محاولة الإجابة عن قضايا النص الجمالية والالتباسات التي تحدث من جراء تداخله مع الدراسات الثقافية تواصل مجموعة البحث في تحليل الخطاب بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء مشروعها الثقافي لهذا الموسم الجامعي بهدف مساءلة النظرية الأدبية وقضاياها النقدية في إطار سلسلة من الندوات العلمية، بتنظيم ندوة علمية حول النقد الثقافي شارك فيها نخبة من الأكاديميين العرب والمغاربة الذين التأموا بقاعة الندوات. الندوة التي ترأسها الأستاذ عبد اللطيف محفوظ، ركز على الخلفية التي دفعت المجموعة إلى التفكير في هذه الندوة، ومفاد ذلك أن النقد الثقافي الذي أقنع العديد من الدارسين العرب باعتماد استراتيجياته أصبح اليوم يثير أكثر من سؤال لأسباب نظرية وإجرائية عدة، من ضمنها الكفاية التحليلية، والقدرة على الإجابة عن قضايا النص الجمالية، والالتباسات التي تحدث من جراء تداخله مع الدراسات الثقافية؛ هذا فضلا عن البعد النمطي الذي صار يطبع ممارسته في الحقل النقدي إلى درجة أصبح معها ممكنا توقع النتائج التي ينتهي إليها. ويزداد الأمر تعقيدا نتيجة المبالغة في التطبيقات التي نحت به تجاه تحويل المكتسبات التي ينطوي عليها لصالح الذات المعرفية على مستوى هويتها التاريخية؛ إذ يُعلى من شأن تراثها الخاص بإسناد التاريخ نفسه وفضائله إليها. كما يدعو توجه النقد الثقافي الرامي إلى نسف المركز والكلية والنسق والمفهوم إلى نوع من إعادة النظر والمراجعة، لأن هدم النسق لا يتحقق باستهداف هوامشه، أو نقط ضعفه، وإنما بفهم الآليات التي يعمل بها، وكيفية تأديتها لوظائفها، وضبط الطرائق التي يتخلق بها استحواذ الرمز، وتشكيله تعميم منظورات على الحياة والعالم. وتقتضي الضرورة اليوم العمل على إخضاع هذا التوجه النقدي إلى مزيد من الفهم، والنقد أيضا، حتى نستطيع خلق وعي يسمح لنا بتملك أسراره من جهة، ونقط قوته وضعفه، وفهم الإشكاليات التي تنشأ من جراء تطبيقه. ولهذا كانت الدعوة إلى هذه الندوة حتى نسهم جميعا، ولو قليلا، في إنارة ما يجب إنارته في هذا التوجه على نحو واع بضبط حسناته ونواقصه. المداخلة الأولى كانت للأستاذ معجب العدواني «القراءة التّناصيّة الثقافيّة: مدخل نظري»، انطلق فيها من نقد الدارسين للنظرية التّناصيّة في بدء مراحل تشكلها التي ركزت على منطلق تداخل النصوص والوصول إلى المصادر الأساسية، فقد فتحت القراءات التّناصيّة أبوابًا مشرعة من التأويل للنصوص والحوار حول النص واستقباله، إذ استلهمت دور القارئ في فتح دلالات النص وتأويله، مفككة مفاهيم تقليدية كالمؤلف والحدود الفاصلة بين النصوص، لكن ما اقترحه الباحثون في القرن الحالي قد كشف أن قدرة هذه النظريّة في التمثل وملاءمتها للتيارات النقدية الحديثة قد ظهر عبر القدرة على الانفتاح على بنيات أوسع، لتبدأ دورة جديدة في تفكيك مفاهيم سائدة متبلورة في صورة معالجات تتوسل السياقات الثقافيّة، وتكشف عن النفوذ السياسي والهيمنة ودور الاستعمار، وتمثيلات الهوية، محققة بذلك علاقات واسعة بين الأدبي وغير الأدبي، ولاسيما بعد ظهور تيارات ما بعد الاستعمار والنسوية والتاريخانية الجديدة والنقد الثقافي. وقد عمل هذا البحث على معالجة الآفاق المرجوة للنظرية التّناصيّة في سياق المراحل الثلاث التي شيدتها التيارات النقدية