صياغة لواقعنا الهش مسرحيا عبر بحث رصين في الفعل واللغة عن منشورات دار أبي رقراق بالرباط، صدر للكاتب المسرحي عبد الإله بنهدار، نص مسرحي بعنوان «عيوط الشاوية»، وبهذه المناسبة، أقيم حفل تقديم وتوقيع الإصدار ببهو المسرح الوطني محمد الخامس، نشطه الفنان أحمد جواد، يوم الإثنين 28 أكتوبر الماضي، حيث أشار المؤلف إلى أن هذا العمل المسرحي استلهم بعض شخصياته من رواية للدكتور الميلودي شغموم «شجرة الخلاطة»، والتي صدرت في متصف التسعينات. وتساءل في تقديمه لهذه المسرحية قائلا: «أن يقرأ القارئ نصا إبداعيا ويكتب عنه بلذة أمر طبيعي.. وأن يقرأ القارئ نصا روائيا.. وتبقى شخوصه شاغلة باله وساكنة في مخيلته لمدة طويلة.. أمر عادي.. لكن أن يسلب عقلك نص أدبي ما سنوات وسنوات.. وأصوات شخصياته تناجيك وتغازلك في كل وقت وحين كي تكتب عنها على هواك وبطريقتك أنت.. أمر غير طبيعي». وتحدث المخرج المسرحي عبد الكبير الركاكنة بإسهاب عن هذا العمل الذي فتنته شخصياته ولغته وأحداثه الدرامية المتداخلة، وبحكم عمله مع الكاتب عبد الإله بنهدار في مناسبتين، الأولى فيلم قصير يحمل عنوان «بلاستيك» الذي أخرجه عبد الكبير الركاكنة ولعب بطولته الفنان رشيد الوالي والفنانة لطيفة أحرار، والمناسبة الثانية مسرحية «الجذبة» والتي هي من إنتاج مسرح الحال بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس، وقد حققت نجاحا إعلاميا وجماهيريا من خلال عرضها بعدة مدن مغربية. وفي تقديمه لهذا العمل المسرحي، أشار الدكتور مسعود بوحسين إلى أنه «يوما بعد يوم يفاجئنا الكاتب المسرحي والسيناريست عبد الإله بنهدار بعمل متين المبنى والمعنى، عمل يحاول فيه أن يعيد صياغة واقعنا الهش مسرحيا عبر بحث رصين في الفعل واللغة، فبعد أن نهل من رحيق التراث ومن ذاكرتنا التاريخية نصوصا جميلة، يعيد تسجيل حضوره ككاتب مسرحي يشق طريقه بعزم وإصرار بهذا النص الجميل «عيوط الشاوية» مستلهما واقع بعض الشخصيات من رواية «شجرة الخلاطة» للكاتب الالروائي المغربي الميلودي شغموم، نص وإن انطلق من رواية مغربية إلا أنه استطاع أن يحلق بعيدا عنه لدرجة أن أصبح الأخير منطلق إلهام أكثر من أن يكون موضوع اقتباس أو إعداد مسرحي. نص أبان فيه كاتبنا عن تمكن حقيقي من حبك المواقف وخلق المناخ الدرامي المقرون بسلاسة الحوار وعذوبته». وأضاف بوحسين في متن التقديم « تصور المسرحية عوالم المغرب العتيق، الذي تلعب فيه السلطة دور المتحكم في أحوال البلاد والعباد، تحركات الناس وسكناتهم، فلا أحد يستطيع أن يقوم مقامها، ولا أن يتحرك بمنأى عن مراقبة عيونها، كل الأحداث تدور تحت مراقبة القايد وأسئلته التي لا تنتهي. فمنذ الصفحات الأولى تتناسل المواقف وتتكاثف وفق بناء تتقاطع فيه أقدار ثلاث شخصيات أبى الواقع إلا أن يرميهم على حافة المجتمع: امرأة تتقمص دور ابنها الميت في الواقع والحي في الكناش الحالة المدنية، كي تتمكن من ممارسة فن العيطة باسم المعطي الكمنجة، ابن أختها الجيلالي شاب ذهب للدراسة في روسيا تحت نفقة المعطى الكمنجة رقية لكي يصنع مجدا لهذه العائلة المنكوبة دون جدوى، صديقتها رحمة التي اختارت أن تعيش على صداقة رقية بعد أن فقدت أملها في الحياة». في هذا العالم الهش والشجي- أضاف بوحسين ضمن الكلمة التقديمية- «يسير بنا المؤلف في جو مشحون بالشجن من ضيق الواقع وقسوة المجتمع على فئة تحاولجاهدة أن تحيا بالأمل والفن، شخصيات تراوغ واقعها دون أن تتمكن من تجاوزه، ملاذها الوحيد هو الشجن الذي ينبع من ذبذبات الوتر وعصة الغناء وحس الفكاهة السوداء التي ترسم الابتسامة وسط اليأس، عالم ينهل من ذاكرتنا الجمعية فيرسم لوحات مليئة بالشاعرية والشجن وبالكوميديا السوداء لعالم جاهل ومتخلف، والذي رغم نواقصه يجبرك على التعاطف معه وتحويل الكآبة إلى عالم شاعري مغلق». لقد توفق المؤلف –حسب تأكيد بوحسين- في «أن يجعل من المواقف وإن كانت تراجيدية في عمقها، طافحة بالسخرية التي لا تزيد إلا الإمعان في الشجن، فالشخصيات وإن كانت تقاوم، فهي لا تدخر جهدا في أن تنتزع الابتسامة في أشد المواقف قسوة على الذات وعلى الآخر، بل وحتى في حمأة تمادي السلطة في عد أنفاس الشخصيات، لا تجد هذه الأخيرة بدا من أن تنتزع الابتسامة بسحر العبارة البدوية وبلاغتها وطرافتها، وكأنها تجعل من الفن حتى في أبعاده اليومية، أداة لمقاومة القهر». وختم بوحسين كلمته التقديمية لهذا النص المسرحي بالقول إن «عبد الإله بنهدار في هذا النص من أن يجعل من اللغة إحدى عناصر نصه، من خلال عبارات بدوية بعيدة عن التصنع والبحث عن الفكاهة الزائفة، عبارة أنيقة وصقيلة تعكس روح البداوة في بساطتها وعمقها، وأحيانا في مكرها المبرر بالرغبة في العيش تحت وطأة استبداد لا تجد منه مفرا.. نص مغربي حتى النخاع، ينم عن أن الكتابة المسرحية الحقة لا تتأتى إلا بالتزام حقيقي باستبطان عمق الواقع وتمثله في أبعاده النفسية والاجتماعية، قبل أن يكتسي بعدا فنيا رمزيا وشاعريا في قالبه الفني النهائي، نص جدير بالقراءة والمشاهدة معا». وفي ختام اللقاء، أشار مؤلف المسرحية الكاتب والسيناريست عبد الإله بنهدار، إلى هذا العمل المسرحي وضعه رهن إشارة ثلة من الفنانين والفنانات ليبعثوا الروح في هذا الجسد المسرحي، وهم فريد الركراكي وسعيد أيت باجا وجليلة تلمسي وجميلة الهوني.