجب علينا واعتراف جماعي لأصدقاء الراحل ورفاقه لمكانته العلمية والفكرية والنضالية». إدريس بنعلي، الذي رحل وهو لا زال في أوج عطائه، ترك بصمته المميزة في التفكير الاقتصادي والتحليل السياسي الرزين، وخلف إرثا علميا في مجال تحليل البنيات الاجتماعية والاقتصادي وتحولاتها، فضلا عن تحليلاته في فهم الميكانيزمات الاقتصادية وتوجهاتها السياسية في المغرب. فاستحق بذلك صفة «المثقف المناضل» كما وصفه رفيقه وصديقه، بنمسعود طريدانو» الذي جمعته به علاقة امتدت على مدى عقود. عن جزء من هذه العلاقة يكشف مدير مدير المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، التي كان الراحل قيد حياته عضوا في لجنتها العلمية، خلال ندوة التكريم التي احتضنتها رحاب المكتبة الوطنية بالرباط عشية أول أمس الخميس، أنها كانت على فترتين الفترة الفرنسية، حينما كان مع إدريس بنعلي طالبين في فرنسا، وقتها كانا وراء تأسيس فرع حزب التحرر والاشتراكية، التقدم والاشتراكية حاليا بمدينة غرونوبل. ويحفظ عبد المغيث بنمسعود طريدانو عن إدريس بنعلي أنه كان في تلك الفترة «المؤطر» لجيل من المناضلين الذي انتظموا في هذا الفرع، مثلما كان القائد والعارف والمثقف، علاوة على قدرته الفائقة على التفاعل مع جماهير الطلبة في ذلك الوقت، بفضل الكاريزما التي يتمتع بها، وأيضا بفضل تكوينه الشامل وثقافته الشاملة وشخصيته الجريئة وشجاعته في طرح القضايا، وقدرته على تغيير موازين القوى. الفترة الثانية، امتدت على مدى 12 سنة من خلال جمعية بدائل بالدار البيضاء وهي الفترة التي طرحت فيها بجرأة العديد من القضايا للنقاش، «وكسرت كل الطابوهات»، واستطاعت الجمعية أن تجمع إلى طاولة الحوار والنقاش الأحزاب الديمقراطية والإدارية. وأجمعت مداخلات المشاركين في الندوة التكريمية للراحل إدريس بنعلي أن الرجل من المفكرين الذين سعوا لإضفاء رؤية جديدة على السياسة تساهم في بناء مجتمع يطمح إلى الرفاه والتغيير، حريصا على عدم الخلط بين العلم والأيديولوجيا، رغم قناعته بمبادئه، ومستميتا في الدفاع بالنهوض بالمعرفة وطرح البدائل الكفيلة بمعالجة القضايا الاقتصادية الملحة. فكان إدريس بنعلي مثالا للدفاع عن المبادئ المثلى التي أمن بها وناضل من أجلها، ولا يجد غضاضة في توجيه انتقادات لاذعة أحينا كثيرة للأدبيات الاقتصادية في المغرب بكل تجرد واستقلالية وشجاعة قل نظيرها، ديدنه في ذلك الدفاع عن القيم النبيلة ومعانقة قضايا الشعب ومشاكله. وعكست مداخلات المشاركين، عبد المغيث بنمسعود طريدانو، مدير المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، محمد الشيكر، الاقتصادي ومدير مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال،محمد الساسي أستاذ العلوم السياسية; محمد المصباحي، الفيلسوف والجامعي، محمد المدني، أستاذ العلوم السياسية، والتي كانت بمثابة شهادات في حق الراحل، المكانة التي يتميز بها الراحل، وإسهامه في ترسيخ الوعي ومناهضة التخلف، واعتراف بفكره وقوة تاثيره. مبادرة المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، التي انطلق التحضير لها قبل نحو 11 شهرا، أعادت الاعتبار للراحل وأبرزت ومضات من حياته وفكره نضاله وإسهاماته، فإذا كان إدريس بنعلي قد رحل جسديا، إلا أن روحه لازالت تحيى، ولازال علمه نبراسا يهتدي به الكثيرين من الدارسين، ونضاله سلهم السائرين في درب الالتزام السياسي والفكري.