للمصطلح، والتي تبدأ بالتناص المباشر، ويمثل المرحلة الأولى من النظر إلى النص بوصفه ملمحًا لنصوص أخرى، ومن ثم التّناصيّة التي أكدت تفاعل وحضور المتلقي ودوره بعد انطلاق نظريات التلقي، أمّا المرحلة الثالثة فيمكن إطلاق (التّناصيّة الثقافيّة) عليها، لكون النظريّة قد بدت أكثر شمولية، ولا نهائية. يعلن هذا البحث عن أفول التناص ولاسيما في صورته السابقة: التناص المباشر، وانهيار بعض ملامح التّناصيّة التأويلية بعد تضاؤل دورهما النقدي، ويبشر بتفاعل أكبر لها في صورته الثالثة (الثقافيّة)، لذلك حاول الباحث التركيز على أبرز ملامح التّناصيّة الثقافي وطرق تفاعله مع النصوص في دوائرها الكبرى. أما مداخلة الأستاذ محمد بوعزة «إدوارد سعيد مفككا للسرد الإمبراطوري، اختار في ورقته الحديث عن تفكيك إدوارد سعيد للثقافة الغربية. وتكمن أهمية إدوارد سعيد بحسب الباحث، في كونه يعتبر مرجعا مؤسسا للنقد الثقافي من منظور ما بعد الكولونيالية، ذلك أن كتابه الاستشراق يعتبر المنطلق المرجعي لكل الخطابات ما بعد الكولونيالية، التي اهتمت بنقد النزعة المركزية العرقية للثقافة الغربية.وقد اخترت لها عنوانا» إدوارد سعيد مفككا للسرد الإمبراطوري». والمقصود بالسرد الإمبراطوري في سياق هذا التحليل هو التخييل السردي الذي أنتج في سياق الإمبريالية الغربية، ولا سيما في سياق الإمبراطورية البريطانية والفرنسية، والذي كان محكوما بنسق إيديولوجي مضمر في بناء تصوراته عن الآخر، غير الأوربي، الذي يعيش في الأطراف، على هامش الإمبراطورية. نسق يجد مرجعيته في استبطان مفاهيم وتصورات الابستيمولوجيا الإمبريالية حول تفوق ثقافة الغرب ومركزيته، ودونية الشعوب الأخرى وهامشيتها. وكان من مفاعيل هذا النسق المضمر وآثاره، تورط هذا التخييل في إنتاج صور وتمثيلات متحيزة، على الرغم مما يتوشح به من مجازات جمالية، توهم بأنه في منأى عن السياق الثقافي والتاريخي للعملية الإمبراطورية. مداخلة الأستاذ عثماني الميلود «الدراسات الإثنية والنقد ما بعد الاستعماري» فقد سعت إلى الكشف عن جانب مضيء من جوانب النقد الثقافي، أو ما يشكل جغرافيته الممتدة، مع إبراز دور الدراسات الإثنية في إعادة الاعتبار للمجموعات البشرية التي تعرضت للتهميش والظلم، والكشف عن الدور الذي قامت به نظرية ما بعد الاستعمار في فضح صور العولمة الثقافية وكيف أنها تسعى إلى صياغة المشروع الاستعماري من جديد كي يباشر أدواره كما رسمها الآباء الأولون للاستعمار. متوقفا في البداية عند مفهوم»الدراسات الإثنية»الذي يحيل إلى مفهوم «دراسات الأقليات» وعلاقته بمفهوم»النقد ما بعد الاستعماري»، وصلته بالإمبريالية والاستعمار الأوروبي والأمريكي، وذلك خلال القرون الأربعة الأخيرة سواء أتعلق الأمر بالخارج(الإمبراطورية) أو الداخل(الاستعباد)، وعنايتها بالجوانب الفنية والأدبية للمجموعات الإثنية المعلومة والمهمشة خلافا للنقد ما بعد الاستعماري الذي يتحرى الصلات القائمة بين المستَعمَرين والمتسعْمِرينَ إبان الفترات ما بعد استعمارية.