اختتمت مساء الأحد الماضي بقصر البديع بمراكش فعاليات الدورة ال 48 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية، التي نظمت على مدى خمسة أيام تحت شعار « المرأة والفنون الشعبية «. ويروم هذا المهرجان أساسا الاحتفال بتنوع التعبيرات الثقافية والفنية المقدمة على صعيد التراب الوطني، مع تثمين وإنعاش هذا الموروث الوطني الغني، والعمل على المحافظة على التقاليد الشعبية الوطنية وصيانتها. وشكلت الإيقاعات الموسيقية للفرق الشعبية ال21 المشاركة، والتي مثلت مختلف جهات المملكة، فرصة للجمهور المغربي والسياح الأجانب للاستمتاع بالعروض المقدمة والمتضمنة لأشعار وأهازيج ورقصات شعبية تحكي عن الحضارة المغربية الضاربة جدورها في عمق التاريخ. وتجاوب الجمهور الحاضر بعفوية وتلقائية مع اللوحات التي قدمتها المجموعات الفلكلورية، وهو ما من شأنه المساهمة في تعزيز تشبث هؤلاء الفنانين، «المعلمين» منهم والشباب، بفنهم، وبالتالي المحافظة على هذا التراث الأصيل الذي يعد جزء من ثقافة وهوية المغرب. وخلال هذه الدورة، التي أشرف على إخراجها عبد الصمد دينيا، تم إبراز المكانة الأساسية التي تضطلع بها المرأة في الفنون الشعبية ودورها الكبير في المحافظة على هذا التراث اللامادي ونقله للأجيال الصاعدة، حيث كانت تستهل كل ليلة هذه العروض بصيحات نابعة من الجبال المغربية وإنشاد أشعار أمازيغية، يليها التقديم الجماعي لكل النساء أعضاء الفرق المشاركة في المهرجان، بلباسهن التقليدي، وذلك تكريما لهن على الدور الذي يضطلعن به كرائدات في المحافظة على هذا التراث، وحضورهن القوي داخل المجموعات الفلكلورية. وشارك في هذه الدورة، التي نظمتها مؤسسة مهرجانات مراكش، بالإضافة الى المجموعات الشعبية، التي تضم في مجملها حوالي 400 فنانا، أزيد من عشر فرق موسيقية مغربية وأجنبية خاصة من كوريا الجنوبية وإسبانيا وفرنسا. ويندرج المهرجان الوطني للفنون الشعبية، الذي يعد من أقدم المهرجانات بالمغرب (انطلق سنة 1960)، في إطار دينامية المحافظة وإنعاش ونقل التراث اللامادي للمملكة، وهو ممثل بفنونه الشعبية والتقليدية (الإيقاعات الموسيقية، الرقصات، المهن الفنية والمنتوجات المحلية). وسلطت فقرات برامج هذه الدورة الضوء على أهم أنواع الموسيقى الشعبية المغربية والدور الذي تلعبه المرأة داخل الفرق الفلكلورية ومساهمتها في المحافظة على هذا التراث الثمين المتضمن لإيقاعات وأشعار وأهازيج ورقصات شعبية متفردة تعكس التنوع الحضاري والثقافي لكل منطقة على حدة. ومن بين الفرق ال 21 التي شاركت في هذه الدورة، أثثت مجموعة نساء أحواش تافراوت، وفرقة عيساوة مكناس، وفرقة كناوة مراكش، وفرقة حاحة تمنار القادمة من منطقة الصويرة، وفرق فلكلورية أخرى فضاء قصر البديع الذي احتضن العروض الرسمية لهذه التظاهرة. في حين استقبل فضاء المسرح الملكي أزيد من عشر فرق موسيقية، من بينها العيطة الجبلية والرايسة فاطمة تاشكوتك، والفرقة الكورية»دوكوانداي»، ومجموعة فلامنكا استيفانيا كويفاس، والفرقة الموسيقية باربيس بفرنسا، تمكنت من استقطاب جمهور كبير بفضل أساليبها الموسيقية المتميزة. وقد أكد المدير الفني للمهرجان الوطني للفنون الشعبية ابراهيم المزند، بمراكش، أن الإقبال الكبير للجمهور على عروض الدورة ال48 لهذه التظاهرة الفنية، تعكس الارتباط الوثيق للمغاربة بتراثهم اللامادي، الذي يشكل أساس الهوية المغربية. وأوضح المزند، أن هذه الدورة، تعكس أيضا الارتباط الأكيد للفرق الموسيقية بهذا الموعد السنوي، وبالقيم الأصيلة الضاربة في عمق التاريخ، التي تعتبر جزء مندمجا في الهوية المغربية. وأشاد المزند المستوى العالي للفرق المشاركة في هذه الدورة، مضيفا أن أشكال جديدة من الفنون التقليدية تمت برمجتها خلال دورة هذه السنة، ما مكن من الانفتاح على أنواع موسيقية مغربية أخرى. وبعد أن أشار إلى أن البرنامج الذي خصص للمسرح الملكي والذي تضمن مشاركة مجموعات موسيقية مغربية وأجنبية، عرف استحسانا كبيرا من قبل الجمهور سواء المغاربة أو السياح الأجانب، أكد المزند أن العروض الرئيسية التي احتضنها فضاء قصر البديع كل ليلة خلال هذه الدورة، تروم تمكين عدد واسع من الجمهور من المتابعة والاستمتاع بتنوع وغنى التراث المغربي . من جهة أخرى، قال ابراهيم المزند إن اقتراب الاحتفال بالذكرى ال50 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية، الذي يعتبر حدثا هاما، يدعو مختلف المتدخلين إلى التفكير العميق في أنجع السبل لضمان ونقل هذا التراث اللامادي للأجيال الصاعدة. ودعا في هذا السياق، إلى التعبئة من أجل رفع تحديات استمرارية هذا التراث الوطني الغني والمتنوع، وتضافر جهود الجميع من بينهم المؤسسات العمومية والجماعات المحلية والقطاع الخاص، لجعل مدينة مراكش وجهة سياحية ثقافية بامتياز.