ظاهرة الباعة المتجولين تستفحل يوميا في غياب شبه تام للسلطات المحلية التي تكتفي بالتفرج ظاهرة الباعة المتجولين صارت تلقى نوعا من التثبيت ليس فقط من قبل من يتعاطونها جهارا بل حتى لدى المعنيين الذين تقع عليهم مسؤولية حماية الملك العام بالعاصمة الاقتصادية. فمن بين هؤلاء الباعة المتجولون أشخاص يستحوذون على أماكن متعددة في نفس الشارع، يعرضون فيها السلع المختلفة. في الواقع، فإن من بين هؤلاء ميسورون يحولون الشوارع العامة إلى «بقرة حلوب» تدر عليهم أموالا باهضة، معفاة من الواجبات القانونية التي عادة تثقل كاهل أصحاب المحلات التجارية الذين عليهم أداء الضرائب والمرابحات كل سنة. بهذا المنطق التجاري الشاذ أصبح التجار الملتزمون بالقانون عرضة للإفلاس بل منهم من اضطر إلى إقفال المحل والبحث عن مورد آخر للعيش إن لم نقل أنه تحول هو الآخر إلى بائع متجول. حقيقة، إن هذه الظاهرة التي تنخر الاقتصاد الوطني يجد فيها بعض أعوان السلطة المحلية «منجما» يدر عليهم المال السهل وذلك عن طريق غض الطرف عن الاستغلال البشع للملك العام من قبل الباعة المتجولين في الشوارع التي تعرف استفحالا للظاهرة، كما أن بعض رجال السلطة هنا وهناك، لا يتساهلون فقط مع الظاهرة، بل يساهمون في انتشارها برعايتهم لبعض المحظوظين من الباعة المتجولين الذين يجدون في هذه الرعاية، مبررا، لتوسيع أنشطتهم والاستيلاء على مزيد من الملك العام بدعوى أن عليهم أداء مبالغ مالية لمن يوفرون لهم الحماية. توسعت ظاهرة الباعة المتجولين في مدينة الدارالبيضاء الكبرى، لتشمل ليس فقط الدروب والأزقة بالأحياء الشعبية، بل أيضا الشوارع الرئيسية ومحيط الفنادق المصنفة التي صارت تضج بالباعة المتجولين، إما يحملون سلعهم أو يعرضونها فوق الرصيف نموذج ذلك فندق حياة ريجنسي. هذه الظاهرة، التي عجزت السلطات المعنية عن إيجاد حل مناسب للحد منها صارت تمتد وتتوسع لتشوه بذلك المنظر العام في العاصمة الاقتصادية وتضيق الخناق على الراجلين الذين تزدحم بهم الممرات العمومية، لا سيما، في أوقات الذروة، حيث ترتفع الحركة وتبلغ أوجها، خاصة في أهم شوارع المدينة كشارع الأمير مولاي عبدا لله، محمد الخامس التي صارت قبلة لأنواع مختلفة من السلع والبضائع يعرضها شباب نساء وحتى أطفال صغار، منهم من يقوم بذلك بطرق استفزازية حيث يرغمون المارة،خاصة السياح، على شراء منتجات لا يرغبون فيها عن طريق الاستعطاف، مما يتسبب في إزعاج السائحين الذي يشعرون بمواقف حرجة، فيما يفضل بعضهم إعطاء الشحاذين درهمين أو ثلاثة للفكاك من مثل هذه المآزق. إن ارتباط عيش فئة اجتماعية عريضة بظاهرة البيع بالتجول وإن كا في جوهره يعني حاجة هذه الفئة إلى العمل وكسب القوت اليومي،إلا،أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الملك العمومي وعلى حساب راحة سكان البيضاويين.فهذه الظاهرة التي تجد مبررها في الفقر وبطالة الشباب،لا يعبأ أصحابها بما تلحقه من إساءة وتشويه برونق وجمالية المدينة، ولا بسكانها الذين يضطرون في الشوارع العمومية المكتظة عن آخرها ب»الفراشة»، للسير جنبا إلى جنب مع وسائل النقل من سيارات وحافلات...،مع ما ينتج عن ذلك من حوادث سير خطيرة تتسبب بعضها في حصد أرواح الأبرياء،هذا إضافة إلى ما قد تتسبب فيه هذه الظاهرة من أضرار صحية لمن يقبلون على شراء سلع ومواد غذائية يتم عرضها من قبل الباعة المتجولين في الشارع العام في غياب الشروط اللازمة لحفظها واستدامة صلاحيتها، لاسيما في فصل الصيف، حيث تتعرض الكثير من السلع للتلف خاصة منها التي لا تتحمل ارتفاع درجات الحرارة خارج أجهزة التبريد. في الواقع حالات كثيرة للتسمم الغذائي هي نتيجة تناول مواد غذائية إما أنها منتهية الصلاحية أو أن هذه السلع تعرضت للتلف. صحيح أن التسمم الغذائي هو في الغالب نتيجة لغياب المراقبة الصحية من قبل الجهات المعنية لمحلات إعداد الوجبات الغذائية بكل أنواعها وأصنافها، إلا أن العدد الأكبر من ضحايا التسمم الغذائي، هو ممن يقبلون على شراء المواد الغذائية أو الأكلات الخفيفة من باعة متجولين أو من محلات غير مرخص لها، وهي للأسف صارت تنبت كالفطر في أي مكان خاصة في الأحياء الشعبية حيث المراقبة منعدمة أو تخضع للمزاجية وكذا المحسوبية والمحزوبية، وفي غالب الأحوال ل»ادهن السير أسير». إن القضاء على ظاهرة الباعة المتجولين التي أفرزها التدبير السيء للشأن المحلي والذي استمر لعقود ومازال متواصلا، وكان من بين نتائجه ارتفاع معدل البطالة وقلة فرص الشغل، والأمية، وغير ذلك من السلبيات التي لها الأثر البليغ على منظومة قيمنا المجتمعية التي لها بعد جوهري في بناء المواطنة والسلوك المواطناتي الذي صرنا نفتقده يوما بعد يوما، أقول إن القضاء على ظاهرة الباعة المتجولين، يقتضي وقفة تأملية في الخطط والبرامج التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة، من أجل الحد من الظاهرة، وحساب هذه النتائج، فلا شك أن هناك الكثير والكثير من الاختلالات تشوب هذه الإستراتيجية التي تروم القضاء على ظاهرة الباعة المتجولين في العاصمة الاقتصادية.