مبينا أثر «للدراسات الإثنية « على الدراسات الأدبية في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، حيث نجد لدى «ويب ديبوا» سعياً لصوغ نظري لمنزلة الأفارقة الأمريكيين في أتون ثقافة بيضاء مهيمنة رغم وجود «وعي مضاعف» لهوية ثنائية تتضمن ما هو «أمريكي» وما هو «أسود». وقد أضفى الكتاب الأفرو- كاريبيين والأفارقة (إيمي سيزار، فرانز فانون، شينوا أشيبي) دلالة على الصيغة الأولى لنظرية وتطبيق «النقد الإثني» الذي بحث في العادات. وهي عادات وقيم تعرضت دوما للتهميش والنفي، سعى النقد الإثني إلى الاستعانة بها في بناء صورة و هوية الثقافات المقصية وصورتها من المجال العمومي لثقافة الأغلبية. وحديثا جدا، يضيف الباحث عثماني الميلود-أبدى دارسون وكتاب كبار (أمثال هنري لويس غايتس، طوني موريسون ، وكوام أنطوني أبْياه)، اهتماما شديدا بالمشاكل الضمنية في عملية تطبيق النماذج النظرية المشتقة من الأنموذج الأوروبي-المتمركز على الأعمال الأدبية للأقليات. لينتقل بعد ذلك إلى الظروف التاريخية لما بعد الاستعمار من خلال المنظر الأدبي الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه»الاستشراق» الذي عُدَّ، بعامة، أول كِتابٍ دشن، ضمنيا ،» النقد ما بعد الاستعماري» في الغرب. فقد أوْضحَ سعيد إدوارد أن مفهوم «الشرق» نحته «المخيال الجغرافي» للدارسين الغربيين، فكان الوسيلة التي سوغت استعمار المجتمعات العربية . من هنا سعت النظرية ما بعد الاستعمارية إلى قلب الاتجاه التاريخي للمركز والهامش بانتقاد المدينة الغربية والرأسمال الاستعماري الذي جلبه رواد المستعمرات. وبناء على ذلك أمطر منظرون شأن «هومي بابا» العقل المثنوي الذي أنتج ثنائية المركز والهامش، الأبيض والأسود، والمستَعمِر والمسْتَعمَر، وهي ثنائيات بررت بها القوى الاستعمارية أفعالها. هذا في الوقت الذي أمعن كل من غايتري وشبيفاك النظر في مسألة من كان يتحدث عن «المستعمَرين»، ومن كانت لديه الهيمنة على الخطاب، وتمثيل تطوير ذاتية ما بعد الاستعمار . وعلى شاكلة «النقد النسوي» و»النظرية الإثنية، فإن «النقد ما بعد الاستعماري»لم يكتف فقط بدراسة الأدب الهامشي للشعوب المستَعمرة في القوانين والخطابات المهيمنة، بل مارس نقدا جذريا لإيديولوجية المهيمنين، مع تخصيص مجالات واسعة لما سماه إدوارد سعيد ب»المخيال الجغرافي» للمستشرقين الذين بلوروا مفاهيم أسهمت في تقسيم الغرب والشرق، والمتحضِّرين وغير المتحضرين، العالم الأول والعالم الثالث. وفي هذه الحالة نلاحظ أن «النقد ما بعد الاستعماري» هو نقد مناضل ومقاوم وفق أهدافه ومراميه. الأستاذ محمد يوب عاد في مداخلته الموسومة ب» النقد الثقافي ومقاربة النوع الاجتماعي» إلى تاريخ النقد الثقافي بدءا من القرن 18 بأوربا إلى التطور الذي شهده في تسعينيات القرن العشرين، مع الناقد والمفكر الأمريكي «فنسنت ليتش» الذي دعا إلى نقد ثقافي تجاوز البنيوية والسيمائيات والاستيتيقا، واعتماد جوانب أخرى تسهم في فك ألغاز النصوص الأدبية . متوقفا عند مفهوم النقد الثقافي عند ليتش الذي يهتم بالكشف عن المضمر في ذهن المتلقي بهدف تبيان «العيوب النسقية المختبئة تحت عباءة الجمالي. والمتلقي في المنهج الثقافي، ليس هو المثقف النخبوي، بل هو المثقف الهامشي الذي يكافح من أجل إيصال صوته إلى العالم، وهذا الصوت ليس نموذجيا، وإنما هو صوت جماعي يعبر عن نبض الشارع، وهموم المواطن البسيط، يعبر عن صوت من لا صوت له «صوت المرأة –صوت السود صوت الهنود». ليعرج بعد ذلك إلى اللغة الذكورية والسياق التاريخي، معتبرا أن الإنسان هو الذي أنتج اللغة ليعبر بها عن نفسه، ومن خلال تطور استعماله للغة صارت هي التي تسيطر عليه وتصنع له عالمه، فاللغة غير محايدة فهي التي تؤطر له نسق مفرداته وتعابيره بما يؤكد حمولتها الثقافية التي تهيمن عل السلوك الإنساني. فاللغة بهذا المعنى تعمل على نقل وبلورة الأفكار والممارسات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، لأن اللغة المتداولة والمكتوبة والمبثوثة في حركات الجسد، مازالت تحمل علامات الذكر الذي رسّخ فيها معطيات مذكرة، وعملت على اختراع (الفحل الشعري) و(صناعة الطاغية) الشاعر، مع إقصاء عالم المرأة على المستوى اللسني، وتكمن إحدى إشكالات اللغة في أنها توجد ضمن أعمدة ثقافة المذكر من حيث إنه يعتبرها طريقته الفضلى للتموضع في بؤرة كل نقاش نظري أو فكري، كما تعتبر أحد أهم أدوات هذه الثقافة للاستمرار وإعادة إنتاج ذاتها. - لغة الجسد الأنثوي كمكون أساسي للكتابة النسائية، ولهذا لم تستطع المرأة إلا أن تبادل اللغة بالجسد، فحتى وإن شاركت مع الرجل في التعبير العادي، فهي تتفوق عليه في تعبيرات الجسد، فاللغة المباشرة للجسد تعتبر إحدى أسلحة المرأة للدفاع عن وجودها المباشر أمام سلطة المؤسسة اللغوية السائدة، وضد الذوبان والانصهار المعلن والخفي في صف الذكورة. فيقابل احتفاء المرأة بجسدها ولغاته، احتفالية الرجل بفحولته التي يعبر من خلالها عن كينونته وتفوقه في مدارج السلطة المعرفية والثقافية، ولهذا من حق المرأة أن تنظر لقضية الاختلاف بمفهوم التمايز لا بمفهوم المساواة. النقد الثقافي وكشف سلطة النقد الأدبي الذكوري ويأمل النقد الثقافي أن يحدث خطوطا جديدة في هندسة النقد الأدبي الذي ظل يستعمل مفاهيم الموضوعية في التحليل والمقاربة في تعاطيه مع كتابة النساء، من حيث إن الخطاب النقدي مُورس في غالبيته من طرف الرجال الذين عبّروا عن أيديولوجية ذكورية مركزية، حاول مناقشة الكتابة النسائية من معيار المساواة، على حساب الخصوصية والاختلاف والتمايز. هذا الخطاب إذ بجهله مسألة الاختلاف الجنسي، إنما يؤكد ضعف خطابه ورؤيته ومحدودية تصوره لأدب المرأة، مما يعكس بعض عوائقه المعرفية والتاريخية. فالنقد الأدبي – في تركيزه على الجمالي «أوقعَ نفسه، وأوقعنا في حالة من العَمى الثقافي التام عن العيوب النسقية المختبئة من تحت عباءة الجمالي، وظلت العيوبُ النسقية تتنامى متوسِلةً بالجمالي، الشعري والبلاغي، حتى صارت نموذجًا سلوكيًا يتحكم ذهنيًا وعمليًا، وصارت نماذجنا الراقية – بلاغيًا هي مصادر الخلل النسقي». ولعل هذا الخلل هو ما دفع الغذامي لأن يعلنَ عن «موت النقد الأدبي»– لأنه غير مؤهل لكشف هذا الخلل الثقافي– وإحلال النقد الثقافي مكانَه، بمعنى تحويل الأداة النقدية من أداة في قراءة الجمالي الخالص، وتبريره (وتسويقه) إلى أداة في نقد الخطاب وكشف أنساقه. لينتهي إلى أن فحولة اللغة وأنوثة المعنى. ذلك أن الكتابة النسائية تحدث نوعا من الفضول في نفسية المتلقي، وتدفعه إلى التنقيب في عوالمها الداخلية والخارجية من أجل استكشاف السر في جمالها وتألقها، والبحث عما يجعلها متألقة وجميلة وعن سر هذا الجمال يتساءل النقد الثقافي هل المرأة تكتب انطلاقا من المتخيل الأدبي، حيث تتمكن المرأة من خلق عالم متخيل خاص بها يميزها عن هيمنة الكتابة الذكورية فتتحول المرأة من المرأة المكتوب عنها إلى المرأة الكاتبة، وبذلك تتحول المرأة من صوت خافت مقموع إلى صوت سارد يعبر عن واقعه وأحاسيسه؟ أما مداخلة الأستاذ إدريس الخضراوي «الدرسات الثقافية والنقد الأدبي» استهدف فيها إبراز الأهمية التي تكتسيها الدراسات الثقافية في بلورة آليات مغايرة لقراءة النص من شأنها استكشاف مكامن الهيمنة والمقاومة فيه، حيث يتلازم في هذه القراءة الجمالي والسياسي في آن. وأبرز الباحث أن الدراسات الثقافية تستند إلى خلفية منهجية تكاملية عابرة للتخصصات، وهذا ما جعلها في زمن الأزمة التي تعيشها المناهج النقدية المتمركزة حول النص، تحظى بموقع لافت للنظر بحكم ما أحدثته، من خلال جهود الباحثين المنضوين في إطارها، من تحول في حقل نظرية الأدب تمثل في بناء مقاربة نقدية مختلفة تستند إلى فرضيات جديدة تعتبر الأدب ممارسة ثقافية دالة، يتطلب بناء المعرفة بها قدرة على فهم الأدب في طبيعته المركبة، وفي تفاعله المعقد مع المؤسسات الاجتماعية والقوى الخطابية المتنافسة. هذا ما يقتضي في نظر الخضراوي تشييد فهم جديد للأدب يتجاوز حدود التوظيف الجمالي للغة، إلى استحضار المردود الثقافي الذي يشمل حقولا معرفية عديدة. فإلى جانب الاهتمام بالأدب كخطاب لغوي جمالي، تبرز أهمية الوعي بالسياق الثقافي الواسع الذي يتحقق فيه. وذلك من أجل إنارته وتسليط ما يكفي من الضوء عليه حتى يكشف عن الأنساق المضمرة فيه. ويخلص الخضراوي إلى أن الباحث عندما يقبل على التفكير في وظيفة النقد ودوره انطلاقا مما تبلوره الدراسات الثقافية من أطروحات تنبعث أمامه عدة تساؤلات منها خاصة: هل يمكن الحديث عن مقاربة نقدية جديدة؟ وبالقياس إلى ماذا يحق اعتبارها جديدة؟ وما هي المعالم الأساسية لهذه المقاربة؟بالنسبة للمتدخل الأخير في الندوة، فقد قدم الأستاذ عبدالدين حمروش مداخلته، تحت عنوان « في نقد النقد الثقافي»، مشيرا إلى اهتمامه بمساءلة الأسس النظرية للنقد الثقافي، من خلال قراءة اجتهادات أحد النقاد الطليعيين العرب، أي الأستاذ عبد الله الغذامي. وقد جاءت ملاحظات الأستاذ منتظمة وفق ثلاثة عناوين فرعية: ميوعة الخلفية المعرفية؛ وضبابية مفهوم النسق الثقافي؛ وفاعلية الثقافة في مقابل ضمور الذات المنتجة للثقافة. ولأن الأمر تعلق بمداخلة نقدية، فقد تركزت ملاحظات المتدخل، بهذا الشأن، على شساعة الخلفية المعرفية للنقد الثقافي، بما ظل يحول دون انفراد الأخير بموضوع أصيل، وتخصصه به. وقد استدل على ملاحظته هاته، بالمفاهيم الواردة من أكثر من مجال معرفي: الفلسفة، السوسيولوجيا، الإعلام، السياسة، النقد الأدبي، الخ. أما بالنسبة للملاحظة الثانية، فقد همت هلامية مفهوم النسق الثقافي في مثل هذه الممارسات النقدية. كيف يمكن تعريفه، وتحديده بدقة، بعيدا عن التوصيفات العامة والملتبسة؟ ما هو النسق الثقافي؟ ما هي طبيعته ووظائفه؟ ما الذي يجعل هذا النوع من النسق يكتسب معناه الخاص المتميز عما يمكن رصده بالنسبة لأنساق أخرى؟ وفي الأخير، ألمح الأستاذ حمروش إلى أن تضخم فاعلية النسق الثقافي، تكاد تعدم فاعلية الذات المُنتجِة للنسق نفسه. هل الأمر يتعلق بتصور يعلي من شأن النسق في مقابل الذات، بما يجعل مختلف الأعمال الإنسانية مجرد انعكاس لنسق يتكشف تدريجيا؟ * كاتب مغربي